الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُحَرَّمٌ. ولَنا، أنَّ هذا ليس بِنَقْصٍ فى عَيْنِها، ولا قِيمَتِها، فلم يكُنْ عَيْبًا كالصِّناعَةِ، ولا نُسَلِّمُ أنّ الغِناءَ مُحَرَّمٌ، وإنْ سَلَّمْناه، فالمُحَرَّمُ اسْتِعْمالُه، لا مَعْرِفَتُه، والعَسَرُ (22) ليس بِعَيْبٍ، وكان شُرَيحٌ يَرُدُّ به. ولنا، أنَّه ليس بِنَقْصٍ، وعَمَلُه بإحْدَى يَدَيْهِ يَقُومُ مَقامَ عَمَلِه بالأُخْرَى، والكُفْرُ ليس بعَيْبٍ. وبه قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: هو عَيْبٌ؛ لأنَّه نَقْصٌ؛ بدَلِيلِ قَوْلِ اللَّه تعالى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (23). وَلَنا، أَنّ العَبِيدَ يكونُ فيهم المسلمُ والكافِرُ، والأصلُ فيهم الكُفْرُ، فالإطلاقُ لا يَقْتَضِى خلافَ ذلك، وكوْنُ المُؤْمِنِ خَيْرًا مِن الكافِرِ لا يَقْتَضِى كَوْنَ الكُفْرِ عَيْبًا، كما أنّ المُتَّقِىَ خيرٌ مِن غيرِه، قال اللهُ تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (24). ولَيْسَ عَدَمُ ذلك عَيْبًا. وكَوْنُه وَلَدَ زِنًى ليس بِعَيْبٍ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: هو عَيْبٌ فى الجارِيَةِ؛ لأنّها تُرادُ للافْتِراشِ، بخلافِ العَبْدِ. ولَنا، أنّ النَّسَبَ فى الرَّقِيقِ غيرُ مَقْصُودٍ، بِدَلِيلِ أنّهم يُشْتَرونَ مَجْلُوبِينَ، غيرَ مَعْرُوفِى النَّسَبِ. وكَوْنُ الجارِيةِ لا تُحْسِنُ الطَّبْخَ أو الخَبْزَ أو نحوَ هذا ليس بِعَيْبٍ؛ لأنَّ هذه حِرْفَةٌ، فلم يكن فَواتُها عَيْبًا، كسائِرِ الصَّنائِعِ، وكَوْنُها لا تَحِيضُ، ليس بِعَيْبٍ. وقال الشَّافعىُّ: هو عَيْبٌ إذا كان لِكِبَرٍ؛ لأنَّ مَن لا تَحِيضُ لا تَحْمِلُ. ولَنا، أنَّ الإطْلَاقَ لا يَقْتَضِى الحَيْضَ، ولا عَدَمَهُ، فلم يكن فَوَاتُه عَيْبًا، كما لو كان لغيرِ الكِبَرِ.
فصل:
وإذا اشْتَرَطَ المُشْتَرِى فى المَبِيعِ (25) صِفَةً مَقْصُودَةً مِمَّا لا يُعَدُّ فَقْدُه عَيْبًا، صَحَّ اشْتِرَاطُه، وصَارَتْ مُسْتَحَقَّةً، يَثْبُتُ له خِيارُ الفَسْخِ عندَ عَدَمِها، مثلُ أن يَشْتَرِطَ مُسْلِمًا، فَيِبينَ كافِرًا، أو يَشْتَرِطَ الأمَةَ بِكْرًا أوْ جَعْدَةً أو طَبَّاخَةً، أو ذاتَ
(22) العَسَر: العمل بالشمال، دون اليمين.
(23)
سورة البقرة 221.
(24)
سورة الحجرات 13.
(25)
فى الأصل: "البيع".
صَنْعَةٍ، أو لَبَنٍ، أو أنَّها تَحِيضُ، أو يَشْتَرِطَ فى الدَّابَّةِ أنَّها هِمْلاجَةٌ (26)، أو فى الفَهْدِ أنَّه صَيُودٌ، وما أشْبَه هذا. فمتى بانَ خِلافُ ما اشْتَرَطَه (27)، فله الخِيارُ فى الفَسْخِ، والرُّجُوعُ بالثَّمَنِ، أو الرِّضا به، ولا شىءَ له. لا نَعْلَمُ بينهم فى هذا خِلافًا؛ لأنَّه شَرَطَ وَصْفًا مَرْغُوبًا فيه، فصارَ بالشَّرْطِ مُسْتَحِقًّا. فأمَّا إن شرطَ صِفَةً غيرَ مَقْصُودَةٍ، فبانَتْ بخِلافِها، مثلَ أن يَشْتَرِطَها سَبِطَةً (28) فبانَتْ جَعْدَةً، أو جاهِلَةً، فبانَتْ عالِمةً، فلا خِيارَ له؛ لأنَّه زادَهُ خَيْرًا. وإن شرَطَها كافِرَةً فبانَتْ مُسْلِمَةً، أو ثَيِّبًا، فبانَتْ بِكْرًا، فله الخِيارُ؛ لأنَّ فيه قَصْدًا صَحِيحًا، وهو أنَّ طالِبَ الكافِرَةِ أكْثَرُ؛ لِصَلاحِيَتِها لِلْمُسْلِمِينَ وغيرِهم، أو لِيَسْتَرِيحَ من تَكْلِيفِها العِباداتِ. وقد يَشْتَرِطُ الثَّيِّبَ؛ لِعَجْزِه عن البِكْرِ، أو لِيَبِيعَها لِعاجِزٍ عن البِكْرِ. فقد فات قَصْدُه. وقيل: لا خِيارَ له؛ لأنَّ هذين زِيادَةٌ، وهو قول الشَّافِعِىِّ فى البِكْرِ، واخْتِيارُ القاضى. واسْتَبْعدَ كونَه يَقصدُ الثُّيُوبَةَ، لِعَجْزِه عن البِكْرِ، وليس هذا بِبَعِيدٍ، فإنَّه مُمْكِنٌ، والاشْتِراطُ يَدُلُّ عليه، فيَصِيرُ بالدَّلِيلِ قريبًا. وإنْ شَرَطَ الشَّاةَ لَبُونًا، صَحَّ، وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يجوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فى الضَّرْعِ، فلم يَجُزْ شَرْطُهُ. ولَنا، أنَّه أمْرٌ مَقْصُودٌ يَتَحَقَّقُ فى الحَيَوانِ، ويَأْخُذُ قِسْطًا من الثَّمَنِ، فصَحَّ اشْتِراطُه، كالصِّناعَةِ فى الأمَةِ، والهَمْلَجَةِ فى الدَّابَّةِ. وإنَّما لم يَجُزْ بَيْعُه مُفْرَدًا (29)؛ للجَهالَةِ، والجَهالةُ تَسْقُطُ فيما كان تَبَعًا (30)، وكذلك لو اشْتَراهَا بغير شَرْطٍ، صَحَّ بَيْعُها معه، وكذلك يَصِحُّ بَيْعُ أساساتِ الحِيطانِ والنَّوَى فى التَّمْرِ معه، وإن لم يَجُزْ بَيْعُهما (31) مُفْرَدَيْنِ. وإن شَرَطَ أنَّها تَحْلُبُ كلَّ يومٍ قَدْرًا مَعْلُومًا، لم يَصِحَّ؛ لِتَعَذُّرِ الوَفاءِ به؛ لأنَّ اللَّبَنَ يَخْتَلِفُ، ولا يُمْكِنُ ضَبْطُه. وإن شَرَطَها غَزِيرَةَ
(26) أى: حسنة السير فى سرعة وتبختر.
(27)
فى الأصل: "شرطه".
(28)
أى: شعرها مسترسل لا جعودة فيه.
(29)
فى الأصل: "منفردا".
(30)
فى النسخ: "بيعا". ولعل الصواب ما أثبتناه.
(31)
فى م: "بيعها".
اللَّبَنِ، صَحَّ؛ لأنَّه يمكنُ الوَفاءُ به. وإن شَرَطَها حامِلًا، صَحَّ. وقال القاضى: قِياسُ المَذْهَبِ أنَّه لا يَصِحُّ. لأنَّ الحَمْلَ لا حُكْمَ له؛ ولهذا لا يَصِحُّ اللِّعانُ على الحَمْلِ، ويَحتَمِلُ أنَّه رِيحٌ. ولَنا، أنَّه صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ يمكنُ الوَفاءُ بها، فصَحَّ شَرْطُه، كالصِّناعَةِ، وكونِها لَبُونًا، وقد بَيَّنَّا فيما قبلُ أنَّ لِلْحَمْلِ حُكْمًا، ولذلك حَكَمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فى الدِّيَةِ بأَرْبَعِينَ خَلِفَةً فى بُطُونِها أوْلَادُها (32). ومَنَعَ أخْذَ الحَوامِلِ فى الزَّكَاةِ (33)، ومَنَعَ وَطْءَ الحَبالَى الْمَسْبِيَّاتِ (34)، وجَعَلَ اللهُ تعالَى عِدَّةَ الحامِلِ وَضْعَ حَمْلِها، وأرْخَصَ لها فى (35) الفِطْرِ فى رمضانَ إذا خافَتْ على ولَدِها، ومَنَعَ من الاقْتِصاصِ منها، وإقامَةِ الحَدِّ عليها من أجلِ حَمْلِها. وظاهِرُ الحَدِيثِ المَرْوِىِّ فى اللِّعانِ، يَدُلُّ على أنَّه لاعَنَها فى حالِ حَمْلِها، فانْتَفَى عنه ولدُها، وإن شَرَطَ أنَّها تَضَعُ الوَلَدَ فى وَقْتٍ بِعَيْنِه، لم يَصِحَّ وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه لا يمكنُ الوَفاءُ به، [وإن شَرَطَ أنَّها لا تَحْمِلُ، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لأنَّه لا يمكنُ الوَفاءُ به](36). وقال مالِكٌ: لا يَصِحُّ فى المُرْتَفِعاتِ. ويَصِحُّ فى غيرِهِنَّ. ولنا، أنَّه باعَها بِشَرْطِ البَراءَةِ من الحَمْلِ، فلم يَصِحَّ كالمُرتَفعاتِ. وإن شَرَطَها حائِلًا (37)، فبانَتْ حامِلًا،
(32) أخرجه أبو داود، فى: باب فى دية الخطأ شبه العمد، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 492، 501. والنسائى، فى: باب كم دية شبه العمد، وباب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 36 - 38. وابن ماجه، فى: باب دية شبه العمد مغلظة، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 877، 878. والدارمى، فى: باب الدية فى شبه العمد، من كتاب الديات. سنن الدارمى 2/ 197. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 11، 103.
(33)
تقدم فى: 4/ 45.
(34)
أخرجه الترمذى، فى: باب فى كراهة أكل المصبورة، من أبواب الصيد، وفى: باب ما جاء فى كراهية وطء الحبالى من السبايا، من أبواب السير. عارضة الأحوذى، 6/ 266، 7/ 59. والنسائى، فى: باب بيع المغانم قبل أن تقسم، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 265. والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 127.
(35)
سقط من: م.
(36)
سقط من: الأصل. نقلة نظر.
(37)
الحائل: من كل أنثى، هى التى لم تحمل.