الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، وإن امْتَنَعُوا من القَضَاءِ، بَاعَ الحاكِمُ من التَّرِكَةِ ما يُقْضَى به الدَّيْنُ. وإِن مَاتَ مُفْلِسٌ وله غُرَمَاءُ، بعضُ دُيُونِهم مُؤَجَّلٌ، وبعضُها حَالٌّ، وقُلْنا: المُؤَجَّلُ يَحِلُّ بالمَوْتِ. تَسَاوَوْا فى التَّرِكَةِ، فَاقْتَسَمُوهَا على قَدْرِ دُيُونِهم. وإن قُلْنا: لا يَحِلُّ بالمَوْتِ. نَظَرْنَا؛ فإن وَثَّقَ الوَرَثَةُ لِصَاحِبِ المُؤَجَّلِ، اخْتَصَّ أصْحَابُ الحالِّ بالتَّرِكَةِ، وإن امْتَنَعَ الوَرَثَةُ من التَّوْثِيقِ، حَلَّ دَيْنُه، وشَارَكَ أصْحَابَ الحالِّ، لئَلَّا يُفْضِىَ إلى إسْقَاطِ دَيْنِه بالكُلِّيَّةِ.
فصل:
حَكَى بعضُ أصْحَابِنَا فى مَن مَاتَ وعليه دَيْنٌ، هل يَمْنَعُ الدَّيْنُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إلى الوَرَثَةِ؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهما، لا يَمْنَعُه؛ لِلْخَبَرِ، ولأنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بالمالِ لا يُزِيلُ المِلْكَ فى حَقِّ الجَانِى والرَّاهِنِ والمُفْلِسِ، فلم يَمْنَعْ نَقْلَه. فإن تَصَرَّفَ الوَرَثةُ فى التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ أو غيرِه، صَحَّ تَصَرُّفُهُم، ولَزِمَهُم أدَاءُ الدَّيْنِ، فإن تَعَذَّرَ وَفَاؤُه، فُسِخَ تَصَرُّفُهم، كما لو بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَه الجانِى، أو النِّصَابَ الذى وَجَبَتْ فيه الزَّكَاةُ. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ إليهم، لِقَوْلِ اللهِ تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (5). فجَعَلَ التَّرِكَةَ لِلْوَارِثِ من بعدِ الدَّيْنِ والوَصِيَّةِ، فلا يَثْبُتُ لهم المِلْكُ قبلَهما. فعلى هذا، لو تَصَرَّفَ الوَرَثَةُ، لم يَصِحَّ تَصَرُّفُهم؛ لأنَّهم تَصَرَّفُوا فى غيرِ مِلْكِهِم، إلَّا أن يَأْذَنَ الغُرَمَاءُ لهم، وإن تَصَرَّفَ الغُرَمَاءُ، لم يَصِحَّ إلا بِإِذْنِ الوَرَثَةِ.
804 - مسألة؛ قال: (وَكُلُّ مَا فَعَلَهُ المُفْلِسُ فِى مَالِه قَبْلَ أنْ يَقفَهُ الْحَاكِمُ، فَجَائِزٌ)
يعنى قبلَ أن يَحْجُرَ عليه الحاكِمُ. فنَبْدَأُ بِذِكْرِ سَبَبِ الحَجْرِ، فنقولُ: إذا رُفِعَ إلى الحاكِمِ رَجُلٌ عليه دَيْنٌ، فسَأَلَ غُرَمَاؤُه الحاكِمَ الحَجْرَ عليه، لم يُجِبْهم حتى تَثْبُتَ دُيُونُهم بِاعْتِرَافِه أو بِبَيِّنَةٍ، فإذا ثَبَتَتْ، نَظرَ فى مَالِه، فإن كان وَافِيًا بِدَيْنِه،
(5) سورة النساء 11.
لم يَحْجُرْ عليه، وأمَرَه بِقَضَاءِ دَيْنِه، فإن أبَى حَبَسَهُ، فإن لم يَقْضِه (1)، وصَبَرَ على الحَبسِ قَضَى الحاكِمُ دَيْنَه من مَالِه، وإن احْتَاجَ إلى بَيْعِ مَالِه فى قَضَاءِ دَيْنِه بَاعَهُ، وإن كان مَالُه دونَ دَيْنِه، ودُيُونُه مُؤَجَّلَةٌ، لم يَحْجُرْ عليه؛ لأنَّه لا تُسْتَحَقُّ مُطَالَبَتُه بها، فلا يَحْجُرُ عليه من أجْلِهَا. وإن كان بعضُها مُؤَجَّلًا، وبعضُها حالًّا، ومَالُه يَفِى بالحالِّ، لم يَحْجُرْ عليه أيضا كذلك. وقال بعضُ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ: إن ظَهَرَتْ أمَارَاتُ الفَلَسِ، لِكَوْنِ مَالِه بإِزَاءِ دَيْنِه، ولا نَفَقَةَ له إلَّا من مَالِه، ففيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، يَحْجُرُ عليه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أن مَالَه يَعْجِزُ عن دُيُونِه، فهو كما لو كان مَالُه نَاقِصًا. ولنا: أن مَالَهُ وافٍ بما يَلْزَمُه أدَاؤُه، فلم يُحْجَرْ عليه، كما لو لم تَظْهَرْ أمَارَاتُ الفَلَسِ، ولأنَّ الغُرَمَاءَ لا يُمْكِنُهُم طَلَبُ حُقُوقِهم فى الحال، فلا حَاجَةَ إلى الحَجْرِ. وأما إن كانت دُيُونُه حالَّةً، يَعْجِزُ مَالُه عن أدَائِها، فسَأَلَ غُرَمَاؤُه الحَجْرَ عليه، لَزِمَتْهُ إجَابَتُهم. ولا يجوزُ الحَجْرُ عليه بغيرِ سُؤَالِ غُرَمَائِه؛ لأنَّه لا وِلَايةَ له فى ذلك، وإنما يَفْعَلُه لِحَقِّ الغُرَمَاءِ، فاعْتُبِرَ رِضَاهُم به. وإن اخْتَلَفُوا، فطَلَبَ بعضُهم دُونَ بعضٍ، أُجِيبَ مَن طَلَبَ؛ لأنَّه حَقٌّ له. وبهذا قال مَالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وقال أبو حنيفةَ: ليس لِلْحَاكِمِ الحَجْرُ عليه، فإذا أدَّى اجْتِهَادُه إلى الحَجْرِ عليه ثَبَتَ؛ لأنَّه فِعْلٌ (2) مُجْتَهَدٌ فيه، وليس له التَّصَرُّفُ فى مَالِه؛ لأنَّه لا وِلَايةَ عليه، إلَّا أنَّ الحَاكِمَ يُجْبِرُه على البَيْعِ إذا لم يُمْكِنِ الإيفَاءُ بدونه، فإن امْتَنَعَ لم يَبِعْه، وكذلك إن امْتَنَعَ المُوسِرُ من وَفَاءِ الدَّيْنِ، لا يَبِيعُ مَالَه، وإنَّما يَحْبِسُهُ لِيَبِيعَ بِنَفْسِه، إلَّا أن يكونَ عليه أحَدُ النَّقْدَيْنِ، ومَالُه من النَّقْدِ الآخَرِ، فيَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ عن الدَّنَانِيرِ، والدَّنَانِيرَ عن الدَّرَاهِمِ؛ لأنَّه رَشِيدٌ لا وِلَايةَ (3) عليه، فلم يَجُزْ لِلْحَاكِمِ بَيْعُ مَالِه بغيرِ إذْنِه، كالذى لا دَيْنَ عليه، وخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فى ذلك. ولَنا، ما رَوَى كَعْبُ بن مَالكٍ،
(1) فى الأصل: "يقضى".
(2)
فى أ، م:"فصل".
(3)
فى م: "لاوية". خطأ.