الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الإِجاراتِ
الأصْلُ في جَوَازِ الإِجَارَةِ الكِتَابُ والسُّنَّةُ، والإِجْمَاعُ. أمَّا الكِتَابُ، فقولُ اللَّه تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1). وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} (2). ورَوَى ابنُ ماجَةَ في "سُنَنِه"(3) عن عُتْبَةَ بن النُّدَّر، قال: كُنَّا عند رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَرأَ: {طس} حتى إذا بَلَغَ قِصَّةَ موسى، قال:"إنَّ مُوسَى عليه السلام آجَرَ نَفسَه ثَمَانِىَ حِجَجٍ، أوْ عَشْرًا، عَلَى عِفَّةِ فَرْجِه، وطَعَامِ بَطْنِه". وقال اللهُ تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (4). وهذا يَدُلُّ على جَوَازِ أخْذِ الأجْرِ على إِقَامَتِه. وأمَّا السُّنَّةُ، فَثَبَتَ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبا بَكرٍ، اسْتَأْجَرَا رَجُلًا من بَنِى الدِّيلِ هادِيا خِرِّيتًا (5). ورَوَى البُخَارِيُّ، عن أبي هُرَيْرةَ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "قَالَ اللهُ عز وجل: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أعْطَى بِى ثم غَدَرَ، ورَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ
(1) سورة الطلاق 6.
(2)
سورة القصص 26، 27.
(3)
في: باب إجارة الأجير على طعام بطنه، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 817.
(4)
سورة الكهف 77.
(5)
الخريت: هو الماهر بالهداية.
والحديث أخرجه البخاري، في: باب استئجار المشركين عند الضرورة. . .، وباب إذا استأجر أجيرًا ليعمل له بعد ثلاثة أيام. . .، من كتاب الإِجارة، وفي: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، من كتاب مناقب الأنصار. صحيح البخاري 3/ 116، 5/ 76.
اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ" (6). والأخْبارُ في هذا كَثِيرَةٌ. وأجْمَعَ أهْلُ العِلْم في كلّ عَصْرٍ وكلِّ مِصْرٍ على جَوَازِ الإِجَارَةِ، إلَّا ما يُحْكَى عن عبدِ الرحمن بن الأَصَمِّ (7) أنَّه قال: لا يجوزُ ذلك؛ لأنَّه غَرَرٌ. يَعْنى أنَّه يَعْقِدُ على مَنَافِعَ لم تُخْلَقْ. وهذا غَلَطٌ، لا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الإِجْماعِ الذي سَبَقَ في الأَعْصارِ، وسارَ في الأمْصارِ، والعِبْرَةُ أيضًا دَالّةٌ عليها؛ فإنَّ الحاجَةَ إلى المَنَافِعِ كالحاجَةِ إلى الأعْيَانِ، فلمَّا جَازَ العَقْدُ على الأعْيانِ، وَجَبَ أن تجوزَ الإِجَارَةُ على المنَافِعِ، ولا يَخْفَى ما بالنَّاسِ من الحاجَةِ إلى ذلك، فإنَّه ليس لكلّ أحدٍ دَارٌ يَمْلِكُها، ولا يَقْدِرُ كلُّ مُسَافِرٍ على بَعِيرٍ أو دَابَّةٍ يَمْلِكُها، ولا يَلْزَمُ أصْحابَ (8) الأمْلاكِ إسْكَانُهم وحَمْلُهُم تَطَوُّعًا، وكذلك أصْحَابُ الصَّنائِعِ يَعْمَلُونَ بأَجْرٍ، ولا يُمْكِنُ كلَّ أحدٍ عملُ ذلك، ولا يَجِدُ مُتَطَوِّعًا به، فلا بُدَّ من الإِجَارَةِ لذلك، بل ذلك ممَّا جَعَلَهُ اللَّه تعالى طَرِيقًا لِلرِّزْقِ، حتى إنَّ أكْثَرَ المَكاسِبِ بالصَّنائِعِ. وما ذَكَرَه من الغَرَرِ، لا يُلْتَفَتُ إليه، مع ما ذَكَرْنا من الحاجَةِ، فإنَّ العَقْدَ على المَنافِعِ لا يُمْكِنُ بعدَ وُجُودِها، لأنَّها تَتْلَفُ بمُضِىِّ السّاعاتِ، فلا بُدَّ من العَقْدِ عليها قبلَ وُجُودِها، كالسَّلَمِ في الأعْيانِ.
فصل: واشْتِقاقُ الإِجَارَةِ من الأجْرِ، وهو العِوَضُ، قال اللهُ تعالى:{لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (9). ومنه سُمِّىَ الثَّوَابُ أجْرًا؛ لأنَّ اللَّه تعالى يُعَوِّضُ العَبْدَ به على طاعَتِه، أو صَبْرِه على مُصِيبَتِه.
(6) في: باب إثم من باع حرا، من كتاب البيوع، وفي: باب إثم من منع أجر الأجير، من كتاب الإِجارة. صحيح البخاري 3/ 108، 118.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب أجر الأجراء، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 816. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 358.
(7)
عبد الرحمن بن كيسان الأصم، أبو بكر شيخ المعتزلة، اشتهر بالكلام والأصول والفقه، توفى سنة إحدى ومائتين. سير أعلام النبلاء 9/ 402.
(8)
في الأصل: "صاحب".
(9)
سورة الكهف 77.