الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُنْزَلًا، ويُحَوِّطُ على رَحْلِه بنحوٍ من ذلك. ولو نَزَلَ مُنْزَلًا، فنَصَبَ به بَيْتَ شَعْرٍ أو خَيْمَةً، لم يكُنْ إحْياءً. وإن أرَادَها لِلزِّرَاعةِ، فبأن يُهَيِّئَها لإِمْكانِ الزَّرْعِ فيها، فإن كانت لا تُزْرَعُ إلَّا بالماءِ، فبأن يَسُوقَ إليها ماءً من نَهْرٍ أو بِئْرٍ، وإن كانت ممَّا لا يُمْكِنُ زَرْعُها لِكَثْرةِ أحْجارِها، كأرْضِ الحِجَازِ، فبأن يَقْلَعَ أحْجارَها ويُنَقِّيَها حتى تَصْلُحَ لِلزَّرْعِ، وإن كانت غِيَاضًا وأشْجارًا، كأرْضِ الشّعْرَى (6)، فبأن يَقْلَعَ أشْجَارَها، ويُزِيلَ عُرُوقَها التي تَمْنَعُ الزَّرْعَ. وإن كانت ممَّا لا يُمْكِنُ زَرْعُه إلَّا بِحَبْسِ الماءِ عنها، كأرْضِ البَطائِحِ التي يُفْسِدُها غَرَقُها بالماءِ لِكَثْرَتِه، فإحْياؤُها بِسَدِّ الماءِ عنها، وجَعْلِهَا بحالٍ يُمْكِنُ زَرْعُها؛ لأنَّ بذلك يُمْكِنُ الانْتِفاعُ بها فيما أرَادَها من غيرِ حاجةٍ إلى تَكْرَارِ ذلك في كلِّ عامٍ، فكان (7) إحْياءً، كسَوْقِ الماءِ إلى الأرْضِ التي لا ماءَ لها. ولا يُعْتَبَرُ في إحْياءِ الأَرْضِ حَرْثُها ولا زَرْعُها؛ لأنَّ ذلك ممَّا يَتَكَرَّرُ كلَّما أرَادَ الانْتِفَاعَ بها، فلم يُعْتَبَرْ في الإِحْياءِ، كسَقْيِها، وكالسُّكْنَى في البُيُوتِ، [ولا يحْصُلُ](8) بذلك إذا فَعَلَه لِمُجَرَّدِه، لما ذَكَرْنا. ولا يُعْتَبَرُ في إحْياءِ الأرْضِ لِلسُّكْنَى نَصْبُ الأبْوابِ على البُيُوتِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ، فيما ذَكَرْنا في الرِّوَايةِ الثانيةِ، إلَّا أنَّ له وَجْهًا في أنَّ حَرْثَها وزَرْعَها إحْياءٌ لها، وأنَّ ذلك مُعْتَبَرٌ في إحْيائِها، ولا يَتِمُّ بدونه، وكذلك نَصْبُ الأبْوابِ على البُيُوتِ؛ لأنَّه ممَّا جَرَتِ العادَةُ به، فأشْبَه التَّسْقِيفَ. ولا يَصِحُّ هذا؛ لما ذَكَرْنا، ولأنَّ السُّكْنَى مُمْكِنَةٌ بدُونِ نَصْبِ الأبْوابِ، فأشْبَهَ تَطْيِينَ سُطُوحِها وتَبْيِيضَها.
916 - مسألة؛ قال: (أو يَحْفِرَ فِيها بِئْرًا، فَيَكُونُ لَهُ خمْسٌ وعِشْرُونَ ذِرَاعًا حَوَالَيْها، وإن سَبَقَ إلَى بِئْرٍ عَادِيَّةٍ، فحَرِيمُها خَمْسُونَ ذِرَاعًا)
البِئْرُ العادِيَّةُ، بِتَشْدِيدِ الياءِ: القَدِيمَةُ، مَنْسُوبةً إلى عادٍ، ولم يُرِدْ عادًا بِعَيْنِها، لكن
(6) الشعرى: جبل عند حرة بنى سليم.
(7)
في ب، م:"كان".
(8)
سقط من: الأصل.
لمَّا كانت عادٌ في الزَّمَنِ الأَوَّلِ، وكانت لها آثارٌ في الأرْضِ، نُسِبَ إليها كلُّ قَدِيمٍ، فكلُّ مَن حَفَرَ بِئْرًا في مَوَاتٍ لِلتَّمْلِيكِ، فله حَرِيمُها خَمْسٌ وعِشْرُونَ ذِرَاعًا من كلِّ جانِبٍ. ومن سَبَقَ إلى بِئْرٍ عادِيَّةٍ، كان أحَقَّ بها؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فهُوَ لَهُ"(1). وله حَرِيمُها خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. نَصَّ أحمدُ على هذا، في رِوَايةِ حَرْبٍ، وعبدِ اللَّه. واخْتَارَهُ أكْثَرُ أصْحابِنَا. وقال القاضِى وأبو الخَطَّابِ: ليس هذا على طَرِيقِ التَّحْدِيدِ، بل حَرِيمُها على الحَقِيقَةِ ما تَحْتاجُ إليه في تَرْقِيَةِ مائِها منها، فإن كان بِدُولابٍ فقَدْرُ مَدارِ (2) الثَّوْرِ أو غيرِه. وإن كان بِسَاقِيةٍ (3) فبِقَدْرِ طُولِ البِئْرِ؛ لما رُوِىَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"حَرِيمُ البِئْرِ مَدُّ رِشَائِها". أخْرَجَه ابنُ مَاجَه (4). ولأنَّه المَكانُ الذي تَمْشِى إليه البَهِيمَةُ. وإن كان يَسْتَقِى منها بيَدِه، فبِقَدْرِ ما يَحْتاجُ إليه الواقِفُ عندها. وإن كان المُسْتَخْرَجُ عينًا، فحَرِيمُها القَدْرُ الذي يَحْتاجُ إليه صاحِبُها لِلانْتِفاعِ بها، ولا يَسْتَضِرُّ بأخْذه منها ولو على ألْفِ ذِرَاعٍ. وحَرِيمُ النَّهْرِ (5) من جانِبَيْه ما يَحْتاجُ إليه لِطَرْحِ كِرَايَتِه بِحُكْمِ العُرْفِ في ذلك؛ لأنَّ هذا إنَّما ثَبَتَ لِلْحاجَةِ، فيَنْبَغِى أن تُرَاعَى فيه الحاجَةُ دون غيرِها. وقال أبو حنيفةَ: حَرِيمُ البئْرِ أرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وحَرِيمُ العَيْنِ خَمْسُمائة ذِرَاعٍ؛ لأنَّ أبا هُرَيْرةَ رَوَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"حَرِيمُ البِئْرِ أرْبَعُونَ ذِرَاعًا لِأعْطَانِ الْإِبِلِ والغَنَمِ". وعن الشَّعْبِىِّ مثلُه، رَوَاهُ أبو عُبَيْدٍ (6). ولَنا، ما رَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (7)
(1) تقدم تخريجه في صفحة 152.
(2)
في ب، م:"مد".
(3)
لعل ما في الأصل: "بسانية".
(4)
في: باب حريم البئر، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 831.
(5)
في ب، م:"البئر"، والمثبت في: الأصل، وهو يناسب "كرايته" الآتى، وهو ما يخرج من حفر النهر.
(6)
في: باب إحياء الأرض واحتجارها. . .، من كتاب الأموال. لأبي عبيد 291.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 2/ 494.
(7)
أخرجه الدارقطني، في كتاب الأقضية. سنن الدارقطني 4/ 220.