الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْلَى به، كمن سَبَقَ إلى المَشْرَعَةِ، فإن كانت أرْضُ صاحِبِ الأعْلَى مُخْتَلِفةً، منها مُسْتَعْلِيةٌ ومنها مُسْتَفِلَةٌ، سَقَى كلَّ واحِدَةٍ منهما على حِدَتِها، وإن اسْتَوَى اثْنانِ في القُرْبِ من أَوّلِ النَّهْرِ، اقْتَسَما الماءَ بينهما إن أمْكَنَ، وإن لم يُمْكِنْ أُقْرِعَ بينهما، فَقُدِّمَ مَنْ تَقَعُ له القُرْعَةُ، فإن كان الماءُ لا يَفْضُلُ عن أحَدِهِما، سَقَى مَن تَقَعُ له القُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّه من الماءِ، ثم تَرَكَه للآخَرِ، وليس له أن يَسْقِىَ بجَمِيعِ الماءِ؛ لأنَّ الآخَرَ يُسَاوِيه في اسْتِحْقاقِ الماءِ، وإنَّمَا القُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ في اسْتِيفاءِ الحَقِّ، لا في أصْلِ الحَقِّ، بِخِلَافِ الأعْلَى مع الأَسْفَلِ؛ فإنَّه ليس لِلْأَسْفَلِ حَقٌّ إلَّا فيما فَضَلَ على الأَعْلَى. فإن كانت أرْضُ أحَدِهِما أكْثَرَ من أرْضِ الآخَر، قُسِمَ الماءُ بينهما على قَدْرِ الأرْضِ؛ لأنَّ الزَّائِدَ من أرْضِ أحَدِهما مُسَاوٍ في القُرْبِ، فاسْتَحَقَّ جُزْءًا (72) من الماءِ، كما لو كان لِشَخْصٍ ثالِثٍ. وإن كان لِجَماعةٍ رَسْمُ شُرْبٍ، من نِهْىٍ (73) غيرِ مَمْلُوكٍ، أو سَيْلٍ، وجاءَ إنْسانٌ لِيُحْيِىَ مَوَاتًا أقْرَبَ إلى رأْسِ النَّهْرِ من أرْضِهِم، لم يكُنْ له أن يَسْقِىَ قَبْلَهم؛ لأنَّهم أسْبَقُ إلى النَّهْرِ منه، ولأن من مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَها بحُقُوقِها ومَرَافِقِها، ولا يَمْلِكُ غيرُه إبْطَالَ حُقُوقِها، وهذا من حُقُوقِها. وهل لهم مَنْعُه من إحْياءِ ذلك المَوَاتِ؟ فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، ليس لهم مَنْعُه؛ لأنَّ حَقَّهُم في النَّهْرِ لا في المَوَاتِ. والثانى، لهم مَنْعُه، لئلَّا يَصِيرَ ذلك ذَرِيعةً إلى مَنْعِهِم حَقَّهُم من السَّقْىِ، لِتَقْدِيمِه عليهم بالقُرْبِ إذا طالَ الزَّمَانُ وجُهِلَ الحالُ. فإذا قُلْنا: ليس لهم مَنْعُه. فسَبَقَ إنْسانٌ إلى مَسِيلِ ماءٍ أو نَهْرٍ غيرِ مَمْلُوكٍ، فأحْيَا في أسْفَلِه مَوَاتًا، ثم أحْيَا آخَرُ فَوْقَه، ثم أحْيَا ثالِثٌ فوقَ الثاني، كان للأسْفَلِ السَّقْىُ أوَّلًا، ثم الثاني، ثم الثالِث، ويُقَدَّمُ السَّبْقُ إلى الإِحْياءِ على السَّبْقِ إلى أوَّلِ النَّهْرِ؛ لما ذكَرْنا.
فصل:
الضَّرْبُ الثاني، الماءُ (74) الجارِى في نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وهو أيضًا قِسْمانِ؛ أحدهما، أن يكونَ الماءُ مُبَاحَ الأَصْلِ، مثل أن يَحْفِرَ إنْسانٌ نَهْرًا صَغِيرًا، يَتَّصِلُ بِنَهْرٍ
(72) في الأصل: "قدرا".
(73)
النهى؛ بالكسر والفتح: الغدير.
(74)
سقط من: الأصل.
كبيرٍ مُبَاحٍ، فما لم يَتَّصِل الحَفْرُ لا يَمْلِكُه، وإِنَّما هو تَحَجُّرٌ وشُرُوعٌ في الإِحْياءِ، فإذا اتَّصَلَ الحَفْرُ، كَمُلَ الإِحْياءُ ومَلَكَه؛ لأنَّ المِلْكَ بالإِحْياءِ أن تَنْتَهِىَ العِمَارَةُ إلى قَصْدِها، بحيث يَتَكَرَّرُ الانْتِفاعُ بها على صُورَتِها، وهذا كذلك. وسواءٌ أجْرَى فيه الماءَ أو لم يُجْرِ؛ لأنَّ الإِحْياءَ يَحْصُلُ بأن يُهَيِّئَهُ لِلانْتِفاعِ به دُونَ حُصُولِ المَنْفَعةِ، فيَصِيرُ مالِكًا لِقَرَارِ النَّهْرِ وحَافَّتَيْهِ، وهَوَاؤُه حَقٌّ له، وكذلك حَرِيمُه، وهو مَلْقَى الطِّينِ من كلِّ جانِبٍ. وعند القاضِى أنَّ ذلك غيرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وإنَّما هو حَقٌّ من حُقُوقِ المِلْكِ، وكذلك حَرِيمُ البِئْرِ. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. وظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ، أنَّه مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِه؛ لقولِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَحْيَا أرْضًا لَمْ تُمْلَكْ، فَهِىَ لَهُ"(75). وإحْياؤُها أن يُحَوِّطَ عليها حائِطًا، أو يَحْفِرَ فيها بِئْرًا، فيكون له خَمْسٌ وعِشْرُونَ ذِرَاعًا حَوَالَيْها، وحَرِيمُ النَّهْرِ يَجِبُ أن يكونَ كذلك. فإذا تَقَرَّرَ هذا، فكان النَّهْرُ لِجَماعةٍ، فهو بينهم على حَسَبِ العَمَلِ والنَّفَقَةِ؛ لأنَّه إنَّما مُلِكَ بِالعِمَارَةِ، والعِمَارَةُ بالنَّفَقَةِ، فإن كَفَى جَمِيعَهم، فلا كَلَامَ، وإن لم يَكْفِهِمْ، وتَرَاضَوْا على قِسْمَتِه بالمُهَايَأَةِ أو غيرِها، جازَ؛ لأنَّه حَقُّهُم، لا يَخْرُجُ عنهم. وإن تَشَاحُّوا في قِسْمَتِه، قَسَمَهُ الحاكِمُ بينهم على قَدْرِ أمْلَاكِهِم؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَمْلِكُ من النَّهْرِ بِقَدْرِ ذلك، فتُؤْخَذُ خَشَبةٌ صُلْبَةٌ، أو حَجَرٌ مُسْتَوِى الطَّرَفَيْنِ والوَسَطِ، فيُوضَعُ على مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ من الأرْضِ، في مُقَدَّمِ الماءِ، فيه حُزُوزٌ، أو ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيةٌ في السَّعَةِ على قَدْرِ حُقُوقِهِم، يَخْرُجُ من كلِّ جُزْءٍ أَو ثُقبٍ إلى ساقِيةٍ مُفْرَدَةٍ لكلِّ واحدٍ منهم، فإذا حَصَلَ الماءُ في ساقِيَتِه انْفَرَدَ به، فإن كانت أمْلَاكُهُم مُخْتَلِفةً قُسِّمَ على قَدْرِ ذلك، فإذا كان لأحَدِهِمِ نِصْفُه، وللآخَرِ ثُلُثُه، وللثالثِ (76) سُدُسُه، جُعِلَ فيه سِتّةُ ثُقُوبٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاثَةٌ [تَصُبُّ في ساقِيَتِه، ولِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنانِ، ولِصَاحِبِ السُّدُسِ واحِدٌ](77). وإن كان لواحدٍ الخُمْسانِ، والباقِى لِاثْنَيْنِ يَتَسَاوَيانِ فيه، جُعِلَ
(75) تقدم تخريجه في صفحة 145.
(76)
في ب، م:"وللآخر".
(77)
سقط من: الأصل.