بمَأْرِب، فأَقْطَعَنِيه، فقِيلَ: يا رسولَ اللَّه، إنَّه بمَنْزِلَةِ الماءِ العِدِّ. - المغني لابن قدامة - ت التركي - جـ ٨

بمَأْرِب، فأَقْطَعَنِيه، فقِيلَ: يا رسولَ اللَّه، إنَّه بمَنْزِلَةِ الماءِ العِدِّ. يَعْنِى أنَّه لا يَنْقَطِعُ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"فَلَا إِذَنْ". ولأنَّ هذا تَتَعَلَّقُ به مَصَالِحُ المُسْلِمينَ [العامَّةُ، فلم يَجُزْ إِحْياؤُه، ولا إِقْطَاعُه، كمَشَارِعِ الماءِ، وطُرُقاتِ المُسْلِمينَ. و](12) قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا من مَوَادِّ اللهِ الكَرِيمِ، وفَيْضِ جُودِه الذي لا غَنَاءَ عنه، فلو مَلَكَهُ أحَدٌ بالاحْتِجازِ، مَلَكَ مَنْعَه، فضَاقَ على الناسِ، فإن أخَذَ العِوَضَ عنه أغْلَاه، فخَرَجَ عن المَوْضِعِ الذي وَضَعَه اللهُ، من تَعْمِيمِ ذَوِى الحَوَائجِ (13) من غيرِ كُلْفَةٍ. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. ولا أعْلَمُ فيه مُخَالِفًا.

‌

‌فصل:

فأمَّا المَعَادِنُ الباطِنَةُ، وهى التي لا يُوصَلُ إليها إلَّا بالعَمَلِ والمُؤْنَةِ، كمَعَادِنِ الذَّهَبِ، والفِضَّةِ، والحَدِيدِ، والنُّحَاسِ، والرَّصَاصِ، والبَلُّورِ، والفَيْرُوزَجِ، فإذا كانت ظاهِرَةً، لم تُمْلَكْ أيضًا بالإِحْياءِ؛ لما ذَكَرْنا في التي قَبْلَها. وإن لم تكُنْ ظاهِرَةٌ، فحَفَرَها إِنْسانٌ وأظْهَرَها، لم يَمْلِكْها (14) بذلك، في ظاهِرِ المَذْهَبِ، وظاهِرِ مَذْهَبِ الشافِعِىِّ. ويَحْتَمِلُ أن يَمْلِكَها بذلك. وهو قولٌ لِلشّافِعِىِّ؛ لأنَّه مَوَاتٌ لا يُنْتَفَعُ به إلَّا بالعَمَلِ والمُؤْنةِ، فمُلِكَ بالإِحْياءِ، كالأَرْضِ، ولأنَّه بإظْهَارِه تَهَيَّأَ للانْتِفاعِ به، من غيرِ حاجةٍ إلى تَكْرَارِ ذلك العَمَلِ، فأشْبَهَ الأرْضَ إذا جَاءَها بماءٍ أو حَاطَها. وَوَجْهُ الأوَّلِ، أنَّ الإِحْياءَ الذي يَمْلِكُ به، هو العِمَارَةُ التي تَهَيَّأَ بها المُحْيِى لِلانْتِفاعِ من غيرِ تَكْرَارِ عَمَلٍ، وهذا حَفْرٌ وتَخْريبٌ (15)، يَحْتاجُ إلى تَكْرَارٍ عندَ كل انْتِفَاعٍ. فإن قِيلَ: فلو احْتَفَرَ بِئْرًا مَلَكَها، ومَلَكَ حَرِيمَها. قُلْنا: البِئْر تَهَيَّأَتْ لِلانْتِفاعِ بها من غير تَجْدِيدِ حَفْرٍ ولا عِمَارَةٍ، وهذه المَعادِنُ تَحْتاجُ عند كلِّ انْتِفاعٍ إلى عَمَلٍ وعِمَارَةٍ، فافْتَرَقَا. قال أصْحابُنا: وليس للإِمَامِ إقْطَاعُها؛