الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِينَا الَّذِى ما عَدَا أن طَرَّ شارِبُهُ
…
والعانِسُونَ وفِينَا المُرْدُ والشِّيبُ (37)
والكُهُولُ: الذين جازُوا الثَّلَاثِينَ، قال اللَّه تعالى:{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} (38). قال المُفَسِّرُونَ: ابنُ ثَلَاثِينَ سنةً (39). مَأْخُوذٌ من قَوْلِهم: اكْتَهَلَ النَّباتُ، إذا تَمَّ وقَوِىَ. ثم لا يَزَالُ كَهْلًا حتى يَبْلُغَ خَمْسِينَ، ثم يَشِيخُ، ثم لا يَزالُ شَيْخًا حتى يَمُوتَ.
فصل:
وإذا أَوْصَى لجَماعةٍ لا يُمْكِنُ حَصْرُهُم واسْتِيعابُهُم، كالقَبِيلَةِ العَظيمةِ، والفُقَراءِ والمَسَاكِينِ، صَحَّ، وأجْزَأَ الدَّفْعُ إلى واحدٍ منهم. وبه قال الشافِعِيُّ، في أحدِ الوَجْهَيْنِ، إلَّا أنَّه قال: يُدْفَعُ إلى ثلاثةٍ منهم؛ لأنَّه أقَلُّ الجَمْعِ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِلْقَبِيلةِ التي لا يُمْكِنُ حَصْرُها؛ لأنَّها يَدْخُل فيها الأَغْنِياءُ والفُقَراءُ، وإذا وَقَعَتْ للأَغْنِياءِ لم تكُنْ قُرْبةً، وإنَّما تكونُ حَقًّا لآدَمِىٍّ، وحُقُوقُ الآدَمِيِّينَ إذا دَخَلَتْ فيها الجَهَالةُ لم تَصِحَّ، كما لو أقَرَّ لِمَجْهُولٍ. ولَنا، أنَّ كلَّ وَصِيَّةٍ صَحّتْ لجَماعةٍ مَحْصُورَةٍ (40)، صَحَّتْ لهم، وإن لم يكونُوا مَحْصُورين كالفُقَراءِ. وما ذَكَرُوه غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ الوَصِيّةَ للأَغْنِياءِ قُرْبَةٌ، وقد نَدَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الهَدِيَّةِ وإن كانت لِغَنِيٍّ. وأمَّا جَوازُ الدَّفْعِ إلى واحدٍ، فمَبْنِيٌّ على الدَّفْعِ في الزَّكاةِ (41)، وقد مَضَى الكَلَامُ فيه هناك.
966 - مسألة؛ قال: (والوَصِيّةُ بِالحَمْلِ ولِلْحَمْلِ جَائِزَةٌ، إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أشْهُرٍ مُنْذُ تَكَلَّمَ بالوَصِيَّةِ)
أمَّا الوَصِيَّةُ بالحَمْلِ فتَصِحُّ إذا كان مَمْلُوكًا، بأن يكونَ رَقِيقًا، أو حَمْلَ بَهِيمةٍ
(37) في م: "الذي هو ما إن".
(38)
سورة آل عمران 46.
(39)
سقط من: الأصل، ب، م.
(40)
في م: "محصورين".
(41)
في ازيادة: "من الزكاة".
مَمْلُوكةٍ له؛ لأنَّ الغَرَرَ والخَطَرَ لا يَمْنَعُ صِحّةَ الوَصِيَّةِ، فجَرَى مَجْرَى إعْتاقِ الحَمْلِ، فإن انْفَصَلَ مَيِّتًا، بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ، وإن انْفَصَلَ حَيًّا، وعَلِمنا وُجُودَه حالَ الوَصِيَّةِ، أو حَكَمْنا بوُجُودِه، صَحَّتِ الوَصِيّةُ، وإن لم يكُنْ كذلك، لم تَصِحَّ؛ لِجَوازِ حُدُوثِه. ولو قال: أَوْصَيْتُ لك بما تَحْمِلُ جارِيَتِى هذه، أو ناقَتِى هذه، أو نَخْلَتِى هذه. جَازَ؛ لما ذَكَرْنا من صِحَّتِها مع الغَرَرِ. وأَمَّا الوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، فصَحِيحةٌ أيضًا، لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا، وبذلك قال الثَّوْريُّ، والشافِعِيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرأى؛ وذلك لأنَّ الوَصِيّةَ جَرَتْ مَجْرَى المِيرَاثِ، من حيثُ كَوْنُها انْتِقالَ المالِ من الإِنْسانِ بعد مَوْتِه، إلى المُوصَى له، بغيرِ عِوَضٍ، كانْتِقالِه إلى وارِثِه، وقد سَمَّى اللهُ تعالى المِيرَاثَ وَصِيَّةً، بقولِه سُبْحانَه:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (1). وقال سُبْحانَه: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} (2). والحَمْلُ يَرِثُ، فتَصِحُّ الوَصِيَّةُ له، ولأنَّ الوَصِيَّةُ أوْسَعُ من المِيرَاثِ، فإنَّها تَصِحُّ لِلْمُخالِفِ في الدِّينِ والعَبْدِ، بخِلَافِ المِيرَاثِ، فإذا وَرِثَ الحَمْلُ، فالوَصِيَّةُ له أَوْلَى، ولأنَّ الوَصِيَّةَ تَتَعلَّقُ بخَطَرٍ وغَرَرٍ، فتَصِحُّ لِلْحَمْلِ، كالعِتْقِ. فإن انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا، بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّه لا يَرِثُ، ولأنَّه يَحْتَمِلُ أن لا يكُونَ حَيًّا حينَ الوَصِيَّةِ، فلا تَثْبُتُ له الوَصِيَّةُ والمِيرَاثُ بالشَّكِّ. وسواءٌ ماتَ لِعَارِضٍ، من ضَرْبِ البَطْنِ، أو شُرْبِ (3) دَواءٍ، أو غيرِهِ؛ لما بَيَّنَّا من أنَّه لا يَرِثُ. وإن وَضَعَتْهُ حَيًّا، صَحَّتِ الوَصِيَّةُ له، إذا حَكَمْنا بوُجُودِه حالَ الوَصِيَّةِ. نَقَلَ الخِرَقِىُّ، إذا أَتَتْ به لأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وليس ذلك شَرْطًا في كلِّ حالٍ، لكنْ إن كانت المرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أو سَيِّدٍ يَطَؤُها، فأتَتْ به لِسِتَّةِ أشْهُرٍ فما دون، عَلِمْنا وُجُودَه حينَ الوَصِيَّةِ، وإن أَتَتْ به لأَكْثَرَ منها، لم تَصِحَّ الوَصِيَّةُ له؛
(1) سورة النساء 11.
(2)
سورة النساء 12.
(3)
في م: "ضرب".
لِاحْتمالِ حُدُوثِه بعد الوَصِيَّةِ. وإن كانت بائِنًا، فأتَتْ به لأَكْثَرَ من أَرْبَعِ سِنِينَ من حينِ الفُرْقَةِ، وأَكْثَرَ من سِتَّةِ أشْهُرٍ من حينِ الوَصِيَّةِ، لم تَصِحَّ الوَصِيَّةُ له، وإن أتَتْ به لأَقَلَّ من ذلك، صَحَّتِ الوَصِيَّةُ له؛ لأنَّ الوَلَدَ يُعْلَمُ وُجُودُه إذا كان لِسِتَّةِ أشْهُرٍ، ويُحْكَمُ بوُجُودِه إِذَا أَتَتْ به لأقَلَّ من أَرْبَعِ سِنِينَ من حينِ الفُرْقةِ. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. وإن وَصَّى لحَمْلِ امْرَأةٍ من زَوْجِها أو سَيِّدِها، صَحَّتِ الوَصِيّةُ له، مع اشْتِراطِ إلْحاقِه به، وإن كان مَنْفِيًّا (4) باللِّعَانِ، أو دَعْوَى الاسْتِبْراءِ، لم تَصِحَّ الوَصِيَّةُ له؛ لِعَدَمِ نَسَبِه المُشْتَرَطِ (5) في الوَصِيَّةِ، فأمَّا إِن كانت المَرْأةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أو سَيِّدٍ، إِلَّا أنَّه لا يَطَؤْها؛ لكَوْنِه غائِبًا في بَلَدٍ بَعِيدٍ، أو مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الوَطْءَ، أو كان أسِيرًا أو مَحْبُوسًا، أو عَلِمَ الوَرَثةُ أنَّه لم يَطَأْهَا وأقَرُّوا (6) بذلك، فإنَّ أصْحابَنا لم يُفَرِّقُوا بين هذه الصُّوَرِ وبين ما إذا كان يَطَؤُها؛ لأنَّهما لم يفْتَرِقا في لُحُوقِ النَّسَبِ بالزَّوْجِ والسَّيِّدِ، فكانت في حُكْمِ من يَطَؤُها. ويَحْتَمِلُ أنَّه متى أتَتْ به في هذه الحال، لِوَقْتٍ يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه كان مَوْجُودًا حالَ الوَصِيَّةِ، مثل أن تَضَعَهُ لأقَلَّ من غالِبِ مُدَّةِ الحَمْلِ، أو تكونَ أمارَاتُ الحَمْلِ ظاهِرَةً، أو أتَتْ به على وَجْهٍ يَغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه كان مَوْجُودًا بأمَاراتِ الْحَملِ، بحيثُ يُحْكَمُ لها بكَوْنِها حامِلًا، صَحَّتِ الوَصِيّةُ له؛ لأنَّه يَثْبُتُ له أحْكَامُ الحَمْلِ في (7) غيرِ هذا الحُكْمِ، وقد انْتَفَتْ أسْبابُ حُدُوثِه ظاهِرًا، فيَنْبَغِى أن نُثْبِتَ له الوَصِيَّةَ، والحُكْمُ بإلْحاقِه بالزَّوْجِ والسَّيِّدِ في هذه الصُّوَرِ إنَّما كان احْتِياطًا لِلنَّسَبِ، فإنَّه يَلْحَقُ بمُجَرَّدِ الاحْتِمَالِ وإن كان بَعِيدًا، ولا يَلْزَمُ من إِثْباتِ النَّسَبِ (8) بمُطْلَقِ الاحْتِمالِ، نَفْىُ اسْتِحْقاقِ الوَصِيَّةِ، فإنَّه لا يُحْتَاطُ لإِبْطَالِ الوَصِيَّةِ، كما يحْتَاطُ لإِثْباتِ النَّسَبِ (8)، فلا يَلْزَمُ إلْحاقُ ما لا يُحْتَاطُ له بما يُحْتَاطُ له (9) مع ظُهُورِ ما يُثْبِتُه ويُصَحِّحُه.
(4) في م: "منتفيا".
(5)
في م: "المشروط".
(6)
في الأصل: "أو أقروا".
(7)
في م: "من".
(8)
في م: "السبب".
(9)
سقط من: م.