الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعِرَاقِ، وما أسْلَمَ أهلُه (19) عليه كالمَدِينَةِ، وما صُولِحَ أهْلُه على أنَّ الأرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ كأرْضِ خَيْبَرَ، إلَّا الذي صُولِحَ أهْلُه على أن الأرْضَ لهم ولَنا الخَرَاجُ عنها، فإنَّ أصْحَابَنا قالوا: لو دَخَلَ فيها (20) مُسْلِمٌ، فأَحْيَا فيها مَوَاتًا، لم يَمْلِكْهُ؛ لأنَّهم صُولِحُوا في بِلَادِهِم، فلا يجوزُ التَّعَرُّضُ لشىءٍ منها، عامِرًا كان أو مَوَاتًا، لأنَّ المَوَاتَ تابِعٌ لِلْبَلَدِ، فإذا لم يَمْلِكْ عليهم البَلَدَ لم يَمْلِكْ مَوَاتَه. ويُفارِقُ دارَ الحَرْبِ، حيث يَمْلِكُ مَوَاتَها؛ لأنَّ دارَ الحَرْبِ على أصْلِ الإِبَاحَةِ، وهذه صَالَحْناهُم على تَرْكِها لهم، فحُرِّمَتْ علينا. ويَحْتَمِلُ أن يَملِكَها مَنْ أحْيَاها؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّها من مُبَاحاتِ دَارِهم، فجازَ أن يَمْلِكَها مَنْ وُجِدَ منه سَبَبُ تَمَلُّكِها، كالحَشِيشِ والحَطَبِ. وقد رُوِى عن أحمدَ، أنَّه ليس في السَّوَادِ مَوَاتٌ. يَعْنِى سَوَادَ العِرَاقِ. قال القاضي: هذا مَحْمولٌ على العامِرِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ أحمدَ قال ذلك، لِكَوْنِ السَّوَادِ كان مَعْمُورًا كلَّه في زَمَنِ عمرَ بن الخَطَّابِ، وحين أخَذَه المُسلِمُونَ من الكُفَّارِ، حتى بَلَغَنا أنَّ رَجُلًا منهم سَأَلَ أن يُعْطَى خَرِبَةً، فلم يَجِدُوا له خَرِبَةً. فقال: إنَّما أرَدْتُ أن أُعْلِمَكُمْ كيف أخَذْتُمُوهَا مِنَّا. وإذا لم يكُنْ فيها مَوَاتٌ حين مَلَكَها المُسْلِمُونَ، لم يَصِرْ فيها مَوَاتٌ بعدَه، لأنَّ ما دَثَرَ (21) من أمْلاكِ المُسْلِمِينَ لم يَصِرْ مَوَاتًا، على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
فصل:
وإن تَحَجَّرَ رجلٌ (19) مَوَاتًا، وهو أن يَشْرَعَ في إحْيائِه، مثل إن أدَارَ حَوْلَ الأرْضِ تُرَابا أو أحْجَارًا، أو حَاطَها بحائِطٍ صغيرٍ (22)، لم يَمْلِكْها بذلك؛ لأنَّ المِلْكَ بالإِحْياءِ، وليس هذا بإحْيَاءٍ، لكن يَصِيرُ أحَقَّ النَّاسِ به؛ لأنَّه رُوِىَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ [أحَقُّ به] (23) ". رَوَاهُ
(19) سقط من: ب، م.
(20)
في الأصل: "إليها".
(21)
في الأصل: "دبر".
(22)
سقط من: ب، م.
(23)
في الأصل: "له".
أبو دَاوُدَ (24). فإن نَقَلَه إلى غيرِه، صارَ الثاني بمَنْزِلَتِه؛ لأنَّ صاحِبَه أقَامَه مُقَامَه. وإن ماتَ، فوَارِثُه أحَقُّ به؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَرَكَ حَقًّا، أو مَالًا، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ"(25). فإن باعَهُ، لم يَصِحَّ بَيْعُه؛ لأنَّه لم يَمْلِكْه، فلم يَمْلِكْ بَيْعَه، كحَقِّ الشُّفْعَةِ قبلَ الأخْذِ به، وكمَن سَبَقَ إلى مَعْدِنٍ أو مُبَاحٍ قبلَ أخْذِه. قال أبو الخَطَّابِ: ويَحْتَمِلُ جَوَاز بَيْعِه؛ لأنَّه له، فإن سَبَقَ غيرُه فأحْيَاهُ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدهما، أنَّه يَمْلِكُه؛ لأنَّ الإِحْياءَ يُمْلَكُ به، والتَّحَجُّرَ (26) لا يُمْلَكُ به، فثَبَتَ المِلْكُ بما يُمْلَكُ به دُونَ ما لم يُمْلَكْ به، كمَن سَبَقَ إلى مَعْدِنٍ أو مَشْرَعَةِ ماءٍ، فجاءَ غيرُه، فأزَالَه وأخَذَه. والثانى، لا يَمْلِكُه؛ لأنَّ مَفْهُومَ قولِه عليه السلام:"مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيْتةً لَيْسَتْ لأحَدٍ" وقوله: "في حَقِّ غيرِ مُسْلِمٍ، فَهِىَ لَهُ"(27). أنَّها لا تكونُ له إذا كان لِمُسْلِمٍ فيها
(24) في: باب في انقطاع الأرضين، من كتاب الإِمارة. سنن أبي داود 2/ 158.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من أحيا أرضا ميتة. . .، من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى 6/ 142. والطبراني في المعجم الكبير 1/ 255.
(25)
أخرجه البخاري، في: باب الدين، من كتاب الكفالة، وفى: باب الصلاة على من ترك دينا، من كتاب الاستقراض، وفى: باب قول النبي: من ترك كلا أو ضياعا فإلى، من كتاب النفقات، وفى: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلأهله، وباب ميراث الأسير، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 3/ 128، 155، 7/ 87، 8/ 187، 193، 194. ومسلم، في: باب من ترك مالًا فلورثته، من كتاب الفرائض. صحيح مسلم 3/ 1237، 1238. وأبو داود، في: باب في ميراث ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض، وفى: باب في أرزاق الذرية، من كتاب الإِمارة. سنن أبي داود 2/ 111، 124. والترمذي، في: باب ما جاء في الصلاة على المديون، من أبواب الجنائز، وفى: باب ما جاء من ترك مالا فلورثته، من أبواب الفرائض. عارضة الأحوذى 4/ 291، 8/ 239. والنسائي، في: باب الصلاة على من عليه دين، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 53، وابن ماجه، في: باب من ترك دينا أو ضياعا فعلى اللَّه وعلى رسوله، من كتاب الصدقات، وفى: باب ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 807، 915. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 290، 453، 456، 3/ 296، 371، 4/ 131.
(26)
في ب، م:"والحجر".
(27)
تقدم تخريجه في صفحة 145، 146.