الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُفارِقُ (84) دَعْوَى النَّسَبِ من وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أنَّ دَعْوَى النَّسَبِ لا تُخَالِفُ الظاهِرَ، ودَعْوَى الرِّقِّ مُخَالِفَةٌ له. والثانى، أن دَعْوَى النَّسَبِ يُثْبِتُ بها حَقًّا لِلَّقِيطِ، ودَعْوَى الرِّقِّ تُثْبِتُ حَقًّا عليه، فلم تُقْبَلْ بمُجَرَّدِها، كما لو ادَّعَى رِقَّ غير اللَّقِيطِ. فإذا لم تكُنْ له بَيِّنةٌ، سَقَطَتِ الدَّعْوَى. وإن كانت له بَيِّنةٌ، لم تَخْلُ؛ إمَّا أن تَشْهَدَ باليَدِ أو بالمِلْكِ أو بالوِلَادَةِ، فإن شَهِدَتْ بالمِلْكِ أو باليَدِ، لم تُقْبَلْ فيه إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أو رَجُلٍ وامْرَأتَيْنِ، وإن شَهِدَتْ بالوِلَادةِ، قُبِلَ فيه امْرَأةٌ واحِدَةٌ أو رَجُلٌ واحِدٌ؛ لأنَّه ممَّا لا يَطَّلِعُ عليه الرِّجَالُ، ثم نَنْظُرُ؛ فإن شَهِدَتِ البَيِّنةُ باليَدِ، فإن كانت لِلْمُلْتَقِطِ، لم يَثْبُتْ بها مِلْكٌ؛ لأنَّنا عَرَفْنا سَبَبَ يَدِه، فإن كانت لأجْنَبِىٍّ، حُكِمَ له باليَدِ، والقولُ قولُه مع يَمِينِه في المِلْكِ، وإن شَهِدَتْ بالمِلْكِ، فقالت: نَشْهَدُ أنَّه عَبْدُه أو مَمْلُوكُه. حُكِمَ بها، وإن لم تَذْكُرْ سَبَبَ المِلْكِ، كما لو شَهِدَتْ بمِلْكِ دارٍ أو ثَوْبٍ. فإن شَهِدَتْ بأنَّ أمَتَه وَلَدتْه في مِلْكِه، حُكِمَ له به؛ لأنَّ أمَتَه لا تَلِدُ في مِلْكِه إلَّا ملْكَه. وإن شَهِدَتْ أنه ابْنُ أمَتِه، أو أنَّ أمَتَه وَلَدَتْه، ولم تقُلْ: في مِلْكِه. احْتَمَلَ أن يَثْبُتَ له المِلْكُ بذلك، كقَوْلِها في مِلْكِه؛ لأنَّ أمَتَه مِلْكُه، فنَمَاؤُها مِلْكُه، كسِمَنِها (85). واحْتَمَلَ أن لا يَثْبُتَ المِلْكُ؛ لأنَّه يجوزُ أن تَلِدَه قبلَ مِلْكِه لها، فلا تكونُ له وهو ابْنُ أمَتِه.
فصل:
وإن ادَّعَى رِقَّ اللَّقِيطِ بعدَ بُلُوغِه مُدَّعٍ، كُلِّفَ إجَابَته، فإن أنْكَرَ ولا بَيِّنَة لِلْمُدَّعِى، لم تُقْبَلْ دَعْوَاه، وإن كانت له بَيِّنةٌ، حُكِمَ له (86) بها، فإن كان اللَّقِيطُ قد تَصَرَّفَ قبَل ذلك بِبَيْعٍ أو شِرَاءٍ، نُقِضَتْ تَصَرُّفَاتُه؛ لأنَّه بَانَ أنَّه تَصَرَّفَ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، وإن لم تكن بَيِّنَةٌ، فأقَرَّ بالرِّقِّ، نَظَرْنا؛ فإن كان اعْتَرَفَ لِنَفْسِه بالحُرِّيّةِ قبلَ ذلك، لم يُقْبَلُ إقْرَارُه بالرِّقِّ، لأنَّه اعْتَرَفَ بالحُرِّيّةِ، وهى حَقٌّ للَّه تعالى، فلا يُقْبَلُ رُجُوعُه في إبْطَالِها (87)، وإن لم يكن اعْتَرَفَ بالحُرِّيّةِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ؛ أحدهما،
(84) في م: "ويخالف".
(85)
في الأصل: "كقيمتها".
(86)
سقط من: الأصل.
(87)
في م: "إبطاله".
يُقْبَلُ. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأى؛ لأنَّه مَجْهُولُ الحالِ، أقَرَّ بالرِّقِّ، فيُقْبَلُ، كما لو قَدِمَ رَجُلَانِ من دارِ الحَرْبِ، فأقَرَّ أحَدُهُما للآخَرِ بالرِّقِّ. وكما لو أقَرَّ بقِصَاصٍ أو حَدٍّ، فإنَّه يُقْبَلُ وإن تَضَمَّنَ ذلك فَوَاتَ نَفْسِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يُقْبَلَ، وهو الصَّحِيحُ؛ لأنَّه يَبْطُلُ به حَقُّ اللَّه تعالى في الحُرِّيّةِ المَحْكُومِ بها، فلم يَصِحَّ، كما لو أقَرَّ قبلَ ذلك بالحُرِّيَّةِ، ولأنَّه مَحْكُومٌ بحُرِّيَّتِه، فلم يُقْبَلْ إقْرَارُه بالرِّقّ، كما ذَكَرْنا، ولأنَّ الطِّفْلَ المَنْبُوذَ لا يَعْلَمُ رِقَّ نَفْسِه، ولا حُرِّيَّتَها، ولم يَتَجَدَّدْ له حالٌ يَعْرِفُ به رِقَّ نَفْسِه؛ لأنَّه في تلك الحال ممَّن لا يَعْقِلُ، ولم يَتَجَدَّدْ له رِقٌّ بعدَ الْتِقَاطِه، فكان إقْرَارُه باطِلًا. وهذا قول القاسِمِ، وابنِ المُنْذِرِ. ولِلشّافِعِىِّ وَجْهانِ كما ذَكَرْنا. فإن قُلْنا: يُقْبَلُ إقْرَارُه. صارَتْ أحْكامُه أحْكامَ العَبِيدِ فيما عليه دُونَ ما لَهُ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والمُزَنِىُّ، وهو أحدُ قَوْلَىِ الشافِعِىِّ؛ لأنَّه أقَرَّ بما يُوجِبُ حَقًّا له وحَقًّا عليه، فوَجَبَ أن يُثْبِتَ ما عليه دون ما لَه، كما لو قال: لِفُلَانٍ عَلَىَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَلِى عنده رَهْنٌ. ويَحْتَمِلُ أن يُقْبَلَ إقْرَارُه في الجَمِيعِ. وهو القولُ الثاني للشافِعِىِّ؛ لأنَّه ثَبَتَ ما عليه، فيَثْبُتُ ما لَه، كالبَيِّنةِ، ولأنَّ هذه الأحْكَامَ تَبَعٌ لِلرِّقّ، فإذا ثَبَتَ الأصْلُ بقَوْله، ثَبَتَ التَّبَعُ، كما لو شَهِدَتِ امْرَأةٌ بالوِلَادةِ، تَثْبُتُ ويَثْبُتُ النَّسَبُ تَبَعًا لها. وأمَّا إن أقَرَّ بالرِّقِّ ابْتِداءً لِرَجُلٍ، فصَدَّقَه، فهو كما لو أقَرَّ به جَوَابًا. وإن كَذَّبَه، بَطلَ إقْرَارُه. ثم إن أقَرَّ به بعدَ ذلك لِرَجُلٍ آخَرَ، جازَ. وقال بعضُ أصْحَابِنا: يَتَوَجَّهُ أن لا يُسْمَعَ إقْرَارُه الثاني؛ لأنَّ إقْرَارَه الأَوَّلَ تَضَمَّنَ (88) الاعْتِرَافَ بِنَفْىِ مالكٍ له سِوَى هذا المُقَرِّ له (89)، فإذا بَطَلَ إقْرَارُه بِرَدِّ المُقَرِّ له، بَقِىَ (90) الاعْتِرَافُ بِنَفْىِ مالكٍ له غيرِه، فلم يُقْبَلْ إقْرَارُه بما نَفَاه، كما لو أقَرَّ بالحُرِّيّةِ ثم أقَرَّ بعدَ ذلك بالرِّقِّ. ولَنا، أنَّه إقْرَارٌ لم يَقْبَلْه المُقرُّ له، فلم يَمْنَعْ إقْرَارَه ثانِيًا، كما لو أقَرَّ له بِثَوْبٍ ثم أقَرَّ به لآخَرَ بعدَ رَدِّ الأَوَّلِ. وفارَقَ الإِقْرَارَ بالحُرِّيّةِ، فإنَّ إقْرَارَه بها لم يَبْطُلْ ولم يُرَدَّ.
(88) في الأصل: "يتضمن".
(89)
سقط من: م.
(90)
في الأصل: "نفى".