الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يَتَوَلَّى ذلك بِنَفْسِه. وقال بعضُ أصْحابِ الشافِعِيِّ: يَبِيعُها بإذْنِ الإِمَامِ. ولَنا، أنَّه إذا جازَ له أكْلُها بغيرِ (20) إذْنٍ، فَبَيْعُها أَوْلَى. ولم يَذْكُر أصْحَابُنا لها تَعرِيفًا في هذه المَواضِع. وهذا قولُ مالِكٍ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بن خالِدٍ؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم قال:"خُذْها، فإنَّما هِىَ لَكَ أو لِأَخِيكَ أو لِلذِّئْبِ". ولم يَأْمُرْ بِتَعْرِيفِها، كما أمَرَ في لُقَطَةِ الذَّهَبِ والوَرِقِ. ولَنا، أنَّها لُقَطَةٌ لها خَطَرٌ، فوَجَبَ تَعْرِيفُها، كالمَطْعُومِ الكَثِيرِ، وإنَّما تَرَكَ ذِكْرَ تَعْرِيفِها لأنَّه ذَكَرَها بعدَ بَيَانِه التَّعْرِيفَ فيما سِوَاها، فاسْتَغْنَى بذلك عن ذِكْره فيها، ولا يَلْزَمُ من جَوَازِ التَّصَرُّفِ فيها في الحَوْلِ سُقُوطُ التَّعْرِيفِ، كالمَطْعُومِ.
فصل:
إذا أكَلَها ثَبَتَتْ قِيمَتُها في ذِمَّتِه، ولا يَلْزَمُه عَزْلُها؛ لِعَدَمِ الفائِدَةِ في ذلك، فإنَّها لا تَنْتَقِلُ من الذِّمَّةِ إلى المالِ المَعْزُولِ. ولو عَزَلَ شَيْئًا ثم أفْلَسَ، كان صاحِبُ اللَّقَطِ أسْوَةَ الغُرَماءِ، ولم يَخْتَصَّ بالمالِ المَعْزُولِ. وإن باعَها، وحَفِظَ ثَمَنَها، وجاءَ صاحِبُها، أخَذَه، ولم يُشَارِكْه فيه أحدٌ من الغُرَماءِ؛ لأنَّه عَيْنُ مالِه، لا شَىءَ لِلْمُفلِسِ فيه.
فصل: وإذا الْتَقَطَ ما لا يَبْقَى عامًا، فذلك نَوْعانِ؛ أحَدُهُما ما لا يَبْقَى بعِلَاجٍ ولا غيرِه، كالطَّبيخِ، والبِطِّيخِ، والفاكِهَةِ التي لا تُجَفَّفُ، والخَضْرَاواتِ. فهو مُخَيَّرٌ بين أكْلِه، وبَيْعِه وحِفْظِ ثَمَنِه، ولا يجوزُ إبْقاؤُه؛ لأنَّه يَتْلَفُ. فإن تَرَكَه حتى تَلِفَ، فهو من ضَمَانِه؛ لأنَّه فَرَّطَ في حِفْظِه، فلَزِمَه ضَمَانُه، كالوَدِيعَةِ. فإن أكلَه ثَبَتَتِ القِيمَةُ في ذِمَّتِه، على ما ذَكَرْناه في لُقَطَةِ الغَنَمِ. وإن باعَهُ وحَفِظَ ثَمَنَه، جازَ. وهذا ظاهِرُ مذهبِ الشافِعِيِّ. وله أن يَتَوَلَّى بَيْعَه بِنَفسِه. وعن أحمدَ، أنَّ (21) له بَيْعَ اليَسِيرِ، وإن كان كَثِيرًا دَفَعَه إلى السُّلْطانِ. وقال أصحابُ الشافِعِيِّ: ليس له بَيْعُه
(20) في الأصل: "من غير".
(21)
سقط من: م.
إلَّا بإذْنِ الحاكِمِ، فإن عَجَزَ عنه، جازَ البَيْعُ بِنَفْسِه؛ لأنَّه حالُ ضَرُورَةٍ، فأما مع القُدْرَةِ على اسْتِئْذَانِه، فلا يجوزُ من غيرِ إذْنِه؛ لأنَّه مالٌ مَعْصُومٌ، لا وِلَايَةَ عليه، فلم يَجُزْ لغيرِ الحاكِمِ بَيْعُه، كغيرِ اللُّقَطَةِ. ولَنا، أنَّه مالٌ أُبِيحَ لِلْمُلْتَقِطِ أكْلُه، فأُبِيحَ له بَيْعُه، كمالِه، ولأنَّه مالٌ أُبِيحَ له بَيْعُه عند العَجْزِ عن الحاكِمِ، فجازَ عند القُدْرَةِ عليه، كمالِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه متى أرادَ أكْلَه أو بَيْعَه، حَفِظَ صِفَاتِه، ثم عَرَّفَه عامًا، فإذا جاءَ صاحِبُه، فإن كان قد باعَه وحَفِظَ ثَمَنَه، دَفَعَه إليه، وإن كان قد أكَلَه أو أكَلَ ثَمَنَه، غَرِمَه له بقِيمَتِه يومَ أكَلَه. وإن تَلِفَ الثمنُ بغير تَفْرِيطٍ قبلَ تَمَلُّكِه، أو نَقَصَ أو تَلِفَتِ العَيْنُ، أو نَقَصَتْ من غيرِ تَفرِيطِه، فلا ضَمانَ على المُلْتَقِطِ. وإن تَلِفَتْ [أو نَقَصَتْ](22) أو نَقَصَ الثّمَنُ لِتَفْرِيطِه، فعلى المُلْتَقِطِ ضَمَانُه، وكذلك إن تَلِفَ الثَّمَنُ بعدَ تَمَلُّكِه، أو نَقَصَ، ضَمِنَه. النَّوع الثاني، ما يُمْكِنُ بَقاؤُه (23) بالعِلَاجِ، كالعِنَبِ والرُّطَبِ، فيَنْظُرُ فيما (24) فيه الحَظُّ لِصَاحِبِه، فإن كان في التَّجْفِيفِ جَفَّفَه، ولم يكُنْ له إلَّا ذلك؛ لأنَّه مالُ غيرِه، فَلزِمَه ما فيه الحَظُّ لِصَاحِبِه، كوَلِيِّ اليَتِيمِ، وإن احْتاجَ في التَّجْفِيفِ إلى غَرَامةٍ، باعَ بعضَه في ذلك. وإن كان الحَظُّ في بَيْعِه، باعَه، وحَفِظَ ثَمَنَه، كالطَّعَامِ والرُّطَبِ، فإن تَعَذَّرَ بَيْعُه، ولم يُمْكِنْ تَجْفِيفُه، تَعَيَّنَ أكْلُه، كالبِطِّيخِ. وإن كان أكْلُه أنْفَعَ لِصَاحِبِه، فله أكْلُه أيضًا؛ لأنَّ الحَظَّ فيه. ويَقْتَضِى قولُ أصْحابِنَا: إنَّ العُرُوضَ لا تُمْلَكُ بالتَّعْرِيفِ. أنَّ هذا كلَّه لا يجوزُ له أكْلُه، لكن يَتَخَيَّرُ (25) بين الصَّدَقةِ به وبين بَيْعِه. وقد قال أحمدُ، في من يَجِدُ في مَنْزِلِه طَعَامًا لا يَعرِفُه: يُعَرِّفه ما لم يَخْشَ فَسَادَه، فإن خَشِىَ فَسَادَه، تَصَدَّقَ به، فإن جاءَ صاحِبُه غَرِمَه. وكذلك قال مالِكٌ. وأصْحابُ الرَّأْى، في لُقَطَةِ ما لا يَبْقَى سَنَةً: يَتَصَدَّقُ به. وقال الثَّوْرِيُّ: يَبِيعُه، ويَتَصَدَّقُ بِثَمَنِه. ولَنا، على جَوَازِ أكْلِه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
(22) سقط من: م.
(23)
في م: "إبقاؤه".
(24)
في م: "ما".
(25)
في م: "يخير".