الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ويجوزُ أن يَسْتَأْجِرَ حَجَّامًا لِيَحْجُمَهُ، وأجْرُه مُباحٌ. وهذا اخْتِيارُ أبي الخَطَّابِ. وهذا قولُ ابن عَبَّاسٍ، قال: أنا آكلُه (3). وبه قال عِكْرِمَةُ، والقاسِمُ، وأبو جعفرٍ، ومحمدُ بن عليِّ بن الحُسَيْنِ، ورَبِيعَةُ، ويحيى الأنْصَارِيُّ، ومالِكٌ، والشافِعِيُّ، وأصْحابُ الرأى. وقال القاضي: لا يُبَاحُ أجْرُ الحَجَّامِ. وذَكَرَ أنَّ أحمدَ نَصَّ عليه في مواضِعَ، وقال: وإن (4) أُعْطِىَ شيئًا من غير عَقْدٍ ولا شَرْطٍ، فله أخْذُه، ويَصْرِفُه في عَلْفِ دَوابِّه، وطُعْمَةِ عَبِيدهِ، ومُؤْنةِ صِنَاعَتِه، ولا يَحِلُّ له أكْلُه. وممَّن كَرِهَ كَسْبَ الحَجّامِ عثمانُ، وأبو هُرَيْرةَ، والحَسَنُ، والنَّخَعِيُّ. وذلك لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"كَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ". [رَوَاهُ مُسْلِمٌ](5). وقال: "أطْعِمْه نَاضِحَكَ ورَقِيقَكَ"(6). ولَنا، ما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، قال: احْتَجَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأعْطَى الحَجَّامَ أجْرَهُ، ولو عَلِمَهُ حَرَامًا لم يُعْطِه. مُتَّفَقٌ عليه (7). وفي لَفْظٍ: لو عَلِمَه
(3) في الأصل: "أكلته".
(4)
سقط من: م. وفي ب: "فإن".
(5)
في الأصل: "متفق عليه".
وأخرجه مسلم في: باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن. . .، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1199.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في كسب الحجام، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 238. والترمذي، في: باب ما جاء في ثمن الكلب، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 276. والدارمي، في: باب النهى عن كسب الحجام، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 272. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 464، 465، 4/ 14، 141.
(6)
أخرجه أبو داود، في: باب في كسب الحجام، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 238. والترمذي، في: باب ما جاء في كسب الحجام، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 278. وابن ماجه، في: باب كسب الحجام، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 732. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام، من كتاب الاستئذان. الموطأ 2/ 974. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 381، 4/ 141، 5/ 435، 436.
(7)
أخرجه البخاري، في: باب خراج الحجام، من كتاب الإِجارة. صحيح البخاري 3/ 122. ومسلم، في: باب حل أجرة الحجامة، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1205.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في كسب الحجام، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 239. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 316، 324، 333، 351، 365.
خَبِيثًا لم يُعْطِه. ولأنَّها مَنْفَعةٌ مُباحَةٌ، لا يَخْتَصُّ فاعِلُها أن يكونَ من أهْلِ القُرْبَةِ، فجازَ الاسْتِئْجارُ عليها، كالبِنَاءِ والخِيَاطَةِ، ولأنَّ بالناسِ حاجَةً إليها، ولا نَجِدُ كلَّ أحدٍ مُتَبَرِّعًا بها، فجازَ الاسْتِئْجارُ عليها، كالرَّضَاعِ. وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كَسْبِ الحَجّامِ:"أطْعِمْهُ رَقِيقَكَ". دَلِيلٌ (8) على إبَاحَةِ كَسْبِه، إذْ غيرُ جائزٍ أن يُطْعِمَ رَقِيقَه ما يَحْرُمُ أكْلُه، فإنَّ الرَّقِيقَ آدَمِيُّونَ، يحرمُ عليهم أكلُ (9) ما حَرَّمَهُ اللَّه تعالى، كما يحرمُ على الأحْرارِ، وتَخْصِيصُ ذلك بما أُعْطِيَه من غير اسْتِئْجارٍ تَحَكُّم لا دَلِيلَ عليه، [وتَسْمِيَتُه كَسْبًا](10) خَبِيثًا لا يَلْزَمُ منه التَّحْرِيمُ، فقد سَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الثُّومَ والبَصَلَ خَبِيثَيْنِ (11)، مع إبَاحَتِهِما. وإنَّما كَرِهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك لِلْحُرِّ تَنْزِيهًا له (9)؛ لِدَنَاءةِ هذه الصِّناعةِ. وليس عن أحمدَ نَصٌّ في تَحْرِيمِ كَسْبِ الحَجّامِ، ولا الاسْتِئْجَارِ عليها، وإنَّما قال: نحن نُعْطِيه كما أعْطَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ونقولُ له كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم، لمَّا سُئِلَ عن أكْلِه نَهَاهُ، وقال:"اعْلِفْهُ الناضِحَ والرَّقِيقَ". وهذا مَعْنَى كَلَامِه في جَمِيعِ الرِّواياتِ، وليس هذا صَرِيحًا في تَحْرِيمِه، بل فيه دَلِيلٌ على إبَاحَتِه، كما في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفِعْلِه، على ما بَيَّنَّا، وأنَّ إعْطاءَه لِلحَجّامَ دَلِيلٌ على إبَاحَتِه، إذْ لا يُعْطِيه ما يَحْرُمُ عليه، وهو عليه السلام يُعَلِّمُ الناسَ ويَنْهاهُم عن المُحَرَّماتِ، فكيف يُعْطِيهِم إيَّاها، ويُمَكِّنُهم منها، وأمْرُه بإطْعامِ الرَّقِيقِ منها دَلِيلٌ على الإِبَاحةِ، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُ نَهْيِه عن أكْلِها على الكَرَاهةِ دُونَ التَّحْرِيمِ. وكذلك قولُ الإِمامِ أحمدَ، فإنَّه لم يَخْرُجْ عن قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفِعْلِه، وإنَّما قَصَدَ اتِّبَاعَه صلى الله عليه وسلم، وكذلك سائِرُ من كَرِهَه من الأئِمَّةِ،
(8) في الأصل: "دل".
(9)
سقط من: م.
(10)
في الأصل: "وتسمية كسبه".
(11)
أخرجه مسلم، في: باب نهى من أكل ثوما أو بصلا. . .، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 396. وأبو داود، في: باب في أكل الثوم، من كتاب الأطعمة. سنن أبي داود 2/ 325. والنسائي، في: باب من يخرج من المسجد، من كتاب المساجد. المجتبى 2/ 34، 35. وابن ماجه، في: باب من أكل الثوم فلا يقربن المسجد، من كتاب الإِقامة. سنن ابن ماجه 1/ 324. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 15، 28، 4/ 19.