الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُضَيِّقُ على المارَّةِ، لم يَحِلَّ له الجُلُوس فيه، ولا يَحِلُّ للإِمَامِ تَمْكِينُه بعِوَضٍ، ولا غيرِه. قال أحمدُ: ما كان يَنْبَغِى لنا أن نَشْتَرِىَ من هؤلاءِ الذين يَبِيعُونَ على الطَّرِيقِ. قال القاضِى: هذا مَحْمُودٌ على أنَّ الطَّرِيقَ ضَيِّقٌ، أو يكونُ يؤْذِى المارَّةَ؛ لما تَقَدَّمَ ذِكْرُنا له. وقال: لا يُعْجِبُنِى الطَّحْنُ في العُرُوبِ إذا كانت في طَرِيقِ الناسِ. وهو السُّفُنُ التي يُطْحَنُ فيها في الماءِ الجارِى. إنَّما كَرِهَ ذلك، لِتَضْيِيقِها طَرِيقَ السُّفُنِ المارّةِ في الماءِ. قال أحمدُ: ربَّما غَرِقَتِ السُّفُنُ، فأرَى لِلرَّجُلِ أن يَتَوقَّى الشِّرَاءَ ممَّا يُطْحَنُ بها.
فصل:
في القَطَائِعِ، وهى ضَرْبانِ؛ أحدُهما، إقْطَاعُ إرْفاقٍ، وذلك إقْطاعُ مَقَاعِد السُّوقِ، والطُّرُقِ الواسِعَةِ، ورِحَاب المَسَاجِدِ، التي ذَكَرْنا أنَّ لِلسَّابِقِ إليها الجُلُوسَ فيها (36)، فلِلإِمَامِ إقْطَاعُها لمن يَجْلِسُ فيها؛ لأنَّ له في ذلك اجْتِهادًا، من حيثُ إنَّه لا يجوزُ الجُلُوسُ إلَّا فيما لا يَضُرُّ بالمارَّةِ، فكان للإِمَامِ أن يُجْلِسَ فيها مَنْ لا يَرَى أنَّه يتضَرَّرُ بِجُلُوسِهِ. ولا يَمْلِكُها المُقْطَعُ بذلك، بل يكونُ أحَقَّ بالجُلُوسِ فيها من غيرِه، بمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إليها من غيرِ إقْطاعٍ، سواءً، إلَّا في شيءٍ واحدٍ، وهو أنَّ السَّابِقَ إذا نَقَلَ مَتَاعَه عنها، فلغيرِه الجُلُوسُ فيها؛ لأنَّ اسْتِحْقَاقَه لها بِسَبْقِه إليها، ومُقَامِه فيها، فإذا انْتَقَلَ عنها، زالَ اسْتِحْقَاقُه، لِزَوَالِ المَعْنَى الذي اسْتَحَقَّ به، وهذا اسْتَحَقَّ بإقْطَاعِ الإِمَامِ، فلا يَزُولُ حَقُّه بِنَقْلِ مَتَاعِه، ولا لغَيْرِه (37) الجُلُوسُ فيه، وحُكْمُه في التَّظْلِيلِ على نَفْسِه بما ليس بِنَاءً، ومَنْعِه من البِنَاءِ، ومَنْعِه إذا طالَ مُقَامُه، حُكْمُ السّابِقِ، على ما أسْلَفْناهُ. الثاني، إقْطاعُ مَوَاتٍ من الأرْضِ لمن يُحْيِيها، فيجوزُ ذلك؛ لما رَوَى وائِلُ بن حُجْرٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَه أرْضًا، فأرْسَلَ مُعَاوِيةَ أن "أعْطِه إيَّاهُ، أو أعْلِمْهُ إيَّاهُ". حَدِيثٌ صَحِيحٌ (38). وأقْطَعَ بِلَالَ بن الحارِثِ
(36) سقط من: ب، م.
(37)
في ب، م:"يضره".
(38)
تقدم تخريجه في صفحة 153.
المُزَنِىِّ (39)، وأبيضَ بن حمالٍ المَأْرِبِىِّ (40)، وأقْطَعَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ فَرَسِهِ (41)، فأجْرَى فَرَسَهُ حتى قام ورَمَى بِسَوْطِه، فقال:"أعْطُوه من حيث وَقعَ السَّوْطُ". رَوَاهُ سَعِيدٌ، وأبو دَاوُدَ (42). وذَكَرَ البُخَارِىُّ (43)، عن أنَسٍ قال: دَعَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأنْصارَ لِيُقْطِعَ لهم بالبَحْرَيْنِ (44). فقالوا: يا رسولَ اللَّه: إن فَعَلْتَ، فَاكْتُبْ لإِخْوَانِنَا من قُرَيْشٍ بمِثْلِها. ورُوِىَ أن أبا بكرٍ أقْطَعَ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّه أرْضًا، وأن عُثْمانَ أقْطَعَ خَمْسَةً من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ الزُّبَيْرَ، وسَعْدًا، وابنَ مسعودٍ، وأُسَامةَ بن زَيْدٍ، وخبَّابَ بنَ الأَرَتِّ. ويُرْوَى عن نافِعٍ أبى عبدِ اللَّه، أنَّه قال لِعُمَرَ: إنَّ قِبَلَنا أَرْضًا بالبَصْرَةِ، ليست من أرْضِ الخَرَاجِ، ولا تَضُرُّ بأحَدٍ من المسلمين، فإن رَأَيْتَ أن تُقْطِعَنِيها أَتَّخِذُ فيها قَصِيلًا (45) لِخَيْلِى، فَافْعَلْ. قال: فكَتَبَ عمرُ إلى أبى موسى: إن كانت كما يقولُ، فأقْطِعْها إيَّاه. رَوَى هذه الآثَارَ كلَّها أبو عُبَيْدٍ، في "الأمْوالِ"(46). ورَوَى سَعِيدٌ، عن سُفْيانَ، عن أبي نُجَيْحٍ، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَ ناسًا من جُهَيْنةَ أو مُزَيْنةَ أرْضًا (47). إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ مَن أقْطَعَهُ الإِمَامُ شيئا من المَوَاتِ، لم يَمْلِكْهُ بذلك، لكن يَصِيرُ أحَقَّ به، كالمُتَحَجِّرِ الشّارِعِ في الإِحْياءِ، بِدَلِيلِ ما ذَكَرْنا من حَدِيثِ بِلَالِ بن الحارِثِ، حيث اسْتَرْجَعَ
(39) تقدم تخريجه في صفحة 154.
(40)
تقدم تخريجه في صفحة 155.
(41)
حضر فرسه: عدوها، أي قدر ما تعدو عدوة واحدة.
(42)
أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 158. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 156.
(43)
في: باب القطائع، وباب كتابة القطائع، من كتاب المساقاة. صحيح البخاري 3/ 150. كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 3/ 111.
(44)
في الأصل: "البحرين".
(45)
القصيل: ما اقتصل من الزرع أخضر.
(46)
تقدم تخريجه في صفحة 153.
(47)
تقدم تخريجه في صفحة 154.