الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاسْتِيفَاءُ فيها، اسْتَقَرَّ عليه الأجْرُ. وبهذا قال الشافِعىُّ؛ لأنَّ المَنافِعَ تَلِفَتْ بِاخْتِيَارِه. وقال أبو حنِيفةَ: لا أجْرَ عليه. وهو أصَحُّ عِنْدِى؛ لأنَّه عَقْدٌ على ما في الذِّمَّةِ، فلم يَسْتَقِرَّ عِوَضُه بِبَذْلِ التَّسْلِيمِ، كالمُسْلَمِ فيه، ولأنَّه عَقْدٌ على مَنْفَعةٍ غير مُؤَقَّتةٍ بِزَمَنٍ، فلم يَسْتَقِرَّ عِوَضُها بالبَذْلِ، كالصَّدَاقِ إذا بَذَلَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِها وامْتَنَعَ الزَّوْجُ مِن أخْذِها. وإن كان هذا في إِجَارَةٍ فاسِدَةٍ، ففيما إذا عَرَضَها على المُسْتَأْجِرِ فلم يَأْخُذْها لا أجْرَ عليه؛ لأنَّها لم تَتْلَفْ تحتَ يَدِه، ولا في مِلْكِه. وإن قَبَضَها، ومَضَتِ المُدّةُ، أو مُدَّةٌ يُمْكِنُ (54) اسْتِيفاءُ المَنْفَعةِ فيها أو لا يُمْكِنُ، فعن أحمدَ رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، عليه أجْرُ المِثْلِ لِمُدّةِ بَقَائِها في يَدِه، وهو قولُ الشافِعىِّ؛ لأنَّ المنَافِعَ تَلِفَتْ تحت يَدِه بعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، فرَجَعَ إلى قِيمَتِها، كما لو اسْتَوْفَاها. والثانية، لا شىءَ له. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه عَقْدٌ فاسِدٌ على مَنَافِعَ لم يَسْتَوْفِها، فلم يَلْزَمْهُ عِوَضُها، كالنِّكَاحِ الفاسِدِ، وإن اسْتَوْفَى المَنْفَعةَ في العَقْدِ الفاسِدِ، فعليه أجْرُ المِثْلِ. وبه قال مالِكٌ، والشافِعىُّ، وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ أقَلُّ الأمْرَيْنِ، من المُسَمَّى أو أجْرِ المِثْلِ، بِنَاءً منه على أنَّ المنَافِعَ لا تُضْمَنُ إلَّا بالعَقْدِ. ولَنا، أنَّ ما ضُمِنَ بالمُسَمَّى في العَقْدِ الصَّحِيحِ، وَجَبَ ضَمَانُه بِجَمِيع القِيمَةِ في الفاسِدِ، كالأعْيانِ. وما ذَكَره لا نُسَلِّمُهُ. واللَّه أعلم.
892 - مسألة؛ قال: (وَإذَا وَقَعَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى كُلِّ شَهْرٍ بِشَىْءٍ مَعْلُومٍ، لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، إلَّا عِنْدَ تَقَضِّى كُلِّ شَهْرٍ)
وجملةُ ذلك أنَّه إذا قال: أجَرْتُكَ هذا كلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ. فاخْتَلَفَ أصْحَابُنا، فذَهَبَ القاضي إلى أنَّ الإِجَارَةَ صَحِيحَةٌ. وهو المَنْصُوصُ عن أحمدَ، في رِوَايةِ ابن منصورٍ، واخْتِيَارُ الخِرَقِىِّ، إلَّا أنَّ الشَّهْرَ الأَول تَلْزَمُ الإِجَارَةُ فيه بإطْلَاقِ العَقْدِ؛ لأنَّه مَعْلُومٌ يَلِى العَقْدَ، وله أجْرٌ مَعْلُومٌ، وما بعدَه من الشُّهُورِ يَلْزَمُ العَقْدُ فيه بالتَّلَبُّسِ
(54) سقط من: الأصل.
به (1)، وهو السُّكْنَى في الدّارِ إن كانت الإِجَارَةُ على دَارٍ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ حالَ العَقْدِ، فإذا تَلَبَّسَ به، تَعَيَّنَ بالدُّخُولِ فيه، فصَحَّ بالعَقْدِ الأوَّلِ، وإن لم يَتَلَبَّسْ به، أو فَسَخَ العَقْدَ عندَ انْقِضَاءِ الأولِ، انْفَسَخَ. وكذلك حُكْمُ كلِّ شَهْرٍ يأتى (2). وهذا مذهبُ أبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وحُكِىَ عن مالِكٍ نحوُ هذا، إلَّا أنَّ الإِجَارَةَ لا تكونُ لازِمَةً عندَه؛ لأنَّ المَنافِعَ مُتَقَدّرَةٌ بِتَقْدِيرِ الأجْرِ، فلا يحْتَاجُ إلى ذِكْرِ المُدّةِ إلَّا في اللُّزُومِ. واخْتارَ أبو بكرٍ عبدُ العزيز بن جعفرٍ، وأبو عبدِ اللَّه ابن حامِدٍ، أنَّ العَقْدَ باطِلٌ. وهو قول الثَّوْرِىِّ، والصَّحِيحُ من قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ كلَّ اسْمٍ لِلْعَدَدِ، فإذا لم يُقَدِّرْهُ كان مُبْهَمًا (3) مَجْهُولًا، فيكونُ فاسِدًا، كما لو قال: أجَرْتُكَ مُدَّةً أو شَهْرًا (4). وحَمَلَ أبو بكرٍ وابنُ حامدٍ كلامَ أحمدَ في هذا على أنَّ الإِجَارَةَ وَقَعَتْ على أشْهُرٍ (5) مُعَيَّنةٍ. ووَجْهُ الأَوَّلِ، أن عَلِيًّا رَضِىَ اللهُ عنه، اسْتَقَى لِرَجُلٍ من اليَهُودِ كَلَّ دَلْوٍ بتَمْرَةٍ، وجاءَ به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَ (6) منه. قال عَلِىٌّ: كنتُ أدْلُو الدَّلْوَ بتَمْرَةٍ وأشْتَرِطُها جَلْدَةً. وعن رجلٍ من الأنْصارِ أنَّه قال لِيَهُودِىٍّ: أسْقِى نَخْلَكَ؟ قال: نعم، كلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ. واشْتَرَطَ الأنْصَارِىُّ أن لا يَأْخُذَها خَدِرَةً (7) ولا تَارِزَةً (8) ولا حَشَفةً (9)، ولا يَأْخُذَ إلَّا جَلْدَةً. فاسْتَقَى بنحوٍ من صَاعَيْنِ، فجاءَ به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُما ابنُ مَاجَه في "سُنَنِه"(10). وهو نَظِيرُ مَسْأَلَتِنا. ولأنَّ شُرُوعَه في كلِّ شَهْرٍ، مع ما تَقَدَّمَ في العَقْدِ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: "أتى".
(3)
قى الأصل: "فيها".
(4)
في الأصل: "أشهرا".
(5)
في الأصل زيادة: "معلومة".
(6)
في ب، م:"يأكل".
(7)
الخدرة: التي تقع من النخل قبل نضجها.
(8)
التارزة: اليابسة.
(9)
الحشف: أردأ التمر.
(10)
الأول تقدم تخريجه في: 6/ 208.
والثانى أخرجه ابن ماجه، في: باب الرجل يستقى كل دلو بتمرة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 818.