الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالكَثِيرِ، وما ذَكَرَه (10) من مِلْكِ العَبْدِ مَمْنُوعٌ، ولا اعْتِبارَ به، فإنَّه مع هذا القَصْدِ يَسْتَحِقُّ سَيِّدُه أخْذَه، فهو كالكَثِيرِ.
فصل:
وإذا أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِه، على أن لا تَتَزَوَّجَ. ثم ماتَ، فقالت: لا أتَزَوّجُ. عَتَقَتْ. فإن تَزَوّجَتْ بعدَ ذلك، لم يَبْطُلْ عِتْقُها. وهذا مذهبُ الأَوْزاعِيِّ، واللَّيْثِ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ وذلك لأنَّ العِتْقَ إذا وَقَعَ لا يُمْكِنُ رَفْعُه. وإن أوْصَى لأُمِّ وَلَدِه بأَلْفٍ، على أن لا تَتَزَوَّجَ، أو على أن تَثْبُتَ مع وَلَدِه، ففَعَلَتْ، وأخَذَتِ الأَلْفَ، ثم تَزَوّجَتْ وتَرَكَتْ وَلَدَه، ففيها وَجْهانِ؛ أحدهما، تَبْطُلُ وَصِيّتُها؛ لأنَّه فاتَ الشَّرْطُ، ففاتَتِ الوَصِيَّةُ، وفارَقَ العِتْقَ، فإنَّه لا يُمْكِنُ رَفْعُه. والثانى، لا تَبْطُلُ وَصِيَّتُها. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأىِ؛ لأنَّ وَصِيَّتَها صَحَّتْ، فلم تَبْطُلْ بمُخَالَفةِ ما شرطَ عليها، كالأُولَى.
فصل: واخْتَلَفَ أصْحابُنا في الوَصِيّةِ لِلْقاتِلِ على ثلاثةِ أوْجُهٍ؛ فقال ابنُ حامِدٍ: تجوزُ الوَصِيّةُ له. واحْتَجَّ بقولِ أحمدَ، في مَن جَرَحَ رَجُلًا خطأ، فعَفَا المَجْرُوحُ. فقال أحمدُ: يُعْتَبَرُ من ثُلُثِه. قال: وهذه وَصِيّةٌ لِقاتِلٍ. وهذا قولُ مالِكٍ، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ، وأظْهَرُ قَوْلَىِ الشافِعِيِّ، رَضِىَ اللَّه عنه؛ لأنَّ الهِبَةَ له تَصِحُّ، فصَحَّتِ الوَصِيّةُ له، كالذِّمِّىِّ. وقال أبو بكرٍ: لا تَصِحُّ الوَصِيّةُ له؛ فإنَّ أحمدَ قد نَصَّ على أن المُدَبَّرَ إذا قَتَلَ سَيِّدَه، بَطَلَ تَدْبِيرُه، والتَّدْبِيرُ وَصِيّةٌ. وهذا قولُ الثَّوْرِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ القَتْلَ يَمْنَعُ المِيرَاثَ الذي هو آكَدُ من الوَصِيَّةِ، فالوَصِيَّةُ أَوْلَى، ولأنَّ الوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى المِيرَاثِ، فيَمْنَعُها ما يَمْنَعُه. وقال أبو الخَطَّابِ: إن وَصَّى له بعد جَرْحِه، صَحَّ، وإن وَصَّى له قَبْلَه، ثم طَرَأَ القَتْلُ على الوَصِيَّةِ، أبْطَلَها، جَمْعًا بين نَصَّىْ أحمدَ في المَوْضِعَيْنِ. وهو قولُ الحَسَنِ بن صالِحٍ. وهذا قولٌ حَسَنٌ؛ لأنَّ
(10) في م: "ذكروه".
الوَصِيّةَ بعدَ الجَرْحِ صَدَرَتْ من أهْلِها في مَحَلِّها، ولم يَطْرَأْ عليها ما يُبْطِلُها، بخِلَافِ ما إذا تَقَدَّمَتْ، فإنَّ القَتْلَ طَرَأَ عليها فأبْطَلَها، لأنَّه يُبْطِلُ ما هو آكَدُ منها، يُحَقِّقُه (11) أنَّ القَتْلَ إنَّما مَنَعَ المِيرَاثَ، لكَوْنِه بالقَتْلِ اسْتَعْجَلَ المِيرَاثَ الذي انْعَقَدَ سَبَبُه، فعُورِضَ بِنَقِيضِ قَصْدِه، وهو مَنْعُ المِيرَاثِ، دَفْعًا لِمَفْسَدةِ قَتْلِ المَوْرُوثِينَ، ولذلك بَطَلَ التَّدْبِيرُ بالقَتْلِ الطارِئِ عليه أيضًا، وهذا المعنى مُتَحَقِّقٌ في القَتْلِ الطارِئِ على الوَصِيَّةِ، فإنَّه ربَّما اسْتَعْجَلَها بِقَتْلِه. وفارَقَ القَتْلَ قبلَ الوَصِيَّةِ، فإنَّه لم يَقصِدْ به اسْتِعْجالَ مالٍ، لِعَدَمِ انْعِقادِ سَبَبِه، والمُوصِى راضٍ بالوَصِيَّةِ له بعدَ صُدُورِ ما صَدَرَ منه في حَقِّه، ولا فَرْقَ بين العَمْدِ والخَطإِ في هذا، كما لا يَفْتَرِقُ الحالُ بذلك في المِيرَاثِ، وعلى هذا متى دَبَّرَ عَبْدَه بعدَ جَرْحِه إيَّاه، صَحَّ تَدْبِيرُه.
976 -
مسألة؛ قال: (وَإذَا قَالَ: أحَدُ عَبْدَىَّ حُرٌّ. أُقْرِعَ (1) بَيْنَهُمَا، فَمَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعةُ، فَهُوَ حُرٌّ، إذَا خرَجَ مِنَ الثُّلُثِ)
وجملةُ ذلك أنَّه إذا أعْتَقَ عَبْدًا غيرَ مُعَيَّنٍ، فإنَّه يُقْرَعُ بينهما، فيَخْرُجُ الحُرُّ بالقُرْعةِ. وقال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ: له تَعْيِينُ أحَدِهِما بغيرِ قُرْعةٍ؛ لأنَّه عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ في غير مُعَيَّنٍ، فكان التَّعْيِينُ إلى المُعْتِقِ، كالعِتْقِ في الكَفّارةِ، وكما لو قال لِوَرَثَتِه: أَعتِقُوا عنى عَبْدًا. ولَنا، أنَّه عِتْقٌ اسْتَحَقَّه واحدٌ من جَماعةٍ مُعَيَّنِينَ، فكان إخْرَاجُه بالقُرْعةِ، كما لو أعْتَقَهُما فلم يَخْرُجْ من ثُلُثِه إلَّا أحَدهُما، ودَلِيلُ الحُكْمِ في الأصْلِ، حَدِيثُ عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ (2). فأمَّا العِتْقُ في الكَفَّارةِ، فإنَّه لم يَسْتَحِقَّه أحدٌ، إنَّما اسْتُحِقَّ على المُكَفِّرِ التَّكْفِيرُ. وأمَّا إذا قال: أعْتِقُوا عَنِّى عَبْدًا. فإن لم يُضِفْه إلى عَبِيدِه، ولا إلى جَماعةٍ سِوَاهم، فهو كالمُعْتَقِ في الكَفَّارَةِ. وإن قال: أعْتِقُوا أحَدَ عَبِيدِى. احْتَمَلَ أن نقولَ بإخْرَاجِه بالقُرْعةِ كمَسْأَلَتِنا، واحْتَمَلَ أن يُرْجَعَ فيه إلى اخْتِيارِ الوَرَثةِ. وأصْلُ
(11) في م: "ويحققه".
(1)
في الأصل، أ:"قرع".
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 395.