الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
913 - مسألة؛ قال أبو القاسم: (ومَنْ أحْيَا أرْضًا لَمْ تُمْلَكْ، فَهِىَ لَهُ)
وجملتُه أنَّ المَوَاتَ قِسْمانِ؛ أحَدُهما، ما لم يَجرِ عليه مِلْكٌ لأحَدٍ، ولم يُوجَدْ فيه أَثَرُ عِمَارَةٍ، فهذا يُمْلَكُ بالإِحْياءِ (1)، بغير خِلَافٍ بين القائِلِينَ بالإِحْياءِ. والأخْبَارُ التي رَوَيْناها مُتَنَاوِلَةٌ له. القسم الثاني، ما جَرَى عليه مِلْكُ مالِكٍ، وهو ثلاثةُ أَنْوَاعٍ؛ أحدها؛ مالَه مالِكٌ مُعَيَّنٌ، وهو ضَرْبانِ؛ أحدهما، ما مُلِكَ بشِرَاءٍ أو عَطِيّةٍ، فهذا لا يُمْلَكُ بالإِحْياءِ، بغيرِ خِلَافٍ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعَ العُلَماءُ على أنَّ ما عُرِفَ بمِلْكِ مالِكٍ (2) غيرِ مُنْقَطعٍ، أنَّه لا يجوزُ إحْياؤُه لأحدٍ غيرِ أرْبَابِه. الثاني، ما مُلِكَ بالإِحْياءِ، ثم تُرِكَ حتى دَثَرَ (3) وعادَ مَوَاتًا، فهو كالذى قَبْلَه سواءً. وقال مالِكٌ: يُمْلَكُ هذا؛ لِعُمُومِ قوله: "مَنْ أَحْيَا أرْضًا مَيْتَةً فَهِىَ لَهُ"(4). ولأنَّ أصْلَ هذه الأرْضِ مُبَاحٌ، فإذا تُرِكَتْ (5) حتى تَصِيرَ مَوَاتًا عادَتْ إلى الإِبَاحةِ، كمن أخَذَ ماءً من نَهْرٍ ثم رَدَّهُ فيه. ولَنا، أنَّ هذه أرْضٌ يُعرَفُ مالِكُها، فلم تُمْلَكْ بالإِحْياءِ، كالتى مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ أو عَطِيَّةٍ، والخَبَرُ مُقَيّدٌ بغيرِ المَمْلُوكِ، بقولِه في الرِّوَايةِ الأخرى:"من أحْيَا أرْضًا مَيتَةً لَيْسَتْ لأَحَدٍ". وقوله: "في غيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ". وهذا يُوجِب تَقيِيدَ مُطْلَقِ حَدِيثِه. وقال هِشَامُ بن عُرْوَةَ، في تَفْسِيرِ قولِه عليه السلام:"ولَيْسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ": العِرْقُ (6) الظالِمُ أن يَأْتِىَ الرَّجُلُ الأرْضَ المَيْتَةَ لغيرِه، فيَغْرِسَ فيها. ذَكَرَه سَعِيدُ بن منصورٍ، في "سُنَنِه". ثم الحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بما مُلِكَ بِشِرَاءٍ أو عَطِيّةٍ،
(1) في الأصل: "بالأخذ".
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: "دبر".
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 145.
(5)
في الأصل: "تركه".
(6)
سقط من: ب، م.
فنَقِيسُ عليه مَحلَّ النِّزَاعِ. ولأنَّ سائِرَ الأمْوالِ لا يَزُولُ المِلْكُ عنها بالتَّرْكِ، بدَلِيلِ سائِرِ الأمْلَاكِ إذا تُرِكَتْ حتى تَشَعَّثَتْ. وما ذَكَرُوه يَبْطلُ بالمَوَاتِ إذا أحْياهُ إنسانٌ ثم باعَهُ، فتَرَكَهُ المُشْتَرِى حتى عادَ مَوَاتًا، وباللُّقَطَةِ إذا مَلَكَها ثم ضاعَت منه، ويُخَالِفُ ماءَ النَّهْرِ، فإنَّه استُهْلِكَ. النَّوْع الثاني، ما يُوجَدُ فيه آثارُ مِلْكٍ قَدِيمٍ جاهِلِىّ، كآثارِ الرُّومِ، ومَسَاكِن ثَمُودَ، ونحوها، فهذا يُملَكُ بالإِحْياءِ؛ لأنَّ ذلك المِلْكَ لا حُرْمَةَ له. وقد رُوِى عن طاوُسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"عَادِىُّ الْأرْضِ لِلهِ ولِرَسُولِه، ثُمَّ هُوَ بَعْدُ لَكُمْ". رَوَاهُ سَعِيدُ [بن مَنصورٍ](7)، في "سُنَنِه"، وأبُو عُبَيْدٍ، في "الأمْوالِ" (8). وقال: عادِىُّ الأرْضِ: التي كان بها ساكِنٌ في آبادِ الدَّهْرِ، فانْقَرَضُوا، فلم يَبْقَ منهم أنِيسٌ، وإنَّما نَسَبَها إلى عادٍ، لأنَّهم كانوا مع تَقَدُّمِهِم ذَوِى قُوَّةٍ وبَطْشٍ وآثارٍ كَثِيرَة، فنُسِبَ كلُّ أثَرٍ قَدِيمٍ إليهم. ويَحْتَمِلُ أنَّ كلَّ ما فيه أثرُ المِلْكِ، ولم يُعْلَمْ زَوَالُه قبلَ الإِسْلَامِ، أنَّه لا يُمْلَكُ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّ المُسْلِمِينَ أخَذُوه عامِرًا، فاسْتَحَقُّوه، فصارَ مَوْقُوفًا بِوَقْفِ عمرَ له، فلم يُمْلَكْ، كما لو عُلِمَ مالِكُه. النَّوع الثالث، ما جَرَى عليه المِلْكُ في الإِسلامِ لِمُسْلِمٍ، أو ذِمِّىٍّ غيرِ مُعَيَّنٍ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّها لا تُمْلَكُ بالإِحْياءِ. وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ، نَقَلَها عنه أبو دَاوُدَ، وأبو الحارِثِ، ويوسفُ بن موسى؛ لما رَوَى كَثِيرُ بن عبدِ اللَّه بن عَوْفٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، يقول:"مَنْ أحيَا أرْضًا مَوَاتًا، في غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، فَهِىَ لَهُ"(9). فقَيَّدَه بكَوْنِه في غيرِ حَقِّ مُسْلِمٍ. ولأنَّ هذه الأرْضَ لها مالِكٌ، فلم يَجُزْ إحْياؤُها، كما لو كان مُعَيَّنًا، فإنَّ مالِكَها إن كان له وَرَثَةٌ فهى لهم، وإن لم يكُنْ له وَرَثَةٌ، وَرِثَها المسلِمُونَ. والرِّواية الثانية، أنَّها تُمْلَكُ
(7) سقط من: الأصل.
(8)
أخرجه أبو عبيد، في: باب الإِقطاع، من كتاب أحكام الأرضين في إقطاعها. . .، الأموال 272.
كما أخرجه البيهقي، في: باب لا يترك ذمى يحييه. . .، من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى 6/ 143.
(9)
أخرجه البخاري، في: باب من أحيا أرضا مواتا، من كتاب الحرث. صحيح البخاري 3/ 139، 140. والبيهقي، في: باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد. . .، من كتاب إحياء الموت. السنن الكبرى 6/ 142.