الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان مُعْسِرًا فقد عَتَقَ منه ما مَلَكَ وحدَه. وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: تكون أُمَّ وَلَدٍ. فإنَّها تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ ههُنا. سواءٌ كان مُوسِرًا أو مُعْسِرًا، على قول الخِرَقِىِّ، كما إذا اسْتَوْلَدَ الأمَةَ المُشْتَركَةَ. وقال القاضي: يَصِيرُ منها أُمُّ وَلَدٍ بِقَدْرِ ما مَلَكَ منها. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ.
958 - مسألة؛ قال: (فَإنْ مَاتَ المُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِى، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ)
هذا قولُ أكْثَر أهْلِ العِلْم. رُوِى ذلك عن عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه. وبه قال الزُّهْرِىُّ، وحَمَّادُ بن أبي سليمانَ، ورَبِيعةُ، ومالِكٌ، والشافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال الحَسَنُ: تكونُ لِوَلَدِ المُوصَى له. وقال عَطَاءٌ: إذا عَلِمَ المُوصِى بمَوْتِ المُوصَى له، ولم يَحْدُثْ فيما أَوْصَى به شَيْئًا، فهو لِوَارِثِ المُوصَى له؛ لأنَّه ماتَ بعدَ (1) عَقْدِ الوَصِيَّةِ، فيَقُومُ الوارِثُ مَقَامَه، كما لو ماتَ بعد مَوْتِ المُوصِى وقبلَ القَبُولِ. ولَنا، أنَّها عَطِيّةٌ صادَفَتِ المُعْطَى مَيِّتًا، فلم تَصِحَّ، كما لو وَهَبَ مَيِّتًا؛ وذلك لأنَّ الوَصِيّةَ عَطِيّةٌ بعدَ المَوْتِ، وإذا ماتَ قبل القَبُولِ بَطَلَتِ الوَصِيّةُ أيضًا. وإن سَلَّمْنا صِحَّتَها، فإنَّ العَطِيّةَ صادَفَتْ حَيًّا، بخِلَافِ مَسْأَلَتِنا.
فصل:
ولا تَصِحُّ الوَصِيَّةُ لِمَيِّتٍ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ. وقال مالِكٌ: إن عَلِمَ أنَّه مَيِّتٌ، فهى جائِزَةٌ، وهى لِوَرَثَتِه بعدَ قَضَاءِ دُيُونِه وتَنْفِيذِ وَصَايَاه؛ لأنَّ الغَرَضَ نَفْعُه بها، وبهذا يَحْصُلُ له النَّفْعُ، فأشْبَهَ ما لو كان حَيًّا. ولَنا، أنَّه أَوْصَى لمن لا تَصِحُّ الوَصِيّةُ له، إذا لم يَعْلَمْ حالَه، فلم تَصِحَّ إذا عَلِمَ حالَه، كالبَهِيمةِ. وفارَقَ الحَىَّ؛ فإنَّ الوَصِيّةَ تَصِحُّ له في الحالَيْنِ، ولأنَّه عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ، فلم يَصِحَّ لِلْمَيِّتِ، كالهِبَةِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإذا أَوْصَى بِثُلُثِه، أو بمائةٍ لِاثْنَيْنِ حَىٍّ ومَيِّتٍ، فلِلْحَىِّ
(1) في م: "قبل".
نِصْفُ الوَصِيَّةِ، سواءٌ عَلِمَ مَوْتَ المَيِّتِ أو جَهِلَه. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، وإسحاقَ، والبَصْرِيِّينَ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ: إذا قال: هذه المائةُ لِفُلانٍ وفُلانٍ. فهى لِلْحَىِّ منهما. وإن قال: بين فُلانٍ وفُلانٍ. فوَافَقنَا الثَّوْرِىُّ في أن نِصْفَها لِلْحَىِّ. وعن الشافِعِىِّ كالمَذهَبَيْنِ. وقال أبو الخَطَّابِ: عِنْدِى أنَّه إذا عَلِمَه مَيِّتًا، فالجَمِيعُ لِلْحَىِّ، وإن لم يَعْلَمْه مَيِّتًا، فلِلْحَىِّ النِّصْفُ. وقد نُقِلَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على هذا القَوْلِ. فإنَّه (2) قال، في رِوَايةِ ابنِ القاسِمِ: إذا أَوْصَى لِفُلانٍ وفُلانٍ بمائةٍ، فبَانَ أحَدُهُما مَيِّتًا، فلِلْحَىِّ خَمْسُونَ. فقِيلَ له: أليس إذا قال: ثُلُثِى لِفُلانٍ وللحائِطِ، أنَّ الثُّلُثَ كلَّه لِفُلانٍ؟ فقال: وأىُّ شيءٍ يُشْبِه هذا، الحائِطُ له مِلْكٌ! فعلى هذا متى (3) شَرَّكَ بين من تَصِحُّ الوَصِيّةُ له ومَن لا تَصِحُّ، مثل أن يُوصِىَ لِفُلانٍ أو لِلملكِ (4) ولِلْحائِط، أو لِفْلانٍ المَيِّتِ، فالمُوصَى به كلُّه لمن تَصِحُّ الوَصِيّةُ له، إذا كان عالِمًا بالحالِ؛ لأنّه إذا شَرَّكَ بينهما في هذه الحالِ، عُلِمَ أنَّه قَصَدَ بالوَصِيَّةِ كلِّها مَنْ تَصِحُّ الوَصِيَّةُ له. وإن لم يَعْلَم الحالَ، فلمَن تَصِحُّ الوَصِيّةُ له نِصْفُها؛ لأنَّه قَصَدَ إيصالَ نِصْفِها إليه، وإلى الآخَرِ النِّصْفِ الآخَر (5)، ظَنًّا منه أنَّ الوَصِيّةَ له صَحِيحَةٌ، فإذا بَطَلَتِ الوَصِيّةُ في حَقِّ أحَدِهِما، صَحَّتْ في حَقِّ الآخَر بِقِسْطِه، كتَفْرِيقِ الصَّفْقةِ. ووَجْهُ القولِ الأَوَّلِ، أنَّه جَعَلَ الوَصِيّةَ لِاثْنَيْنِ، فلم يَسْتَحِقَّ أحَدُهُما جَمِيعَها، كما لو كانا ممَّن تَصِحُّ الوَصِيّةُ لهما فماتَ أحَدُهُما، أو كما لو لم يَعْلَمْ الحالَ. فأمَّا إن وَصَّى لِاثْنَيْنِ حَيَّيْنِ، فماتَ أحَدُهُما، فللآخَر نِصْفُ الوَصِيَّةِ. لا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وكذلك لو بَطَلَتِ الوَصِيّةُ في حَقِّ أحَدِهِما؛ لِرَدِّه لها، أو لِخُرُوجِه عن أن يكونَ من أهْلِها. ولو قال: أوْصَيْتُ
(2) سقط من: م.
(3)
في م: "إذا".
(4)
في م: "وللملك".
(5)
سقط من: الأصل.