الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجماعةِ، على أنَّه وَقَفَ على جَمِيعِ الوَرَثةِ، ليكونَ على وَفْقِ حَدِيثِ عمرَ، وعلى وَفْقِ الدَّلِيلِ الذي ذَكَرْنا.
فصل:
فإن وَقَفَ دَارَه، وهى تَخْرُجُ من الثُّلُثِ، بين ابْنِه وبِنْتِه نِصْفَيْنِ، في مَرَضِ مَوْتِه، فعلى رِوَايةِ الجماعةِ يَصِحُّ الوَقْفُ، ويَلْزَم؛ لأنَّه لمَّا كان يجوزُ له تَخْصِيصُ البِنْتِ بوَقْفِ الدَّارِ كلّها، فبِنِصْفِها أَوْلَى. وعلى الرِّوَايةِ التي نَصَرْنَاهَا، إن أجازَ الابْنُ ذلك جازَ، وإن لم يُجِزْه بَطَلَ الوَقْفُ فيما زادَ على نَصِيبِ البِنْتِ، وهو السُّدُسُ، ويَرْجِعُ إلى الابْنِ مِلْكًا، فيكونُ له النِّصْفُ وَقْفًا، والسُّدُسُ مِلْكًا طَلْقًا (10)، والثُّلُثُ لِلْبِنْتِ جَمِيعُه وَقْفًا. ويَحْتَمِلُ (11) أن يَبْطُلَ الوَقْفُ في نِصْفِ ما وَقَفَ على البِنْتِ، وهو الرُّبْعُ، ويَبْقَى ثلاثةُ أرْباعِ الدَّارِ وَقْفًا، نِصْفُها (12) للابْنِ، ورُبْعُها لِلْبِنْتِ، والرُّبْعُ الذي بَطَلَ الوَقْفُ فيه بينهما أثْلَاثًا، للابنِ ثُلُثاه، ولِلْبِنْتِ ثُلُثُه، وتَصِحُّ المَسْألَةُ من اثْنَى عَشَرَ؛ للابنِ سِتَّةُ أسْهُمٍ وَقْفًا وسَهْمانِ مِلْكًا، ولِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أسْهُمٍ وَقْفًا وسَهْمٌ مِلْكًا. ولو وَقَفَها على ابنِه وزَوْجَتِه نِصْفَيْنِ، وهى تَخْرُجُ من الثُّلُثِ، فرَدَّ الابنُ، صَحَّ الوَقْفُ على الابْنِ في نِصْفِها، وعلى المَرْأةِ في ثُمْنِها، وللابْنِ إبْطالُ الوَقْفِ في ثَلَاثَةِ أثْمانِها، فتَرْجِعُ إليه مِلْكًا على الوَجْهِ الأوّلِ، وعلى الوَجْهِ الثاني، يَصِحُّ الوَقْفُ على الابْنِ في نِصْفِها، وهو أرْبَعةُ أسْباعِ نَصِيبِه، ويَرْجِعُ إليه [باقي نَصِيبِه](13) مِلْكًا، ويَصِحُّ الوَقْفُ في أرْبَعةِ أسْباعِ الثُّمْنِ الذي لِلْمَرْأةِ، وباقِيه يكون لها مِلْكًا، فاضْرِبْ سَبْعةً في ثَمَانِيةٍ، تكون سِتَّةً وخَمْسِينَ، للابْنِ ثمانِيةٌ وعِشْرُونَ وَقْفًا، وأحَدَ وعِشْرُونَ مِلْكًا، ولِلْمَرْأةِ أرْبَعةُ أسْهُمٍ وَقْفًا، وثلاثةٌ مِلْكًا. وهكذا ذَكَرَ أصْحابُ الشافِعِىِّ. فأمَّا إن
(10) في م: "مطلقا".
(11)
في النسخ: "ويحمل".
(12)
في م: "ونصفها".
(13)
سقط من: م.
كانت الدَّارُ جَمِيعَ مِلْكِه، فوَقَفَها كُلَّها، فعلى ما اخْتَرْناه، الحُكْمُ فيها كما لو كانت تَخْرُجُ من الثُّلُثِ، فإنَّ الوارِثَ في جَمِيعِ المالِ كالأجْنَبِىِّ في الزّائِدِ عن الثُّلُثِ، وأمَّا على ما رَوَاهُ الجماعةُ، فإنَّ الوَقْفَ يَلْزَمُ في الثُّلُثِ من غيرِ اخْتِيارِ الوَرَثَةِ، وفيما زادَ فلهما إبْطالُ الوَقْفِ فيه، وللابْنِ إبْطالُ التَّسْوِيةِ، [فإن اخْتارَ إبْطَالَ التَّسْوِيَةِ](14) دُونَ إبْطالِ الوَقْفِ، خُرِّجَ فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، أنَّه يَبطُلُ الوَقْفُ في التُّسْعِ، ويَرْجِعُ إليه مِلْكًا، فيَصِيرَ له النِّصْفُ وَقْفًا، والتُّسْعُ مِلْكًا، ويكونُ لِلْبِنتِ السُّدُسُ والتُّسْعانِ وَقْفًا؛ لأنَّ الابنَ إنَّما يَمْلِكُ (15) إبْطالَ الوَقْفِ في ما لَه دُونَ ما لغيرِه. والوَجْهُ الثاني، أنَّ له إبْطالَ الوَقْفِ في السُّدُسِ، ويَصِيرُ له النِّصْفُ وَقْفًا، والتُّسْعُ مِلْكًا، ولِلْبِنْتِ الثُّلُثُ وَقْفًا، ونِصْفُ التُّسْعِ مِلْكًا؛ لئلَّا تَزْدَادَ البِنْتُ على الابْنِ في الوَقْفِ. وتَصِحُّ المَسْأَلَةُ في هذا الوَجْه من ثمانِيةَ عَشَرَ، للابْنِ تِسْعَةٌ وَقْفًا وسَهْمانِ مِلْكًا، ولِلْبِنْتِ سِتَّةُ أسْهُمٍ وَقْفًا وسَهْمٌ مِلْكًا. وقال أبو الخَطَّابِ: له إبْطالُ الوَقْفِ في الرُّبْعِ كلِّه، ويَصِيرُ له النِّصْفُ وَقْفًا والسُّدُسُ مِلْكًا، ويكونُ لِلْبِنْتِ الرُّبْعُ وَقْفًا ونِصْف السُّدُسِ مِلْكًا، كما لو كانت الدّارُ تَخْرُجُ من الثُّلُثِ، وتصِحُّ من اثْنَى عَشَرَ.
925 -
مسألة؛ قال: (وَإذَا خَرِبَ الْوَقْفُ، ولَمْ يَرُدَّ شيْئًا، بِيعَ، واشْتُرِىَ بِثَمَنِه ما يُرَدُّ عَلَى أهْلِ الوَقْفِ، وجُعِلَ وَقْفًا كَالْأَوَّلِ، وكَذلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ (1) إذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْغَزْوِ، بِيعَ، واشْتُرِىَ بِثَمَنِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ)
وجملةُ ذلك أنَّ الوَقْفَ إذا خَرِبَ، وتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُه، كدارٍ انْهَدَمَتْ، أو أرْضٍ خَرِبَتْ، وعادَتْ مَوَاتًا، ولم تُمْكِنْ عِمَارَتُها، أو مَسْجِدٍ انْتَقَلَ أهْلُ القَرْيةِ عنه، وصارَ في مَوْضِعٍ لا يُصَلَّى فيه، أو ضاقَ بأهْلِه ولم يُمْكِنْ تَوْسِيعُه (2) في مَوْضِعِه،
(14) سقط من: الأصل.
(15)
في م: "ملك".
(1)
في الأصل: "الحبس".
(2)
في الأصل: "توسعته".
أو تَشَعَّبَ (3) جَمِيعُه فلم تُمْكِنْ عِمَارَتُه ولا عِمَارَةُ بعضِه إلَّا بِبَيْعِ بعضِه، جازَ بَيْعُ بعضِه لِتُعَمَّرَ به بَقِيَّتُه. وإن لم يُمْكِن الانْتِفَاعُ بشيءٍ منه، بِيعَ جَمِيعُه. قال أحمدُ، في رِوَايةِ أبى دَاوُدَ: إذا كان في المَسْجِدِ خَشَبَتانِ، لهما قِيمَةٌ، جازَ بَيْعُهُما وصَرْفُ ثَمَنِهِما عليه. وقال، في رِوَايةِ صالحٍ: يُحَوَّلُ المَسْجِدُ خَوْفًا من اللُّصُوصِ، وإذا كان مَوْضِعُه قَذِرًا. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يَمْنَعُ من الصَّلَاةِ فيه. ونَصَّ على جَوَازِ بَيْعِ عَرْصَتِه، في رِوَايةِ عبدِ اللَّه، وتكونُ الشَّهَادَةُ في ذلك على الإِمَامِ. قال أبو بكرٍ: وقد رَوَى علىُّ بن سَعِيدٍ، أنَّ المَساجِدَ لا تُبَاعُ، وإنَّما تُنْقَلُ آلَتُها. قال: وبالقولِ الأوّلِ أقولُ؛ لإِجْماعِهِم على جَوَازِ بَيْعِ الفَرَسِ الحَبِيسِ (4) - يعني المَوْقُوفَةَ على الغَزْوِ - إذا كَبِرَتْ، فلم تَصْلُحْ لِلْغَزْوِ، وأمكن الانْتِفاعُ بها في شيءٍ آخَرَ، مثل أن تَدُورَ في الرَّحَى، أو يُحْمَلَ عليها تُرَابٌ، أو تكونَ الرَّغْبَةُ في نِتَاجها، أو حِصَانًا يُتَّخَذُ لِلطِّرَاقِ، فإنَّه يجوزُ بَيْعُها، ويُشْتَرَى بِثَمَنِها ما يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال محمدُ بن الحَسَنِ: إذا خَرِبَ المَسْجِدُ أو الوَقْفُ، عَادَ إلى مِلْكِ واقِفِه؛ لأنَّ الوَقْفَ إنَّما هو تَسْبِيلُ المَنْفَعَةِ، فإذا زالَتْ مَنْفَعَتُه، زالَ حَقُّ المَوْقُوفِ عليه منه، فزَالَ مِلْكُه عنه. وقال مالِكٌ، والشافِعِىُّ: لا يجوزُ بَيْعُ شيءٍ من ذلك؛ لقولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يُبَاعُ أصْلُها، ولا تُبْتَاعُ، ولا تُوهَبُ، ولا تُورَثُ"(5). ولأنَّ ما لا يجوزُ بَيْعُه مع بَقَاءِ مَنَافِعِه، لا يجوزُ بَيْعُه مع (6) تَعَطُّلِهَا، كالمُعْتَقِ، والمَسْجِدُ أشْبَهُ الأشْياءِ بالمُعْتَقِ. ولَنا، ما رُوِى أنَّ عمرَ رَضِىَ اللَّه عنه، كَتَبَ إلى سَعْدٍ، لمَّا بَلَغَهُ أنه قد نُقِبَ (7) بَيْت المالِ الذي بالكُوفَةِ، أن (8) انْقُل المَسْجِدَ الذي بالتَّمَّارِين، واجْعَلْ بَيْتَ
(3) في الأصل: "تشعث".
(4)
في الأصل: "الحبس".
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 184.
(6)
في م زيادة: "بقاء".
(7)
نقب؛ بفتح القاف: تخرَّق. ونُقِب؛ بالبناء للمجهول: نقبه بعض الناس.
(8)
سقط من: م.