الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعْلُومةً، جازَ أيضًا، في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ؛ لقوله، في رِوَايةِ الأثْرَمِ: وإن كان في عَمَلِ شيءٍ، جازَ. ونَقَلَ عنه أحمدُ بن سَعِيدٍ: لا بَأْسَ أن يُؤْجِرَ نَفْسَه من الذِّمِّىِّ. وهذا مُطْلَقٌ في نَوْعَىِ الإِجَارةِ. وذَكَرَ بعضُ أصْحَابِنا (50)، أنَّ ظاهِرَ كلامِ أحمدَ مَنْعُ ذلك، وأشَارَ إلى ما رَوَاه الأثْرَمُ، واحْتَجَّ بأنَّه عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ المُسْلِمِ، أشْبَهَ البَيعَ. والصَّحِيحُ ما ذَكَرْنا، وكلامُ أحمدَ إنَّما يَدُلُّ على خِلَافِ ما قالَه، فإنَّه خَصَّ المَنْعَ بالإِجَارةِ لِلْخِدْمةِ، وأجازَ إجَارَتَه لِلْعَمَلِ. وهذا إجَارَةٌ لِلْعَمَلِ. ويُفَارِقُ البَيْعَ، فإنَّ فيه إثْباتَ المِلْكِ على المُسْلِمِ، ويُفَارِقُ إجَارَتَه لِلْخِدْمةِ، لِتَضَمُّنِها الإِذْلَالَ.
فصل:
نَقَلَ إبراهيمُ الحَرْبِىُّ، عن أحمدَ، أنَّه سُئِلَ عن الرَّجُلِ يَكْتَرِى الدِّيكَ يُوقِظُه لِوَقْتِ الصَّلَاةِ: لا يجوزُ؛ وذلك لأنَّ ذلك يَقِفُ على فِعْلِ الدِّيكِ، ولا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ ذلك منه بِضَرْبٍ ولا غيرِه، وقد يَصِيحُ، وقد لا يَصِيحُ، وربما صاحَ بعد الوَقْتِ.
فصل: القسم الرابع، القُرَبُ التي يَخْتَصُّ فاعِلُها بكَوْنِه من أهْلِ القُرْبَةِ، يَعْنِى أنه يُشْتَرطُ كونُه مُسْلِمًا، كالإِمامةِ، والأذَانِ، والحَجِّ، وتَعْلِيمِ القُرْآن. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال عطاءٌ، والضَّحّاكُ بن قَيْسٍ، وأبو حنيفةَ، والزُّهْرِىُّ. وكَرِهَ الزُّهْرِىُّ، وإسحاقُ تَعْلِيمَ القُرْآن بأجْرٍ. وقال عبدُ اللَّه بن شَقِيقٍ: هذه الرُّغُفُ التي يَأْخُذُها المُعَلِّمُونَ من السُّحْتِ. وممَّن كَرِهَ أُجْرَةَ التَّعْلِيمِ (51) مع الشُّرَطِ: الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ، وطَاوُسٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ. وعن أحمدَ، رِوَايةٌ أخرى، يجوزُ ذلك. حَكَاها أبو الخَطَّابِ. ونقَل أبو طالِبٍ، عن أحمدَ، أنَّه قال: التَّعْلِيمُ أحَبُّ إلَىَّ من أن يَتَوَكَّلَ لهؤلاء السَّلَاطِينِ، ومن أن يَتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ من عَامَّةِ الناسِ في ضَيْعةٍ، ومن أن يَسْتَدِينَ ويَتَّجِرَ، لعلَّه لا يَقْدِرُ على الوَفَاءِ، فيَلْقَى اللهَ تعالى بأَمَاناتِ الناسِ، التَّعْلِيمُ أحَبُّ إلىَّ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ مَنْعَه منه في مَوْضِعِ مَنْعِه لِلْكَرَاهةِ،
(50) في الأصل: "أصحابه".
(51)
في الأصل: "المعلم".
لا لِلتَّحْرِيمِ. وممَّن أجَازَ ذلك مالكٌ، والشافِعِىُّ. ورَخَّصَ في أُجُورِ المُعَلِّمِينَ أبو قِلَابةَ وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ رَجُلًا بما مَعَهُ من القُرْآن. مُتَّفَقٌ عليه (52). وإذا جازَ تَعْلِيمُ القُرْآن عِوَضًا في باب النِّكَاحِ، وقامَ مَقَامَ المَهْرِ، جازَ أخْذُ الأُجْرَةِ عليه. في الإِجَارَةِ، وقد قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أحَقُّ مَا أخَذْتُمْ عَلَيْهِ أجْرًا كِتَابُ اللهِ". حَدِيثٌ صَحِيحٌ (53). وثَبَتَ أن أبا سَعِيدٍ رَقَى رَجُلًا بفَاتِحَةِ الكِتَابِ على جُعْلٍ فبَرَأَ، وأَخَذَ أَصْحَابُه الجُعْلَ، فأَتَوْا به رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخْبَرُوه، وسَأَلُوه، فقال:"لَعَمْرِى لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ، كُلُوا واضْرِبُوا لِى مَعَكُم بِسَهْمٍ"(54). ولذا جاز أخْذُ الأجر؛ لأنَّه في مَعْنَاه، ولأنَّه يجوزُ أخْذُ الرِّزْقِ عليه من
(52) أخرجه البخاري، في: باب وكالة الامرأة الإِمام في النكاح، من كتاب الوكالة، وفى: باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وباب القراءة عن ظهر قلب، من كتاب فضائل القرآن، وفى: باب تزويج المعسر. . .، وباب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وباب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وباب إذا كان الولى هو الخاطب، وباب السلطان ولى، وباب إذا قال الخاطب للولى زوجنى فلانة. . .، وباب التزويج على القرآن وبغير صداق، من كتاب النكاح، وفى: باب خاتم الحديد، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 3/ 132، 6/ 236، 237، 7/ 8، 17، 19، 22، 23، 24، 26، 202. ومسلم، في: باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن. . .، من كتاب النكاح. صحيح مسلم 2/ 1041.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في التزويج على العمل يعمل، من كتاب النكاح. سنن أبي داود 1/ 487. والترمذي، في: باب مما جاء في مهور النساء، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذى 5/ 34، 35. والنسائي، في: باب الكلام الذي ينعقد به النكاح، وباب هبة المرأة نفسها لرجل بغير صداق، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 76، 100، 101. وابن ماجه، في: باب صداق النساء، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 608. والدارمى، في: باب ما يجوز أن يكون مهرا، من كتاب النكاح. سنن الدارمي 2/ 142. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 334، 336.
(53)
تقدم تخريجه في صفحة 39.
(54)
أخرجه البخاري، في: باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، من كتاب الإِجارة، وفى: باب فاتحة الكتاب، من كتاب فضائل القرآن، وفى: باب الرقى بفاتحة الكتاب، وباب النفث في الرقية، من كتاب الطب. صحيح البخاري 3/ 121، 6/ 231، 7/ 170، 173. ومسلم، في: باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، من كتاب السلام. صحيح مسلم 4/ 1727، 1728. وأبو داود، في: باب كسب الأطباء، من كتاب البيوع، وفى: باب كيف الرقى، من كتاب الطب. سنن أبي داود 2/ 237، 238، 340. والترمذي، في: باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ، من أبواب الطب. عارضة الأحوذى 8/ 223. =
بَيْتِ المالِ، فجازَ أخْذُ الأجْرِ عليه، كبِنَاءِ المَسَاجِدِ والقَنَاطِرِ، ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك، فإنَّه يُحْتَاجُ إلى الاسْتنابةِ في الحَجِّ عمَّن وَجَبَ عليه الحَجُّ وعَجَزَ عن فِعْلِه، ولا يَكَادُ يُوجَدُ مُتَبَرِّعٌ بذلك، فيُحْتَاجُ إلى بَذْلِ الأجْرِ فيه. ووَجْهُ الرِّوَايةِ الأُولَى، ما رَوَى عثمانُ بن أبي العاصِ، قال: إنَّ آخِرَ ما عَهِدَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أن اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لا يَأْخُذُ على أذَانِه أجْرًا. قال التِّرْمِذِىُّ (55): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورَوَى عُبَادَةُ بن الصَّامِتِ، قال: عَلَّمْتُ نَاسًا من أهْلِ الصُّفَّةِ القُرآنَ والكِتَابةَ، فأهْدَى إلىَّ رَجُلٌ منهم قَوْسًا، قال: قلتُ: قَوْسٌ ولَيْسَتْ بمالٍ. قال: قلتُ أتَقَلَّدُهَا في سَبِيلِ اللَّه. فذَكَرْتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقَصَّ عليه القِصَّةَ، قال:"إنْ سَرَّكَ أنْ يُقَلِّدَكَ اللهُ قَوْسًا مِنْ نَارٍ، فَاقْبَلْهَا"(56). وعن أُبَىِّ بن كَعْبٍ، أنَّه عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً من القُرْآنِ، فأَهْدَى إليه خَمِيصَةً (57) أو ثَوبًا، فذَكَرَ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"لَوْ أنَّكَ لَبِسْتَها، أو أخَذْتَها، أَلْبَسَكَ اللهُ مَكَانَها ثَوْبًا مِنْ نَارٍ"(58). وعن أُبَىٍّ، قال: كُنْتُ أخْتَلِفُ إلى رَجُلٍ مُسِنٍّ، قد أصَابَتْهُ عِلَّةٌ، قد احْتَبَسَ في بَيْتِه أُقْرِئُه القُرْآنَ، فكان عند فَرَاغِه ممَّا أُقْرِئُه يقول لِجَارِيَةٍ له: هَلُمِّى بِطَعَامِ أخِى. فيُؤْتَى بطَعَامٍ لا آكُلُ مثلَه بالمَدِينَةِ، فحَاكَ في نَفْسِى منه
= وابن ماجه، في: باب أجر الراقى، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 729. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 2، 10، 44، 83. أما قوله: "لعمرى لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق". فأخرجها أبو داود في قصة الرجل المعتوه، في: باب كسب الأطباء، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 238. وليست من رواية أبى سعيد.
(55)
أخرجه الترمذي، في: باب في كراهية أن يأخذ على الأذان أجرًا، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 11. والنسائي، في: باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا، من كتاب الأذان. المجتبى 2/ 20. وابن ماجه، في: باب السنة في الأذان، من كتاب الأذان. سنن ابن ماجه 1/ 236. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 217.
(56)
أخرجه أبو داود، في: باب في كسب المعلم، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 237. وابن ماجه، في: باب الأجر على تعليم القرآن، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 730. والحاكم، في: باب نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، من كتاب البيوع. المستدرك 2/ 41.
(57)
الخميصة: ثوب أسود أو أحمر له أعلام.
(58)
أخرجه ابن ماجه، في: باب الأجر على تعليم القرآن، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 730.
شيءٌ، فذَكَرْتُه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"إنْ كَانَ ذلِكَ الطَّعَامُ طَعَامَهُ وطَعَامَ أَهْلِه، فَكُلْ مِنْهُ، وإنْ كَانَ يُتْحِفُكَ بهِ، فَلَا تَأْكُلْهُ". وعن عبدِ الرَّحْمن بن شِبْلٍ الأَنْصَارِىِّ، قال: سَمِعْتُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "اقْرأُوا القُرْآنَ، ولَا تَغْلُوا فِيهِ، ولا تَجْفُوا عَنْهُ، ولَا تَأْكُلُوا بِهِ، ولَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ"(59). رَوَى هذه الأحَادِيثَ كلَّها الأثْرَمُ (60)، في "سُنَنِه". ولأنَّ مِن شَرْطِ صِحَّةِ هذه الأفْعَالِ، كَوْنَها قُرْبةً إلى اللهِ تعالى، فلم يَجُزْ أخْذُ الأجْرِ عليها، كما لو اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ خَلْفَه الجُمُعةَ أو التَّرَاوِيحَ. فأمَّا الأخْذُ على الرُّقْيَةِ، فإنَّ أحمدَ اخْتَارَ جوازَه، وقال: لا بَأْسَ. وذَكَرَ حَدِيثَ أبى سَعِيدٍ. والفَرْقُ بينَه وبين ما اخْتُلِفَ فيه، أنَّ الرُّقْيةَ نَوْعُ مُدَاوَاةٍ، والمَأْخُوذُ عليها جُعْلٌ، والمُدَاواةُ يُبَاحُ أخْذُ الأجْرِ عليها، والجَعَالَةُ أوْسَعُ من الإِجَارَةِ، ولهذا تجوزُ مع جَهَالَةِ العَمَلِ والمُدَّةِ. وقولُه عليه السلام:"أحَقُّ مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجْرًا كِتَابُ اللهِ". يَعْنى به الجُعْلَ أيضًا في الرُّقْيَةِ؛ لأنَّه ذَكَرَ ذلك (61) في سِيَاقِ خَبَرِ الرُّقْيةِ. وأما جَعْلُ التَّعْلِيمِ صَدَاقًا [فعنه فيه](62) اخْتِلَافٌ، وليس في الخَبَرِ تَصْرِيحٌ بأن التَّعْلِيمَ صَدَاقٌ، إنَّما قال:"زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ". فيَحْتَمِلُ أنَّه زَوَّجَهُ إيَّاها بغيرِ صَدَاقٍ، إكْرَامًا له، كما زَوَّجَ أبا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ على إسْلَامِه (63)، ونُقِلَ عنه جَوَازُه. والفَرْقُ بين المَهْرِ والأجْرِ، أنَّ المَهْرَ ليس بعِوَضٍ مَحْضٍ، وإنَّما وَجَبَ نِحْلةً وَوُصْلَةً، ولهذا جازَ خُلُوُّ العَقْدِ عن تَسْمِيَتِه، وصَحَّ مع فَسَادِه، بخِلَافِ الأجْرِ في غيرِه، فأمَّا الرِّزْقُ من بَيْتِ المالِ، فيجوزُ على ما يَتَعَدَّى نَفْعُه من هذه الأُمُورِ؛ لأنَّ بَيْتَ المالِ لِمَصَالِح المُسْلِمِينَ، فإذا كان بَذْلُه لمن يَتَعَدَّى نَفْعُه إلى المُسْلِمِينَ مُحْتاجًا إليه، كان من المَصَالِحِ، وكان للآخِذِ له أخْذُه؛ لأنَّه من أهْلِه، وجَرَى مَجْرَى الوَقْفِ على مَن يَقُومُ بهذه المَصَالِحِ، بخِلَافِ الأَجْرِ.
(59) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 3/ 428، 444.
(60)
في ب زيادة: "بإسناده".
(61)
في م زيادة: "أيضًا".
(62)
في ب، م:"ففيه".
(63)
انظر: الإِصابة 8/ 228.