الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو لم يُكْتَفَ فيه (1) بالصِّفَةِ، لَما جازَ لِلرَّاكِبِ أن يُقِيمَ غيرَه مُقَامَه؛ لأنَّه إنَّما يَعْلَمُ كَوْنَه مثلَه لِتَسَاوِيهِما في الصِّفَاتِ، فما لا تَأْتِى عليه الصِّفَاتُ لا يُعْلَمُ التَّسَاوِى فيه، ولأنَّ الوَصْفَ يُكْتَفَى به في البَيْعِ، فاكْتُفِىَ به في الإِجَارَةِ، كالرُّؤْيةِ، والتَّفَاوُتُ بعد ذِكْرِ الصِّفاتِ الظاهِرَة يَسِيرٌ تَجْرِى المُسَامَحةُ فيه، كالمُسْلَمِ فيه.
فصل:
ويجوزُ اكْتِراءُ الإِبِلِ والدِّوَابِّ لِلْحُمُولةِ، قال اللهُ تعالى:{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} (2). والحُمُولَةُ بالضَّمِّ: الأحْمَالُ. والحَمُولَةُ بالفَتْحِ: التي يُحْمَلُ عليها. قال اللهُ تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} (3) الحَمُولَةُ: الكِبَارُ. والفَرْشُ: الصّغَارُ. وقيل: الحَمُولَةُ: الإِبِلُ. والفَرْشُ: الغَنَمُ؛ لأنَّها لا تَحْمِلُ. ولا يحْتَاجُ إلى مَعْرِفَةِ الحَمُولةِ؛ لأنَّ الغَرَضَ حَمْلُ المَتاعِ، دُونَ ما يَحْمِلُه، بخِلَافِ الرُّكُوبِ، فإنَّ للرَّاكِبِ (4) غَرَضًا في المَرْكُوبِ، من سُهُولَتِه [وحَمالتِه وسُرْعَتِه](5). وإن اتَّفَقَ وُجُودُ غَرَضٍ في الحَمُولَةِ، مثل أن يكونَ المَحْمُولُ شَيْئًا يَضُرُّه كَثْرَةُ الحَرَكةِ، كالفاكِهةِ والزُّجَاجِ، أو كَوْن الطَّرِيقِ ممَّا يَعْسُرُ على بعضِها دُونَ بعضٍ، فيَنْبَغِى أن يُذْكَرَ في الإِجَارَةِ. وأمَّا الأحْمَالُ، فلا بُدَّ من مَعْرِفَتِها، فإن لم يَعْرِفْها، لم يَجُزْ؛ لأنَّ ذلك يَتَفاوَتُ كَثِيرًا، ويَخْتَلِفُ (6) الغَرَضُ به. فإن شَرَطَ أن تَحْمِلَ ما شاءَ، بَطَلَ؛ لأنَّ ذلك لا يُمْكِنُ الوَفاءُ به، ويَدْخُلُ فيه ما يَقْتُلُ البَهِيمَةَ. وإن قال: لِتَحْمِلْ (7) عليها طَاقَتَها. لم يَجُزْ أيضًا؛ لأنَّ ذلك لا ضَابِطَ له. وتَحْصُلُ المَعْرِفةُ بِطَرِيقَيْنِ: المُشَاهَدَةُ؛ لأنَّها (8)
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة النحل 7.
(3)
سورة الأنعام 142.
(4)
في ب، م:"المركب".
(5)
في م: "وحالة سرعته".
(6)
في الأصل، ب:"ويحتمل".
(7)
في ب، م:"احتمل".
(8)
في م زيادة: "من".
أعْلَى طُرُقِ العِلْمِ، والصِّفَةُ. ويُشْتَرَطُ في الصِّفَةِ مَعْرِفةُ شَيْئَيْنِ: القَدْرُ والجِنْسُ؛ لأنَّ الجِنْسَ يَخْتَلِفُ تَعَبُ البَهِيمَةِ بِاخْتِلافِه، مع التَّسَاوِى في القَدْرِ. فإنَّ القُطْنَ يَضُرُّ بها من وَجْهٍ، وهو أنَّه يَنْتَفِخُ على البَهِيمةِ، فيَدْخُلُ فيه الرِّيحُ فيَثْقُلُ، ومثلُه من الحَدِيدِ يُؤْذِى من [جِهَةٍ أخرى](9)، وهو أنَّه يَجْتَمِعُ على مَوْضِعٍ من البَهِيمةِ، فربما عَقَرَها، فلا بُدَّ من بَيَانِه. وأَمَّا الظُّرُوفُ، فإن دَخَلَتْ في الوَزْنِ، لم يحْتَجْ إلى ذِكْرِها، وإن لم تُوزَنْ، فإن كانت ظُرُوفًا مَعْرُوفةً، لا تَخْتَلِفُ، كغَرَائِر الصُّوفِ والشَّعْرِ ونحوها، جازَ العَقْدُ عليها (10) من غير تَعْيِينٍ؛ لأنَّها قَلَّما تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا كثيرًا فتَسْمِيَتُها تَكْفِى، وإن كانت تَخْتَلِفُ، فلا بُدَّ من مَعْرِفَتِها بالتَّعْيِينِ أو الصِّفَةِ. وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ، أنَّه إذا قال: أَكْرَيْتُكَها لِتَحْمِلَ علها ثَلَاثَمائةِ رَطْلٍ ممَّا شِئْتَ. جازَ، ومَلكَ ذلك، لكنْ (11) لا يُحَمِّلُه حِمْلًا يَضُرُّ بالحَيَوانِ، مثل ما لو أرادَ حَمْلَ حَدِيدٍ أو زِئْبَقٍ، يَنْبَغِى أن يُفَرِّقَهُ على ظَهْرِ الحَيَوانِ، فلا يَجْتَمِعُ في مَوْضِعٍ واحدٍ من ظَهْرِه، ولا يَجْعَلُه في وِعَاءٍ يَتَمَوَّجُ فيه، فيَكُدُّ البَهِيمَةَ ويُتْعِبُها. وإن اكْتَرَى ظَهْرًا لِلحَمْلِ مَوْصُوفًا بجِنْسٍ، فأرادَ حَمْلَه على غيرِ ذلك الجِنْسِ، وكان الطالِبُ لذلك المُسْتَأْجِرُ، لم يُقْبَلْ منه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ المُطَالَبَةَ بما لم يَعْقِدْ عليه، وإن طَلَبَه المُؤْجِرُ، وكان يَفُوتُ به غَرَضٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ، مثل أن يكونَ غَرَضُه الاسْتِعْجالَ في السَّيْرِ، أَو أن لا يَنْقَطِعَ عن القافِلةِ، فيَتَعَيَّنُ الخَيْلُ أو البِغَالُ، أو يكونَ غَرَضُه سُكُونَ الحُمُولةِ (12) لكَوْن الحَمولةِ ممَّا يَضُرُّها الهَزُّ، أو قُوَّتُها وصَبْرُها لِطُولِ الطَّرِيقِ وثِقْلِ الحُمُولةِ فيُعَيِّنُ الإِبِلَ، لم يَجُز العُدُولُ عنه؛ لأنَّه يُفَوِّتُ غَرَضَ المُسْتَأْجِرِ، فلم يَجُزْ ذلك، كما في المَرْكُوبِ. وإن لم يُفَوِّتْ غَرَضًا، جاز، كما يجوزُ لمن اكْتَرَى على حَمْلِ شيءٍ حَمْلُ مثلِه، أو أَقَلَّ ضَرَرًا منه.
(9) في ب: "وجه آخر".
(10)
سقط من: الأصل.
(11)
في ب: "لكنه".
(12)
في م: "الحمل".