الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالأرْضِ، في زَرْعٍ ضَرَرُه كَضَرَرِ الزَّرْعِ المَشْرُوطِ أو دُونَه، مثل أن يَزْرَعَها شَعِيرًا يَأْخُذُه (49) قَصِيلًا، صَحَّ العَقْدُ، لأنَّ الانْتِفاعَ بها في بعضِ ما اقْتَضَاه العَقْدُ مُمْكِنٌ. وإن لم يكُنْ كذلك، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه اكْتَرَى للزَّرْعِ ما لَا يُنْتَفَعُ بالزَّرْعِ (50) فيه، أشْبَهَ إجَارَةَ السَّبْخَةِ له. فإن قُلْنا: يَصِحُّ. فإن انْقَضَتِ المُدّةُ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدهما، حُكْمُه حُكْمُ زَرْعِ المُسْتَأْجِرِ لما لا يَكْمُلُ في مُدَّتِه؛ لأنَّه هَهُنا مُفَرِّطٌ. واحْتَمَلَ أن يَلْزَمَ المُكْرِىَ تَرْكُهُ بالأَجْرِ؛ لأنَّ التَّفْرِيطَ منه حيث أكْرَاه مُدَّةً لِزَرْعٍ لا يَكْمُلُ فيها. وإن شَرَطَ تَبْقِيَتَه حتى يَكْمُلَ، فالعَقْدُ فاسِدٌ؛ لأنَّه جَمَعَ بين مُتَضَادَّيْنِ، فإنَّ تَقْدِيرَ المُدَّةِ يَقْتَضِى النَّقْلَ فيها، وشَرْطَ التَّبْقِيَةِ يُخَالِفُه، ولأنَّ مُدَّةَ التَّبْقِيَةِ مَجْهُولةٌ، فإن زَرَعَ لم يُطَالِبْ بِنَقْلِه، كالتى تَقَدَّمَتْ.
فصل:
إذا أجَرَه (51) لِلْغِرَاسِ سَنَةً، صَحَّ؛ لأنَّه يُمْكِنُه تَسْلِيمُ مَنْفَعَتِها المُبَاحَةِ المَقْصُودَةِ، فأشْبَهَتْ سائِرَ المَنافِعِ، وسواءٌ شَرَطَ قَلْعَ الغِرَاسِ عندَ انْقِضَاءِ المُدَّةِ، أو أطْلَقَ. وله أن يَغْرِسَ قبلَ انْقِضَاءِ المُدَّةِ، فإذا انْقَضَتْ، لم يكُنْ له أن يَغْرِسَ؛ لِزَوَالِ عَقْدِه. فإذا انْقَضَتِ السَّنَةُ، وكان قد شَرَطَ القَلْعَ عند انْقِضَائِها، لَزِمَهُ ذلك وَفَاءً بمُوجبِ شَرْطِه، وليس على صاحِبِ الأرْضِ غَرَامَةُ نَقْصِه، ولا على المُكْتَرِى تَسْوِيَةُ الحَفْرِ وإصْلَاحُ الأرْضِ؛ لأنَّهما دَخَلَا على هذا، لِرِضَاهُما بالقَلْعِ، واشْتِرَاطِهِما عليه. وإن اتَّفَقَا على إبْقائِه بأجْرٍ أو غيرِه، جازَ [إذا شَرَطَا مُدّةً مَعْلُومةً. وكذلك لو اكْتَرَى الأرْضَ سَنَةً بعد سَنَةٍ، كلما انْقَضَى عَقْدٌ جَدَّدَ آخَرَ، جَازَ](52). وإن أطْلَقَ العَقْدَ، فلِلْمُكْتَرِى القَلْعُ؛ لأنَّ الغَرْسَ مِلْكُه، فله أخْذُه، كَطَعامِه من (53) الدَّارِ
(49) في الأصل: "فأخذه".
(50)
سقط من: م.
(51)
في ب: "استأجره".
(52)
سقط من: الأصل. نقل نظر.
(53)
في الأصل: "في".
التي بَاعَها. وإذا قَلَعَ، فعليه تَسْوِيَةُ الحَفْرِ؛ لأنَّه نَقْصٌ دَخَلَ على (54) مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه. وهكذا إن قَلَعَه قبلَ انْقِضَاءِ المُدّةِ ههُنا، وفي التي قبلَها؛ لأنَّ القَلْعَ قبلَ الوَقْتِ لم يَأْذَنْ فيه المالِكُ، ولأنَّه تَصَرَّفَ في الأرْضِ تَصَرُّفًا نَقَصَها، لم يَقْتَضِه عَقدُ الإِجَارَةِ. وإن أبَى القَلْعَ، لم يُجْبَرْ عليه، إلَّا أن يَضْمَنَ له المالِكُ نَقْصَ غَرْسِه، فيُجْبَرُ حينئذٍ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقال أبو حَنِيفةَ، ومالِكٌ: عليه القَلْعُ من غيرِ ضَمانِ النَّقْصِ له؛ لأنَّ تَقْدِيرَ المُدَّةِ في الإِجَارَةِ يَقْتَضِى التَّفْرِيغَ عندَ انْقِضَائِها، كما لو اسْتَأْجَرَها لِلزَّرْعِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ"(55). مَفْهُومُه أنَّ ما ليس بِظَالِمٍ له حَقٌّ. وهذَا ليس بِظَالِمٍ، ولأنَّه غَرَسَ بإذْنِ المالِكِ، ولم يَشْرُطْ قَلْعَه، فلم يُجْبَرْ على القَلْعِ من غيرِ ضَمَانِ النَّقْصِ، كما لو اسْتَعارَ منه أرْضًا لِلْغَرْسِ مُدّةً، فرَجَعَ قبلَ انْقِضَائِها، ويُخَالِفُ الزَّرْعَ؛ فإنَّه لا يَقْتَضِى التَّأْبيدَ. فإن قيل: فإن كان إطْلَاقُ العَقْدِ في الغِرَاسِ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، فشَرْطُ القَلْعِ (56) يُنَافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، فيَنْبَغِي أن يُفْسِدَه. قُلْنا: إنَّما اقْتَضَى التَّأْبِيدَ من حيثُ إنَّ العادَةَ في الغِرَاسِ التَّبْقِيةُ، فإذا أطْلَقَه حُمِلَ على العادَةِ، وإذا شَرَطَ خِلَافَه، جازَ، كما إذا باعَ بغير نَقْدِ البَلَدِ، أو شَرَطَ في الإِجارَةِ شَرْطًا يُخَالِفُ العادَةَ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ رَبَّ الأرْضِ يُخَيَّرُ بين ثلاثةِ أشْيَاء؛ أحدها، أن يَدْفَعَ قِيمَةَ الغِرَاسِ والبِنَاءِ، فيَمْلِكَه مع أرْضِه. والثاني، أن يَقْلَعَ الغِرَاسَ والبِنَاءَ، ويَضْمَنَ أرْشَ نَقْصِه. والثالث، أن يُقِرَّ الغِرَاسَ والبِنَاءَ، ويَأْخُذَ منه أجْرَ المِثْلِ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقال مالِكٌ: يُخَيَّرُ بين دَفْعِ قِيمَتِه فيَمْلِكُه، وبين مُطَالَبَتِه بالقَلْعِ من غيرِ ضَمَانٍ، وبين تَرْكِه، فيَكُونانِ شَرِيكَيْنِ. وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ الغِرَاسَ مِلْكٌ لِغَارِسِه، لم يُدْفَعْ إليه عنه عِوَضٌ، ولا رَضِىَ بِزَوَالِ مِلْكِه عنه [فلا يزُولُ عنه](57)، كسائِر الغَرْسِ. وإن اتّفَقَا على بَيْعِ الغِرَاسِ والبِنَاءِ لِلْمالِكِ، جازَ. وإن باعَهُما
(54) في ب: "في".
(55)
تقدم تخريجه في: 6/ 558.
(56)
سقط من: ب.
(57)
سقط من: م.