الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماءَ العِدَّ. رجَعَه (50) منه. ولأنَّ في ذلك تَضْيِيقًا على المسلِمينَ. وفى إقْطاعِ المعَادِنِ الباطِنَةِ وَجْهانِ، ذَكَرْنَاهُما فيما مَضَى.
فصل:
ولا يَنْبَغِى أن يُقْطِعَ الإِمامُ أحَدًا من المَوَاتِ، إلَّا ما يُمْكِنُه إحْيَاؤُه؛ لأنَّ في إقْطاعِه أكْثَرَ من ذلك تَضْيِيقًا (51) على الناسِ في حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بينهم، بما لا فائِدَةَ فيه. فإن فَعَلَ، ثم تَبَيَّنَ عَجْزُه عن إحْيائِه، اسْتَرْجَعَه منه، كما اسْتَرْجَعَ عمرُ من بِلَالِ بن الحارِثِ ما عَجَزَ [عنه مِن](52) عِمَارَتِه من العَقِيق، الذي أقْطَعَه إيَّاهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (53).
فصل: في الحِمَى، ومعناه أن يَحْمِىَ أرْضًا من المَوَاتِ، يَمْنَعُ النّاسَ رَعْىَ ما فيها من الكَلَإِ، لِيَخْتَصَّ بها دونهم. وكانت العَرَبُ في الجاهِلِيّةِ تَعْرِفُ ذلك، فكان منهم مَنْ إذا انْتَجَعَ بَلَدًا أَوْفَى بِكَلْبٍ على نَشْزٍ، ثم اسْتَعْوَاهُ. وَوَقَفَ له من كلِّ ناحِيَةٍ مَن يَسْمَعُ صَوْتَهُ بالعُوَاءِ، فحيثما انْتَهَى صوْتُه حَمَاهُ من كلِّ ناحِيةٍ لِنَفْسِه، ويَرْعَى مع العامَّةِ فيما سِوَاه. فنَهَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عنه؛ لما فيه من التَّضيِيقِ على الناسِ، ومَنْعِهِم من الانْتِفاعِ بشيءٍ لهم فيه حَقٌّ. ورَوَى الصَّعْبُ بن جَثَّامَةَ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا حِمى إلّا لِلهِ ولِرَسُولِهِ". رَوَاه أبو دَاوُدَ (54). وقال: "النَّاسُ شُرَكَاءُ في ثَلَاثٍ: الْماءُ، والنَّارُ، والكَلَأُ" رَوَاهُ الخَلَّالُ (55). وليس لأحدٍ من الناسِ سِوَى الأئِمَّةِ أن يَحْمِىَ؛ لما ذَكَرْنا من الخَبَرِ والمَعْنَى. فأمَّا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فكان له أن يَحْمِىَ
(50) في ب، م:"فأرجعه".
(51)
في الأصل: "تضييعا".
(52)
في ب، م:"عن".
(53)
تقدم تخريجه في صفحة 153.
(54)
في: باب في الأرض يحميها الإِمام أو الرجل، من كتاب الخراج. سنن أبي داود 2/ 160.
كما أخرجه البخاري، في: باب لا حمى إلا للَّه ولرسوله، من كتاب المساقاة، وفى: باب أهل الدار يبيتون. . .، من كتاب الجهاد. صحيح البخاري 3/ 148، 4/ 74. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 38، 71، 73.
(55)
تقدم تخريجه في: 6/ 146.
لِنَفْسِه ولِلمسلِمينَ؛ لقولِه في الخَبَرِ: "لَا حِمًى إلَّا لِلهِ ولِرَسُولِه". لكنَّه لم يَحْمِ لِنَفْسِه شيئا، وإنما حَمَى للمسلمين، فقد رَوَى ابنُ عمرَ، قال: حَمَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّقِيعَ لِخَيْلِ المُسْلمِينَ. رَوَاهُ أبو عُبَيْدٍ (56). والنَّقِيعُ، بالنُّونِ: مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فيه الماءُ، فيَكْثُرُ (57) فيه الخِصْبُ، لِمَكانِ ما يَصِيرُ فيه من الماءِ. وأمَّا سائِرُ أئِمّةِ المسلمين، فليس لهم أن يَحْمُوا لأَنْفُسِهِم شيئا، ولكنْ لهم أن يَحْمُوا مَواضِعَ لِتَرْعَى فيها خَيْلُ المُجاهِدِينَ، ونُعُمُ الجِزْيَةِ، وإِبِلُ الصَّدَقةِ، وضَوَالُّ الناسِ التي يَقُومُ الإِمامُ بحِفْظِها، وماشِيَةُ الضَّعِيفِ من الناسِ، على وَجْهٍ لا يَسْتَضِرُ به مَنْ سِوَاه من الناس. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشافِعِىُّ في صَحِيحِ قَوْلَيْهِ، وقال في الآخَر: ليس لغيرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَحْمِىَ؛ لقولِه: "لَا حِمًى إلَّا لِلهِ ولِرَسُولِهِ". ولَنا، أنَّ عمرَ وعثمانَ حَمَيَا، واشْتَهَرَ ذلك في الصَّحابةِ، فلم يُنْكَرْ عليهما، فكان إجْماعا. ورَوَى أبو عُبَيْدٍ (58)، بإسْنادِه عن عامِرِ بن عبدِ اللَّه بن الزُّبَيْرِ، أحْسَبُه عن أبِيه، قال: أتَى أعْرَابِىٌّ عمرَ، فقال: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، بِلَادُنا قَاتَلْنا عليها في الجاهِلِيّةِ، وأسْلَمْنا عليها في الإِسْلامِ، عَلَامَ تَحْمِيهَا؟ فأطْرَقَ عمرُ، وجَعَلَ يَنْفُخُ، ويَفْتِلُ شارِبَهُ، وكان إذا كَرَبَهُ أمْرٌ فَتَلَ شارِبَهَ، ونَفَخَ. فلمَّا رَأَى الأعْرَابِىُّ ما به جَعَلَ يُرَدِّدُ ذلك، فقال عمرُ: المالُ مالُ اللهِ، والعِبَادُ عِبَادُ اللهِ، واللهِ لولا ما أحْمِلُ عليه في سَبِيلِ اللَّه ما حَمَيْتُ شِبْرًا من الأرْضِ في شِبْرٍ. وقال مالِكٌ: بَلَغَنِى أنَّه كان يَحْمِلُ في كلِّ عامٍ على أرْبَعِينَ ألْفًا من الظَّهْرِ. وعن أسْلَمَ، قال: سَمِعْتُ عمرَ يقول لِهُنَىٍّ حين اسْتَعْمَلَه على حِمَى الرَّبَذَةِ (59): يا هنىّ، أضْمُمْ جَنَاحَكَ عن الناسِ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فإنَّها مُجَابَةٌ. وأدْخِلْ رَبَّ الصَّرِيمةِ والغَنِيمَةِ، ودَعْنِى من نَعَمِ ابن عَوْفٍ ونَعَمِ ابن عَفَّانَ،
(56) في: باب حمى الأرض ذات الكلأ أو الماء. الأموال 298.
كما أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 2/ 155، 157.
(57)
في الأصل: "ليكثر".
(58)
في: باب حمى الأرض ذات الكلأ أو الماء. الأموال 299.
(59)
الربذة: موضع قرب المدينة.