الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْئًا، مَلَكَ ما هو أخَفُّ منه. وقيل فيه وَجهٌ آخَر، أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّه اسْتِعْمالٌ لم تَجْرِ العادَةُ به في القَمِيصِ (28)، أشْبَه الاتِّزَارَ به.
فصل:
وإن اسْتَأْجَرَ أرْضًا، صَحَّ؛ لما تَقَدَّمَ، ولا يَصِحُّ حتى يَرَى الأرْضَ؛ لأنَّ المَنْفَعةَ تَخْتَلِفُ باخْتِلَافِها، ولا تُعْرَفُ إلَّا بالرُّؤْيةِ؛ لأنَّها لا تنْضَبِطُ بالصِّفَةِ، ولا يَصِحُّ حتى يَذْكُرَ (29) ما يَكْتَرِى له من زَرْعٍ أو غَرْسٍ أو بِنَاءٍ؛ لأنَّ الأرْضَ تَصْلُحُ لهذا كلِّه، وتَأْثِيرُه في الأرْضِ يَخْتَلِفُ، فوَجَبَ بَيَانُه. فإن قال: أجَرْتُكَها لِتَزْرَعَها أو تَغْرِسَها. لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لم يُعَيِّنْ أحَدَهُما، فأشْبَهَ ما لو قال: بِعْتُكَ أحَدَ هذين العَبْدَيْنِ، وإن قال: لِتَزْرَعَها ما شِئْتَ، وتَغْرِسَها (30) ما شِئْتَ. صَحَّ. وهذا مَنْصُوصُ الشافِعِيِّ. وخَالَفَه أكْثَرُ أصْحابِه، فقالوا: لا يجوزُ؛ لأنَّه لا يَدْرِي كم يَزْرَعُ ويَغْرِسُ. وقال بعضُهم: يَصِحُّ، ويَزرَعُ نِصْفَها، ويَغْرِسُ نِصْفَها. ولَنا، أن العَقْدَ اقْتَضَى إبَاحَةَ هذين الشَّيْئَيْنِ، فصَحَّ، كما لو قال: لِتَزْرَعَها ما شِئْتَ. ولأنَّ اخْتِلَافَ الجِنْسَيْنِ كاخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ، وقوله: لِتَزْرَعَها ما شِئْتَ. إِذْنٌ في نَوْعَيْنِ وأنْواعٍ، وقد صَحَّ، فكذلك في الجِنْسَيْنِ، وله أن يَغْرِسَها كلَّها، وإن أحَبَّ زَرَعَها كلَّها، كما لو أذِنَ له في أنْواعِ الزَّرْعِ كلِّه، كان له زَرْعُ جَمِيعِها نَوْعًا واحِدًا، وله زَرْعُها من نَوْعَيْنِ، كذلك ههُنا. وإن أكْرَاهَا لِلزَّرْعِ وحده، ففيه أرْبَعُ مَسَائِلَ:
إحْداهُنَّ، أكْرَاهَا لِلزَّرْعِ مُطْلَقًا، أو قال: لِتَزْرَعَها ما شِئْتَ. فإنَّه يَصِحُّ، وله زَرْعُ ما شاءَ. وهذا مذهبُ الشافِعِيِّ. وحُكِى عن ابنِ سُرَيْجٍ أنَّه لا يَصِحُّ حتى يَتَبَيَّنَ الزَّرْعَ؛ لأنَّ ضَرَرَه يَخْتَلِفُ، فلم يَصِحَّ بدون البَيَانِ، كما لو لم يَذْكُرْ ما يَكْتَرِى له من زَرْعٍ أو غَرْسٍ أو بِنَاءٍ. ولَنا، أنَّه يجوزُ اسْتِئْجَارُها لأكْثَر الزَّرْعِ ضَرَرًا، ويُبَاحُ له جَمِيعُ
(28) في الأصل: "القمص".
(29)
في م زيادة: "له".
(30)
في م: "أو تغرسها".
الأنْواعِ؛ لأنَّها دُونَه، فإذا عَمَّمَ أو أطْلَقَ، تَنَاوَلَ الأَكْثَرَ، وكان له ما دونه، ويُخالِفُ الأجْناسَ المُخْتلِفَةَ؛ فإنَّه لا يَدْخُلُ بعضُها في بعضٍ. فإن قِيلَ: فلو اكْتَرَى دَابّةً لِلرُّكُوبِ، لَوَجَبَ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ. قُلْنا: لأنَّ إجَارَةَ المَرْكُوبِ لأَكْثَرِ الرُّكَّابِ ضَرَرًا لا تجوزُ، بخِلَافِ المَزْرُوعِ، ولأنَّ لِلْحَيَوانِ حُرْمَةً في نَفْسِه، فلم يَجُزْ إطْلَاقُ ذلك فيه، بخِلَافِ الأرْضِ. فإن قِيلَ: فلو اسْتَأْجَرَ دَارًا لِلسُّكْنَى مُطْلَقًا، لم يَجُزْ أن يُسْكِنَها مَن يَضُرُّ بها، كالقَصَّارِ والحَدَّادِ، فَلِمَ قُلْتُم إنَّه يجوزُ أن يَزْرَعَها ما يَضُرُّ بها؟ قُلْنا: السُّكْنَى لا تَقْتَضِي ضَرَرًا، فلذلك مُنِعَ من إسْكَانِ مَن يَضُرُّ بها؛ لأنَّ العَقْدَ لم يَقْتَضِهِ، والزَّرْعُ يَقْتَضِى الضَّرَرَ، فإذا أطْلَقَ كان راضِيًا بأكثَرِه، فلهذا جازَ. وليس له أن يَغْرِسَ في هذه الأرْضِ، ولا يَبْنِىَ؛ لأنَّ ضَرَرَه أكْثَرُ من المَعْقُودِ عليه.
المسألة الثانية، أكْرَاهَا (31) لِزَرْعِ حِنْطَةٍ، أو نوعٍ بِعَيْنِه، فإنَّ له زَرْعَ ما عَيَّنَهُ (32) وما ضَرَرُه كَضَرَرِه أو دُونَه. ولا يَتَعَيَّنُ ما عَيَّنَه في قولِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، إلَّا دَاوُدَ وأهْلَ الظاهِرِ، فإنَّهم قالوا: لا يجوز له زَرْعُ غيرِ ما عَيَّنَه، حتى لو وَصَفَ الحِنْطَةَ بأنَّها سَمْرَاءُ، لم تجُزْ له أن يَزْرَعَ بَيْضَاءَ؛ لأنَّه عَيَّنَه بالعَقْدِ، فلم يَجُز العُدُولُ عنه، كما لو عَيَّنَ المَرْكُوبَ، أو عَيَّنَ الدَّرَاهِمَ في الثَّمَنِ. ولَنا، أنَ المَعْقُودَ عليه مَنْفَعَةُ الأرْضِ دُونَ القَمْحِ، ولهذا اسْتَقَرَّ (33) عليه العِوَضُ بِمُضِيِّ المُدَّةِ، إذا تَسَلَّمَ الأرْضَ. وإن لم يَزْرَعْها، وإنَّما ذَكَرَ القَمْحَ لِتُقَدَّرَ به المَنْفَعَةُ، فلم يَتَعَيَّنْ، كما لو اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَها، كان له أن يُسْكِنَها غيرَه. وفارَقَ المَرْكُوبَ، والدَّرَاهِمَ في الثّمَنِ، فإنَّهما مَعْقُودٌ عليهما، فتَعَيَّنَا، والمَعْقُودُ عليه ههُنا مَنْفَعَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وقد تَعَيَّنَتْ أيضًا، ولم يَتَعَيَّنْ ما قُدِّرَتْ به، كما لا يَتَعَيَّنُ المِكْيالُ والمِيزانُ في المَكِيلِ والمَوْزُونِ،
المسألة الثالثة، قال: لِيَزْرَعَها حِنْطةً، وما ضَرَرُه كضَرَرِها، أو دونَه. فهذه
(31) في ب: "اكتراها".
(32)
في ب، م:"يعينه".
(33)
في م: "يستقر".