الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كقوله: من رَدَّ عَبْدِى فله ثُلُثُه، أو مَن رَدَّ عَبْدَىَّ فله أحَدُهُما. فَردَّه إنْسانٌ اسْتَحَقَّ أجْرَ المِثْلِ؛ لأنَّه عَمِلَ عَمَلًا بعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، فاسْتَحَقَّ [أجْرَ المِثْلِ](18)، كما في الإِجَارَةِ.
فصل:
ومَنْ رَدَّ لُقَطَةً أو ضالَّةً، أو عَمِلَ لغيره عَمَلًا غيرَ رَدِّ الآبِقِ، [بغير جُعْلٍ](19)، لم يَسْتَحِقَّ عِوَضًا. لا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا؛ لأنَّه عَمَلٌ يَسْتَحِقُّ به العِوَضَ مع المُعاوَضةِ، فلا يَسْتَحِقُّ مع عَدَمِها، كالعَمَلِ في الإِجَارَةِ. فإن اخْتَلَفَا في الجُعْلِ، فقال: جَعَلْتَ لي في رَدِّ لُقَطَتِى كذا. فأنْكَرَ المالِكُ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ معه. وإن اتّفَقَا على العِوَضِ، واخْتَلَفَا في قَدْرِه، فالقولُ قولُ المالِكِ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الزَّائِدِ المُخْتَلَفِ فيه، ولأنَّ القولَ قولُه في أصْلِ العِوَضِ، فكذلك في قَدْرِه، كرَبِّ المالِ في المُضارَبةِ. ويَحْتَمِلُ أن يَتَحالَفَا، كالمُتَبايِعَيْنِ إذا اخْتَلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ، والأجِيرِ والمُسْتَأْجِرِ إذا اختَلَفا في قَدْرِ (20) الأجْرِ. فعلى هذا إن تَحَالَفا فُسِخَ العَقْدُ، ووَجَبَ أجْرُ المِثْلِ. وكذلك الحُكْمُ إن اخْتَلَفَا في المَسافَةِ، فقال: جَعَلْتُ لك الجُعْلَ على رَدِّهَا من حَلَبَ. فقال: بل على [رَدِّها من](21) حِمْصَ وإن أخْتَلَفا فى عَيْنِ العَبْدِ الذي جُعِلَ الجُعْلُ في رَدِّه، فقال: رَدَدْتُ العَبْدَ الذي شَرَطْتَ لي الجُعْلَ فيه. قال: بل شَرَطْتُ لك الجُعْلَ في العَبْدِ الذي لم تَرُدَّه. فالقولُ قولُ المالِكِ؛ لأنَّه أعْلَمُ بِشَرْطِه، ولأنَّه ادَّعَى عليه شَرْطًا في هذا العَقْدِ فأنْكَرَه، والأصْلُ عَدَمُ الشَّرْطِ.
فصل: [فأمَّا رَدُّ](22) العَبْدِ الآبِقِ، فإنَّه يَسْتَحِقُّ الجُعْلَ بِرَدِّه وإن لم يَشْرُطْ له. رُوِىَ هذا عن عمرَ، وعلىٍّ، وابنِ مسعودٍ. وبه قال شُرَيْحٌ، وعمرُ بن عبد العزيزِ، ومالِكٌ، وأصْحابُ الرأى. وقد رُوِى عن أحمدَ أنَّه يكُنْ يُوجِبُ ذلك. قال ابنُ
(18) في م: "أجره".
(19)
في الأصل: "بجعل".
(20)
سقط من الأصل.
(21)
في م: "رده".
(22)
في م: "أما".
مَنْصُورٍ: سُئِلَ أحمدُ عن جُعْلِ الآبِقِ؟ فقال: لا أدْرِى، قد تكَلَّمَ الناسُ فيه. لم يكُنْ عندَه فيه حَدِيثٌ صَحِيحٌ. فظاهِرُ هذا أنَّه لا جُعْلَ له فيه، وهو ظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ فإنَّه قال:"وإذا أبَقَ العَبْدُ فلمَن جاءَ به إلى سَيِّدِه ما أنْفَقَ عليه". ولم يَذْكُرْ جُعْلًا. وهذا قول النَّخَعِىِّ، والشافِعِىِّ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّه عَمِلَ لغيرِه عَمَلًا من غيرِ أن يَشْرُطَ له عِوَضًا، فلم يَسْتَحِقَّ شيئا، كما لو رَدَّ جَمَلَه الشَّارِدَ. وَوَجْهُ الرِّوَايةِ الأُولَى، ما رَوَى عَمْرُو بن دِينارٍ، وابنُ أبى مُلَيْكَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ في جُعْلِ الآبِقِ، إذا جاءَ به خارِجًا من الحَرَمِ، دِينَارًا (23)، وأيضا فإنه قولُ من سَمَّيْنا من الصَّحابةِ، ولم نَعْرِفْ لهم في زَمَنِهِم مُخَالِفًا، فكان إجْماعًا. ولأنَّ في شَرْطِ الجُعْلِ في رَدِّهِم حَثًّا على رَدِّ الأُبَّاقِ، وصِيَانةً لهم عن الرُّجُوعِ إلى دارِ الحَرْبِ، ورِدَّتِهِم عن دِينِهم، وتَقْوِيَةِ أهْلِ الحَرْبِ بهم، فيَنْبَغِى أن يكونَ مَشْرُوعًا لهذه المَصْلَحةِ. وبهذا فارَقَ رَدَّ الشّارِدِ، فإنَّه لا يُفْضِى إلى ذلك. والرِّوايةُ الأخرى أقْرَبُ إلى الصِّحَّةِ (24)؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الوُجُوبِ، والخَبَرُ المَرْوِيُّ في هذا مُرْسَلٌ، وفيه مَقَالٌ، ولم يَثْبُت الإِجْماعُ فيه ولا القِيَاسُ، فإنَّه لم يَثْبُت اعْتِبَارُ الشَّرْعِ لهذه المَصْلَحةِ المَذْكُورَةِ فيه، ولا تَحَقَّقَتْ أيضًا، فإنَّه ليس الظاهِرُ هَرَبَهُم إلى دارِ الحَرْبِ إلَّا في المَجْلُوبِ منها، إذا كانت قَرِيبَةً، وهذا بَعِيدٌ فيهم. فأمَّا على الرِّوَايةِ الأُولَى، فقد اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ في قَدْرِ الجُعْلِ، فَرُوِىَ عن أحمدَ أنَّه عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، أو دِينَارٌ، إن رَدَّه من المِصْرِ، وإن رَدَّه من خارِجِه، ففيه رِوَايَتانِ؛ إحداهما، يَلْزَمُه دِينارٌ، أو اثْنَى عَشْرَ دِرْهَمًا، لِلخَبَرِ المَرْوِىِّ فيه، ولأنَّ ذلك يُرْوَى عن عمرَ وعليٍّ (25) رضي الله عنهما. والثانية، له أرْبَعُونَ دِرْهَمًا إن رَدَّه من خارِجِ المِصْرِ. اخْتارَها الخَلَّالُ، وهو قولُ ابنِ مسعودٍ، وشُرَيْحٍ، فرَوَى أبو عمرو (26)
(23) أخرجه ابن أبي شيبة، في كتاب البيوع والأقضية. المصنف 6/ 540، 542، 543.
(24)
في م: "المصلحة".
(25)
سقط من: م.
(26)
في النسخ: "أبو عمر". وهو إسحاق بن مرار اللغوى الكوفى المتوفى سنة عشر ومائتين. العبر 1/ 358.
الشَّيْبانِىّ قال: قلتُ لعبدِ اللَّه بن مَسْعُودٍ: إنِّي أصَبْتُ عَبِيدًا أُبَّاقًا (27). فقال: لك أجْرٌ وغَنِيمَةٌ. فقلت: هذا الأجْرُ، فما الغَنِيمَةُ؟ قال: من كلِّ رَأْسٍ أرْبَعِينَ دِرْهَمًا (28). وقال أبو إسحاقَ (29): أعْطَيْتُ الجُعْلَ في زَمَنِ مُعَاوِيةَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. وهذا يَدُلُّ على أنَّه مُسْتَفِيضٌ في العَصْرِ الأوّلِ. قال الخَلَّالُ: حَدِيثُ ابن مَسْعُودٍ أصَحُّ إسْنادًا. ورُوِى عن عمرَ بن عبد العزيزِ، أنَّه قال: إذا وَجَدَه على مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ، فله ثلاثةُ دَنَانِيرَ. وقال أبو حنيفةَ: إن رَدَّه من مَسِيرَةِ ثَلَاثَة أيامٍ، فله أرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وإن كان من دون ذلك، يُرْضَخُ له على قَدْرِ المكان الذي تَعَنَّى (30) إليه. ولا فَرْقَ عند إمَامِنَا بين أن يَزِيدَ الجُعْلُ على قِيمَةِ العَبْدِ أو لا يَزِيدَ. وبهذا قال أبو يوسفَ ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان قَلِيلَ القِيمَةِ نَقَصَ الجُعْلَ عن (31) قِيمَتِه دِرْهَمًا، لئَلَّا يَفُوتَ عليه العَبْدُ جَمِيعُه. ولَنا، عُمُومُ الدَّلِيلِ، ولأنَّه جُعْلٌ يُسْتَحَقُّ في رَدِّ الآبِقِ، فاسْتَحَقَّه وإن زَادَ على قِيمَتِه، كما لو جَعَلَه له صاحِبُه، ويَسْتَحِقُّه إن ماتَ سَيِّدُه (32) في تَرِكَتِه. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال أبو يوسفَ: إن كان الذي رَدَّه من وَرَثَةِ المولى، سَقَطَ الجُعْلُ. ولَنا، أنَّ هذا عِوَضٌ عن عَمَلِه، فلا يَسْقُطُ بالمَوْتِ، كالأجْرِ في الإِجَارَةِ، وكما لو كان من غيرِ وَرَثَةِ المَوْلَى. إذا ثَبَتَ هذا، فلا فَرْقَ بين كَوْنِ مَنْ رَدَّه مَعْرُوفًا بِرَدِّ الأُبَّاقِ أو لم يكُنْ. وبهذا قال أصْحابُ الرَّأْىِ. وقال مالِكٌ: إن كان مَعْرُوفًا بذلك، اسْتَحَقَّ الجُعْلَ، وإلَّا فلا. ولنا الخَبَرُ، والأثَرُ المَذْكُورُ من غيرِ تَفْرِيقٍ، ولأنَّه رَدَّ آبِقًا، فاسْتَحَقَّ الجُعْلَ، كالمَعْرُوفِ بِرَدِّهِم.
(27) في م: "أبق".
(28)
أخرجه ابن أبي شيبة، في كتاب البيوع والأقضية. المصنف 6/ 541. وعبد الرزاق، في: باب الجعل في الآبق، من كتاب البيوع. المصنف 8/ 208.
(29)
لعله يعنى السبيعى عمرو بن عبد اللَّه. انظر ترجمته في التهذيب 8/ 63.
(30)
في الأصل: "يعني"، وفي م:"لمعنى".
(31)
في م: "من".
(32)
سقط من: م.