الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَمَّ حَوْلُ التَّعْرِيفِ مَلَكَها المُلْتَقِطُ. ويَحْتَمِلُ أن تُنْزَعَ من يَدِ الذِّمِّىِّ، وتُوضَعَ على يَدِ عَدْلٍ؛ لأنَّه غيرُ مَأْمُونٍ عليها.
فصل:
ويُسْتَحَبُّ لمن ليس بأَمِينٍ أن لا يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ؛ لأنَّه يُعَرِّضُ نَفْسَه للأمَانةِ، وليس هو من أهْلِها، فإن الْتَقَطَ صَحَّ الْتِقاطُه؛ لأنَّها جِهَةٌ من جِهَاتِ الكَسبِ، وهو من أهْلِ الكَسْبِ، ولأنَّه إذا صَحَّ الْتِقاطُ الكافِرِ، فالمُسْلِمُ أَوْلَى، فإذا الْتَقَطَها فعَرَّفَها حَوْلًا، مَلَكَها كالعَدْلِ. وإن عَلِمَ الحاكِمُ أو السُّلْطانُ بها، أقَرَّها في يَدِه، وضَمَّ إليه مُشْرِفًا يُشْرِفُ عليه، ويَتَوَلَّى تَعْرِيفَها، كما قلنا في الذِّمِّىِّ، لأنَّه لا نَأْمَنُه عليها. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافِعِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْه، وقال في الآخَر: يَنْزِعُها من يَدِه، ويَضَعُها في يَدِ عَدْلٍ. ولَنا، أنَّ مَنْ خُلِّىَ بينه وبين الوَدِيعَةِ، لم تَزُلْ يَدُه عن اللُّقَطَةِ، كالعَدْلِ، والحِفْظُ يَحْصُلُ بِضَمِّ المُشْرِفِ (15) إليه، وإن لم يُمْكِنِ المُشرِفُ حِفْظَها منه، انْتُزِعَتْ من يَدِه، وتُرِكَتْ في يَدِ عَدْلٍ، فإذا عَرَّفَها وتَمَّت السَّنَةُ، مَلَكَها مُلْتَقِطُها؛ لأنَّ سَبَبَ المِلْكِ وُجِدَ منه.
948 - مسألة؛ قال: (وَإذَا وَجَدَ الشَّاةَ بمِصْرٍ، أو بمَهْلَكَةٍ، فَهِىَ لُقَطَةٌ)
يعني أنَّه يُباحُ أخْذُها والْتِقَاطُها، وحُكْمُها إذا أخَذَها حُكْمُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، في التَّعْرِيفِ والمِلْكِ بعدَه. هذا الصَّحِيحُ من مذهبِ أحمدَ، وقولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ عبد البَرِّ: أجْمَعُوا (1) على أنَّ ضَالَّةَ الغَنَمِ في المَوْضِعِ المَخُوفِ عليها له أكْلُها، وكذلك الحُكْمُ في كل حَيَوانٍ لا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِه من صِغَارِ السِّباعِ، وهى الثَّعْلَبُ، وابنُ آوَى، والذِّئْبُ (2)، [وَوَلَدُ الأسَدِ](3) ونحوها. فما لا يَمْتَنِعُ منها، كفُصْلَانِ الإِبِلِ، وعُجُولِ البَقَرِ، وأَفْلاءِ (4) الخَيْلِ، والدَّجَاجِ، والإِوَزِّ ونحوها،
(15) في الأصل زيادة: "عليه".
(1)
في م: "أجمع".
(2)
في الأصل: "والدب".
(3)
في الأصل: "والأسد".
(4)
الفلو: ولد الفرس.
يجوزُ الْتِقَاطُه. ويُروَى عن أحمدَ رِوَايةٌ أخرى، ليس لغيرِ الإِمَامِ الْتِقَاطُها. وقال اللَّيْثُ بن سَعْدٍ: لا أُحِبُّ أن يَقْرَبَها، إلَّا أن يَحُوزَها (5) لِصَاحِبِها؛ لقولِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لَا يُؤْوِى الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ"(6). ولأنه حَيَوانٌ أشْبَه الإِبِلَ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لمَّا سُئِلَ عن الشَّاةِ:"خُذْهَا، فَإنَّمَا هِىَ لَكَ أوْ لِأخِيكَ أو لِلذِّئْبِ". مُتَّفَقٌ عليه (7). ولأنَّه يُخْشَى عليه التَّلَفُ والضَّيَاعُ، فأشْبَهَ لُقَطَةَ غير الحَيَوانِ، وحَدِيثُنا أخَصُّ من حَدِيِثهم، فنَخُصُّه به، والقِيَاسُ على الإِبِلِ لا يَصِحُّ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ مَنْعَ الْتِقَاطِها بأنَّ معها حِذَاءَها وسِقَاءَها، وهذا مَعْدُومٌ في الغَنَمِ، ثم قد فَرَّقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهما في خَبَرٍ واحدٍ، فلا يجوزُ الجَمْعُ بين ما فَرَّقَ الشارِعُ بينهما، ولا قِيَاسُ ما أمَرَ بالْتِقاطِه على ما مَنَعَ ذلك فيه (8). إذا ثَبَتَ هذا، فلا فَرْقَ بين أن يَجِدَها بمِصْرٍ أو بمَهْلَكَةٍ. وقال مالِكٌ، وأبو عُبَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ، في الشَّاةِ تُوجَدُ في الصَّحْراءِ: اذْبَحْها، وكُلْهَا. وفى المِصْرِ: ضُمَّها حتى يَجِدَها صاحِبُها؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "هِىَ لكَ أوْ لِأَخِيكَ أو لِلذِّئْبِ". والذِّئْبُ لا يكونُ في المِصْرِ. ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"خُذْهَا". ولم يُفَرِّقْ، ولم يَسْتَفْصِلْ، ولو افْتَرَقَ (9) الحالُ لَسَأَلَ واسْتَفْصَلَ (10)، ولأنَّها لُقَطَةٌ، فَاسْتَوَى فيها المِصْرُ والصَّحْراءُ، كسائِر اللُّقَطَاتِ. [وقولُهم: إن الذِّئْبَ لا يكونُ إلَّا في الصَّحْراءِ. قُلْنا: كونُها لِلذِّئْبِ في الصَّحْراءِ لا يَمْنَعُ] (11) كَوْنَها لغيرِه في المِصْرِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه متى عَرَّفَها حَوْلًا كامِلًا،
(5) في م: "يحرزها".
(6)
أخرجه مسلم، في: باب في لقطة الحاج، من كتاب اللقطة. صحيح مسلم 3/ 1351. وأبو داود، في: كتاب اللقطة: سنن أبي داود 1/ 399. والإِمام مالك، في: باب القضاء في الضوال، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 759. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 117.
(7)
تقدم تخريجه في صفحة 290.
(8)
في م: "منه".
(9)
سقط من: الأصل.
(10)
في م: "أو استفصل".
(11)
سقط من: الأصل.