الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الحَسَنِ. ورُوِى ذلك عن أبي يوسفَ أيضًا. ولَنا، أنَّ المَعْنَى الذي لأَجْلِه لَحِقَ بِاثْنَيْنِ، مَوْجُودٌ فيما زَادَ عليه، فَيُقاسُ عليه، وإذا جازَ أن يُخْلَقَ (57) من اثْنَيْنِ، جازَ أن يُخْلَقَ (57) من أكْثَرَ من ذلك. وقولُهم: إن إلْحاقَه بالاثْنَيْنِ على خِلَافِ الأَصْلِ. مَمْنُوعٌ، وإن سَلَّمْنَاهُ، لكنَّه ثَبَتَ لِمَعْنًى مَوْجودٍ في غيرِه، فيَجِبُ تَعْدِيَةُ الحُكْمِ به، كما أنَّ إباحَةَ أكْلِ المَيْتَةِ عند المَخْمَصَةِ أُبِيحَ على خِلَافِ الأصْلِ، لا يَمْنَعُ من أن يُقَاسَ على ذلك مالُ غيرِه، والصَّيْدُ الحَرَمِىُّ، وغيرُهما من المُحَرَّماتِ، لِوُجُودِ المعْنَى، وهو إبْقاءُ النَّفْسِ، وتَخْلِيصُها من الهَلَاكِ. وأمَّا قولُ مَن قال: إنَّه يجوزُ إلْحاقُه بثَلَاثةٍ، ولا يُزَادُ على ذلك، فتَحَكُّمٌ، فإنَّه لم يَقْتَصِرْ على المَنْصُوصِ عليه، ولا عَدَّى الحُكْمَ إلى كلِّ ما وُجِدَ فيه المَعْنَى، ولا نَعْلَمُ في الثَّلَاثةِ مَعْنًى خاصًّا يَقْتَضِى إلْحاقَ النَّسَبِ بهم، فلم يَجُز الاقْتِصارُ عليه بالتَّحَكُّمِ.
فصل:
وإذا لم تُوجَدْ قافَةٌ، أو أَشْكَلَ الأَمْرُ عليها، أو تَعَارَضَتْ أقْوَالُها، أو وُجِدَ مَن لا يُوثَق بقَوْلِه، لم يُرَجَّحْ أحَدُهُما بِذِكْرِ عَلَامةٍ في جَسَدِه؛ لأنَّ ذلك لا يُرَجَّحُ به في سائِر الدَّعاوى، سِوَى الالْتِقَاظِ في المالِ واللَّقِيط، ويَضِيعُ نَسَبُه. هذا قولُ أبى بكرٍ. وقد أوْمَأَ (58) أحمدُ، رحمه الله، في رَجُلَيْنِ وَقَعَا على امْرَأةٍ في طُهْرٍ واحدٍ، إلى أنَّ الابْنَ يُخَيَّرُ أيَّهما أحَبَّ. وهو قولُ أبى عبدِ اللَّه ابن حامِدٍ، قال: يُتْرَكُ حتى يَبْلُغَ، فيَنْتَسِبُ إلى مَنْ أحَبَّ منهما. وهو قولُ الشافِعِىِّ الجَدِيدُ، وقال في القَدِيمِ: حتى يُمَيّزَ؛ لقولِ عمرَ: وَالِ أيَّهما شِئْتَ. ولأن الإِنْسانَ يَمِيلُ بِطَبْعِه (59) إلى قَرِيبِه دُونَ غيرِه، ولأنَّه مَجْهُولٌ نَسَبُه، أقرَّ به مَنْ هو من أهْلِ الإِقْرَارِ، وصَدَّقَهُ المُقَرُّ له، فيَثْبُتُ نَسَبُه، كما لو انْفَرَدَ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: يُلْحَقُ بالمُدَّعِيَيْنِ بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما لو انْفَرَدَ سُمِعَتْ دَعْواهُ، فإذا اجْتَمَعا، وأمْكَنَ العَمَلُ بهما، وَجَبَ، كما لو أقَرَّ
(57) في م: "يلحق".
(58)
في م زيادة: "إليه".
(59)
في الأصل: "طبعه".
له بمالٍ. ولَنا، أنَّ دَعْوَاهُما تَعَارَضَتَا، ولا حُجَّةَ لواحدٍ منهما، فلم تَثْبُتْ، كما لو ادَّعَيَا رِقَّهُ. وقولُهم: يَمِيلُ بِطَبْعِه (60) إلى قَرَابَتِه. قُلْنا: إنَّما يَمِيلُ إلى قَرَابَتِه بعدَ مَعْرِفَتِه بأنَّها قَرَابَتُه، فالمَعْرِفَةُ بذلك سَبَبُ المَيْلِ، [فلا يثبُتُ](61) قبلَه، ولو ثَبَتَ أنَّه يَمِيلُ إلى قَرَابَتِه، لكنَّه قد يَمِيلُ إلى مَن أحْسَنَ إليه، فإن القُلُوبَ جُبِلَتْ على حُبِّ مَنْ أحْسَنَ إليها، وبُغْضِ مَنْ أسَاءَ إليها، وقد يَمِيلُ إليه لإِسَاءةِ الآخَر إليه، وقد يَمِيلُ إلى أَحْسَنِهِما خُلُقًا أو أعْظَمِهما قَدْرًا أو جَاهًا أو مالًا، فلا يَبْقَى لِلْمَيْلِ أثَرٌ في الدَّلَالَةِ على النَّسَبِ. وقولُهم: إنَّه صَدَّقَ المُقِرَّ بِنَسَبِه. قُلْنا: لا يَحِلُّ له تَصدِيقُه، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ من ادَّعَى إلى غير أبيه، أو تَوَلَّى غيرَ مَوَالِيه (62). وهذا لا يَعْلَمُ أنَّه أبُوه، فلا يَأْمَنُ أن يكونَ مَلْعُونًا بِتَصْدِيقِه، ويُفَارِقُ ما إذا انْفَرَدَ، فإنَّ المُنْفَرِدَ يثْبُتُ (63) النَّسَبُ بقَوْلِه من غيرِ تَصْدِيقٍ. وأمَّا قولُ عمرَ: وَالِ أيَّهما (64) شِئْتَ. فلم يَثبُتْ، ولو ثَبَتَ لم يكُنْ فيه حُجَّةٌ؛ فإنَّه إنَّما أمَرَه بالمُوَلَاةِ، لا بالانْتِسَابِ. وعلى قولِ من جَعَلَ له الانْتِسابَ إلى أحَدِهِما، لو انْتَسَبَ إلى أحَدِهِما، ثم عادَ وانْتَسَبَ إلى الآخَر، ونَفَى (65) نَسَبَه من الأَوّل، أو لم يَنْتَسِبْ إلى أحدٍ (66)، لم يُقْبَلْ منه؛ لأنَّه قد ثَبَتَ نَسَبُه، فلا يُقْبَلُ رُجُوعُه عنه، كما لو ادَّعَى مُنْفَرِدٌ نَسَبَه ثم أنْكَرَه، ويُفَارِقُ الصَّبِىَّ الذي يُخَيَّرُ بين أبَويْهِ، فيَخْتَارُ أحَدَهُما، ثم يَرُدُّ إلى (67) الآخَرِ، إذا اخْتَارَه، فإنَّه لا حُكْمَ لقولِ الصَّبِىِّ، وإنَّما تَبِعَ اخْتِيَارَه وشَهْوَتَه، فأشْبَهَ ما لو اشْتَهَى طَعَامًا في يَوْمٍ، ثم اشْتَهَى غيرَه في يومٍ
(60) في الأصل: "طبعه".
(61)
في م: "ولا سبب".
(62)
أخرجه ابن ماجه، في: باب من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 870.
(63)
في م: "ثبت".
(64)
في م: "من".
(65)
في الأصل: "أو نفى".
(66)
في م: "واحد".
(67)
سقط من: الأصل.