الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَنْفَعَةِ، واللَّه سُبْحانَه قد سَوَّى بينهما في المِيرَاثِ. ولأنَّه لو رَجَعَ بنِصْفِ أجْرِ النِّصْفِ الذي انْتَقَضَتِ الإِجَارةُ فيه، لَوَجَبَ أن يَرْجِعَ أخُوه بِنِصْفِ المَنْفَعةِ التي انْتَقَضَتِ الإِجَارَةُ فيها، إذْ لا يُمْكِنُ أن يُجْمَعَ له بين المَنْفَعةِ وَأخْذِ عِوَضِها من غيرِه.
فصل:
وإن اشْتَرَى المُسْتَأْجِرُ العَيْنَ، ثم وَجَدَها مَعِيبةً، فرَدَّها، فإن قُلْنا: لا تَنْفَسِخُ الإِجارةُ بالبَيْعِ. فهى باقِيةٌ بعد رَدِّ العَيْنِ كما كانتْ قبلَ البَيْعِ. وإن قُلْنا: قد انْفَسَخَتْ. فالحُكْمُ فيها كما لو انْفَسَخَتْ بِتَلَفِ العَيْنِ. وإن كان المُشْتَرِى أجْنَبِيًّا، فرَدَّ المُسْتَأْجِرُ الإِجَارَةَ لِعَيْبٍ، فيَنْبَغِى أن تَعُودَ المَنْفَعهُ إلى البائِعِ؛ لأنَّه يَسْتَحِقُّ عِوَضَها على المُسْتَأْجِرِ، فإذا سَقَطَ العِوَضُ، عادَ إليه المُعَوّضُ. ولأنَّ المُشْتَرِىَ مَلَكَ العَيْنَ مَسْلُوبةَ المَنفَعةِ، مُدّةَ الإِجَارَةِ، فلا يَرْجِعُ إليه، ما لم يَمْلِكْهُ. وقال بعضُ أصْحابِ الشّافِعِيِّ: يَرجِعُ إلى (25) المُشْتَرِى؛ لأنَّ المَنْفَعةَ تابِعَةٌ لِلرَّقَبةِ، وإنَّما اسْتُحِقَّتْ بِعَقْدِ الإِجَارَةِ، فإذا زالتْ عادَتْ إليه، كما لو اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجةً، فطَلَّقَها (26) الزَّوْجُ. ولا يَصِحُّ هذا القِيَاسُ؛ فإنَّ مَنْفَعَةَ البُضْعِ قد اسْتَقَرَّ عِوَضُها للبائِعِ بمُجَرَّدِ دُخُولِ الزَّوْجِ بها، ولا يَنْقَسِمُ العِوَضُ على المُدَّةِ، ولهذا لا يَرْجِعُ الزَّوجُ بشيءٍ من الصَّدَاقِ فيما إذا انْفَسَخَ النِّكَاحُ، أو وَقَعَ الطَّلَاقُ، بخِلَافِ الأجْرِ في الإِجَارَةِ؛ فإنَّ المُؤْجِرَ يَسْتَحِقُّ الأجْرَ في مُقَابَلَةِ المَنْفَعةِ مَقْسُومًا على مُدَّتِها، فإذا كان له عِوَضُ المَنْفَعةِ المُسْتَقْبَلَةِ، فزَالَ بالفَسْخِ، رَجَعَ إليه مُعَوّضُها، وهو المَنْفَعةُ. ولأنَّ مَنْفَعةَ البُضْعِ لا يجوزُ أن تُمْلَكَ بغير مِلْكِ الرَّقَبةِ أو النِّكاحِ، فلو رَجَعَتْ إلى البائعِ، لَمُلِكَتْ بغيرِهِما. ولأنَّها ممَّا لا يجوزُ لِلزَّوْجِ نَقلُها إلى غيرِه، ولا المُعَاوَضَةُ عنها، ومَنْفَعةُ البَدَنِ بخِلَافِها.
فصل: وإذا وَقَعَتِ الإِجارَةُ على عَيْنٍ، مثل أن يَسْتَأْجِرَ عَبدًا لِلْخِدْمةِ، أو لرِعَايةِ الغَنَمِ، أو جَمَلًا لِلْحَمْلِ أو لِلرُّكُوبِ، فتَلِفَتْ، انْفَسَخَ العَقْدُ بِتَلَفِها. وإن خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً، تَبَيَّنّا أن العَقْدَ باطِلٌ. وإن وَجَدَ بها عَيْبًا فرَدَّها، انْفَسَخَ العَقْدُ، ولم يَمْلِكْ
(25) سقط من: الأصل.
(26)
في الأصل: "ثم طلقها".
إبْدَالَها؛ لأنَّ العَقْدَ على مُعَيَّنٍ، فثَبَتَتْ هذه الأحْكامُ، كما لو اشْتَرَى عَيْنًا. وإن وَقَعَتْ على عَيْنٍ مَوْصُوفةٍ في الذِّمَّةِ، انْعَكَسَتْ هذه الأحْكَامُ، فمتى سَلَّمَ إليه (27) عَيْنًا فتَلِفَتْ، لم تَنْفَسِخ الإِجَارةُ، ولَزِمَ المُؤْجِرَ إبْدالُها. وإن خَرَجَتْ مَغْصُوبةً، لم يَبْطُل العَقْدُ، ولَزِمَهُ بَدَلُها. وإن وَجَدَ بها عَيْبًا فرَدَّها، فكذلك؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه غيرُ هذه العَيْنِ، وهذه بَدَلٌ عنه، فلم يُؤَثِّرْ تَلَفُها، ولا غَصْبُها، ولا رَدُّها بِعَيْبٍ، في إبْطالِ العَقْدِ، كما لو اشْتَرَى بثَمَنٍ في الذِّمّةِ، على ما قُرِّرَ في مَوْضِعِه. فإن قِيلَ: فقد قلْتُم في (28) من اكْتَرَى جَمَلًا لِيَرْكَبَه، جازَ أن يَرْكَبَه مَنْ هو مِثْلُه. ولو اكْتَرَى أرْضًا لِزَرْعِ شيءٍ بِعَيْنِه، جازَ له زَرْعُ ما هو مِثْلُه (29) أو دُونَه في الضَّرَرِ، فلِمَ قُلْتُم: إذا اكْتَرَى جَمَلًا بِعَيْنِه لا يجوزُ أن يُبْدِلَه؟ قُلْنا: لأنَّ المَعْقُودَ عليه (30) مَنْفَعةُ العَيْنِ، فلم يَجُزْ أن يَدْفَعَ إليه غيرَ المَعْقُودِ عليه، كما لو اشْتَرَى عَيْنًا، [لا يَجُوزُ](31) أن يَأْخُذَ غيرَها. والرّاكِبُ غيرُ مَعْقُودٍ عليه، إنَّما هو مُسْتَوْفٍ لِلْمَنْفَعةِ، وإنما تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُه [لِتُقَدَّر به](32) المَنْفَعةُ (30)، لا لِكَوْنِه مَعْقودًا عليه. وكذلك الزَّرْعُ في الأرْضِ، فإنّما يُعَيَّنُ لِيُعْرَفَ به قَدْرُ المَنْفَعةِ المُسْتَوْفاةِ، فيَجوزُ الاسْتِيفاءُ بغيرِها، كما لو وَكَّلَ المُشْتَرِى غيرَه في اسْتِيفاءِ المَبِيعِ، ألا تَرَى أنَّه لو تَلِفَ البَعِيرُ أو الأرْضُ، انْفَسَخَتِ الإِجَارةُ، ولو ماتَ الرَّاكِبُ، أو تَلِفَ البَذْرُ، لم تَنْفَسِخِ الإِجَارةُ، وجازَ أن يَقُومَ غيرُه مَقَامَه، فافْتَرَقَا.
(27) في ب: "إليها".
(28)
سقط من: م.
(29)
سقط من: الأصل.
(30)
سقط من: ب.
(31)
في ب: "لم يجز".
(32)
في م: "لتقدير".