الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَطِيَّتِه. وبهذا عَلَّلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين قال: "أَيَسُرُّكَ أنْ يَسْتَوُوا فِى بِرِّكَ؟ " قال: نعم. قال: "فَسَوِّ بَيْنَهُمْ". ولم يُوجَدْ هذا في غيرِهم، ولأنَّ لِلْوَالِدِ الرُّجُوعَ [فيما أعْطَى](21) وَلَدَه، فيُمْكِنُه أن يُسَوِّىَ بينهم باسْتِرْجاعِ ما أعْطَاهُ لبعضِهم، ولا يُمْكِنُ ذلك في غيرِهم، ولأنَّ الأوْلادَ لِشِدَّةِ مَحَبَّةِ الوالِدِ لهم، وصَرْفِ مالِه إليهم عادَةً، يَتنَافَسُونَ في ذلك، ويَشْتَدُّ عليهم تَفْضِيلُ بعضِهم، ولا يُبَارِيهِم في ذلك غيرُهم، فلا يَصِحُّ قِيَاسُه عليهم، ولا نَصَّ في غيرِهم، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد عَلِمَ لِبَشِيرٍ زَوْجةً، ولم يَأْمُرْه بإعْطَائِها شيئا حين أمَرَه بالتَّسْوِيةِ بين أوْلادِه، ولم يَسأَلْهُ هل لك وارِثٌ غيرَ وَلَدِكَ؟
فصل:
والأُمُّ في المَنْعِ من المُفَاضَلَةِ بين الأوْلادِ كالأبِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللَّه، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أوْلَادِكُمْ". ولأنَّها أحَدُ الوَالِدَيْنِ، فمُنِعَتْ التَّفْضِيلَ (22) كالأَبِ، ولأنَّ ما يَحْصُلُ بِتَخْصِيصِ الأبِ بعضَ وَلَدِه من الحَسَدِ والعَدَاوَةِ، يُوجَدُ مثلُه في تَخْصِيصِ الأُمِّ بعضَ وَلَدِها، [فَثَبتَ لها](23) مثلُ حُكْمِه في ذلك.
فصل: وقول الخِرَقِيِّ: "أُمِرَ بِرَدِّهِ". يَدُلُّ على أنَّ للأَبِ الرُّجُوعَ فيما وَهَبَ لِوَلَدِه. وهو ظاهِرُ مذهبِ أحمدَ، سواءٌ قَصَدَ بِرُجُوعِه التَّسْوِيَةَ بين الأَوْلادِ أو لم يُرِدْ، وهذا مذهبُ مالِكٍ، والأَوْزَاعِيِّ، والشافِعيِّ، وإسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ. وعن أحمدَ، رِوَايةٌ أخرى: ليس له الرُّجُوعُ فيها. وبها قال أصْحابُ الرَّأْىِ، والثَّوْريُّ، والعَنْبَرِيُّ"؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"العائِدُ في هِبَتِهِ، كَالْعَائِدِ في قَيْئِهِ"(24). مُتَّفَقٌ عليه، وعن عمرَ بن الخَطّابِ رضي الله عنه، قال: مَنْ (25) وَهَبَ هِبَةً يَرَى أنَّه أرادَ بها صِلَةَ رَحِمٍ، أو على وَجْهِ صَدَقَةٍ، فإنَّه لا يَرْجِعُ فيها، ومن وَهَبَ هِبَةً أرَادَ بها الثَّوَابَ، فهو على هِبَتِه،
(21) في م: "في عطية".
(22)
في م: "بالتفضيل".
(23)
في الأصل: "فيثبت فيها".
(24)
تقدم تخريجه في: 4/ 104.
(25)
في الأصل: "في من".