الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحِبُهما لغيرِ مالِكِ الأرْضِ، جازَ، ومُشْتَرِيهما يَقُومُ فيهما مَقَامَ البائِعِ. وقال أصْحابُ الشافِعِيِّ، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ: ليس له بَيْعُهما لغيرِ مالِكِ الأرْضِ؛ لأنَّ مِلْكَهُ (58) ضَعِيفٌ، بِدَلِيلِ أن لِصَاحِبِ الأرْضِ تَمَلُّكَهُ عليه بالقِيمَةِ من غيرِ إذْنِه. ولَنا، أنَّه مَمْلُوكٌ له، يجوزُ بَيْعُه لمالِكِ الأَرْضِ، فجازَ لغيرِه، كشِقْصٍ مَشْفُوعٍ، وبهذا يَبْطُل ما ذَكَرُوه؛ فإنَّ لِلشَّفِيعِ تَمَلُّكَ الشِّقْصِ وشِرَاءَهُ، ويجوزُ بَيْعُه لغيرِه. فأمَّا إن شَرَطَ في العَقْدِ تَبْقِيةَ الغِرَاسِ، فذكَرَ القاضي أنَّه صَحِيحٌ، وحُكْمُه حُكْمُ ما لو أطْلَقَ العَقْدَ سواءً. وهو قولُ أصْحابِ الشافِعِيِّ. ويَحْتَمِلُ أن يَبْطُلَ العَقْدُ؛ لأنَّه شَرَطَ ما يُنَافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطَ ذلك في الزَّرْعِ الذي لا يَكْمُلُ قبلَ انْقِضاءِ المُدّةِ، ولأنَّ الشَّرْطَ باطِلٌ، بِدَلِيلِ أنَّه لا يَجِبُ الوَفَاءُ به، وهو مُؤَثِّرٌ، فأبْطَلَه، كشَرْطِ تَبْقِيةِ الزَّرْعِ بعدَ مُدَّةِ الإِجَارَةِ.
900 - مسألة؛ قال: (ويَجُوزُ أنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وكُسْوَتِهِ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوَايةُ عن أحمدَ، في مَن اسْتَأْجَرَ أجِيرًا بطَعَامِه وكُسْوَتِه، أو جَعَلَ له أجْرًا، وشَرَطَ طَعَامَه وكُسْوَتَه، فرُوِىَ عنه (1) جَوَازُ ذلك. وهو مذهبُ مالِكٍ، وإسحاقَ. ورُوِى عن أبي بَكرٍ، وعمرَ، وأبي موسى، رَضِىَ اللَّه عنهم، أنَّهم اسْتَأْجَرُوا الأُجَراءَ بِطَعَامِهِم وكُسْوَتِهِم. ورُوِىَ عنه أنَّ ذلك جائِزٌ في الظِّئْرِ (2)[دونَ غيرِها. اخْتارَها القاضِي. وهذا مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّ ذلك مَجْهُولٌ؛ وإنَّما جازَ في الظِّئْرِ](3)، لقولِ اللَّه تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (4). فأوْجَبَ لهُنَّ النَّفَقَةَ والكُسْوَةَ على الرَّضَاعِ، ولم يُفَرِّقْ بين
(58) في ب، م:"مالكه".
(1)
سقط من: الأصل، ب.
(2)
الظئر: المرضعة.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سورة البقرة 233.
المُطَلَّقةِ وغيرِها، بل في الآيةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ على طَلَاقِها (5)؛ لأنَّ الزَّوْجَةَ تَجِبُ نَفَقَتُها وكُسْوَتُها بالزَّوْجِيَّةِ وإن لم تُرْضِعْ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (6). والوارِثُ ليس بِزَوْجٍ، ولأنَّ المَنْفَعةَ في الحَضَانةِ والرَّضَاعِ غيرُ مَعْلُومةٍ، فجازَ أن يكونَ عِوَضُها كذلك. ورُوِىَ عنه رِوَايةٌ ثالِثةٌ: لا يجوزُ ذلك بحالٍ، لا في الظِّئْرِ ولا في غيرِها. وبه قال الشافِعِيُّ وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّ ذلك يَخْتَلِفُ اخْتِلافًا كَثِيرًا مُتَبَايِنًا، فيكونُ مَجْهُولًا، والأجْرُ من شَرْطِه أن يكونَ مَعْلُومًا. ولَنا: ما رَوَى ابنُ مَاجَه، عن عُتْبَةَ بن النُّدَّرِ، قال: كُنَّا عندَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ {طس} حتى بَلَغَ قِصّةَ مُوسَى، قال:"إنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَهُ ثَمَانِىَ سِنِينَ (7) أوْ عَشْرًا، على عِفَّةِ فَرْجِه، وطَعَامِ بَطْنِهِ"(8). وشَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شَرْعٌ لنا، ما لم يَثْبُتْ نَسْخُه. وعن أبي هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: كنتُ أجِيرًا لِابْنَةِ غزْوَانَ بِطَعَامِ بَطْنِي، وعُقْبَةِ رِجلِي (9)، أحْطِبُ لهم إذا نَزَلُوا، وأَحْدُوا بهم إذا رَكِبُوا (10). ولأنَّ مَنْ ذَكَرْنا من الصَّحَابةِ وغيرِهم (11) فَعَلُوه، فلم يَظْهَرْ له نَكِيرٌ، فكان إجْماعًا، ولأنَّه قد ثَبَتَ في الظِّئْرِ بالآيةِ، فيَثْبُتُ في غيرِها بالقِيَاسِ عليها، ولأنَّه عِوَضُ مَنْفَعةٍ، فقَامَ العُرْفُ فيه مَقَامَ التَّسْمِيَةِ، كنَفَقَةِ الزَّوْجةِ، ولأنَّ [لِلْكُسْوةِ عُرْفًا](12)، وهى كُسْوةُ الزَّوْجاتِ، ولِلإِطْعامِ عُرْفٌ، وهو الإِطْعَامُ في الكَفّاراتِ، فجازَ إطْلَاقُه، كَنَقْدِ البَلَدِ. ونَخُصُّ أبا حَنِيفةَ بِأنَّ ما كان عِوَضًا في الرَّضَاعِ، جازَ في الخِدْمَةِ، كالأثْمانِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّهما إن تَشَاحَّا في مِقْدَارِ الطَّعامِ والكُسْوةِ، رَجَعَ في
(5) في ب: "فراقها".
(6)
سورة البقرة 233.
(7)
في م: "حجج".
(8)
تقدم تخريجه في صفحة 5.
(9)
أي للنوبة من الركوب.
(10)
أخرجه بن ماجه، في: باب إجارة الأجير على طعام بطنه، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 817.
(11)
سقط من: الأصل، ب.
(12)
في الأصل: "الكسوة".