الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولِ أصْحابِنا صِحَّةُ العَقْدِ، وبُطْلانُ الشَّرْطِ، [فإنَّ القاضِىَ](7) قال في مَن شَرَطَ أن يَزْرَعَ في الأرْضِ حِنْطةً، ولا يَزْرَعَ غيرَها: يَبْطُلُ الشَّرْطُ، ويَصِحُّ العَقْدُ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِحَّ الشَّرْطُ. وهذا أحدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحابِ الشافِعِيِ؛ لأنَّ المُسْتَأْجِرَ يَمْلِكُ المنَافِعَ من جِهَةِ المُؤْجِرِ، فلا يَمْلِكُ ما لم يَرْضَ به، ولأنَّه قد يكونُ له غَرَضٌ في تَخْصِيصِه باسْتِيفاءِ هذه المَنْفَعةِ. وقالوا في الوَجْهِ الآخَر: يَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لأنَّه يُنَافِى مُوجِبَ العَقْدِ، إذ مُوجِبُه مِلْكُ المَنْفَعةِ، والتَّسَلُّطُ على اسْتِيفائِها بِنَفْسِه وبِنَائِبِه، واسْتِيفاءُ بعضِها بِنَفْسِه، وبعضِها بِنَائِبِه، والشَّرْطُ يُنَافِى ذلك، فكان باطِلًا. وهل يُبْطِلُ به العَقْدَ؟ فيه وَجْهانِ؛ أصَحُّهُما، لا يُبْطِلُه؛ لأنَّه لا يُؤَثِّرُ في حَقِّ المُؤْجِرِ نَفْعًا ولا ضَرًّا، فأُلْغِىَ، وبَقِىَ العَقْدُ على مُقْتَضَاه. والآخَرُ يُبْطِلُه؛ لأنَّه يُنَافِى مُقْتَضَاه، فأشْبَهَ ما لو شَرَطَ أن لا يَسْتَوْفِىَ المَنافِعَ.
فصل:
ويجوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أن يُؤْجِرَ العَيْنَ المُسْتَأْجَرَةَ إذا قَبَضَها. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، وابنِ سِيرِينَ، ومُجاهدٍ، وعِكْرِمَةَ، وأبى سَلَمةَ (8) بن عبد الرحمنِ، والنَّخَعِيِّ، والشَّعْبِيِّ، والثَّوْرِيِّ، والشافِعِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْى. وذَكَرَ القاضي فيه رِوَايةً أخرى، أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن رِبْحِ ما لم يُضْمَنْ (9). والمَنَافِعُ لم تَدْخُلْ في ضَمَانِه. [ولأنَّه عَقَدَ على ما لم يَدْخُلْ في ضَمَانِه](10)، فلم يَجُزْ، كبَيْعِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ قبلَ قَبْضِه. والأولُ أصَحُّ؛ لأنَّ قَبْضَ العَيْنِ قامَ مَقَامَ قَبْضِ المَنافِعِ، بِدَلِيلِ أنَّه يجوزُ التَّصَرُّفُ فيها، فجازَ العَقْدُ عليها، كبَيْعِ الثّمرَةِ على الشَّجَرةِ. ويَبْطُلُ قِيَاسُ الرِّوَايةِ الأخْرَى بِهذا (11) الأصْلِ. إذا ثَبَتَ
(7) في الأصل، م:"فإنه".
(8)
في م: "وأبى سليمان". خطأ.
(9)
تقدم تخريجه في: 6/ 334.
(10)
سقط من: الأصل.
(11)
في ب، م:"لهذا".
هذا (12) فإنَّه لا تَجوزُ إجَارَتُه إلَّا لمن (13) يَقُومُ مَقَامَه، أو دُونَه في الضَّرَرِ؛ لما تَقَدَّمَ. فأما إجَارَتُها (14) قبلَ قَبْضِها، فلا تجوزُ من غيرِ المُؤْجِرِ، في أحدِ الوَجْهَيْنِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والمَشْهُورُ من قَوْلَىِ الشافِعِيِّ؛ لأنَّ المَنافِعَ مَمْلُوكةٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضةٍ، فاعْتُبِرَ في جَوَازِ العَقْدِ عليها القَبْضُ، كالأعْيانِ. والآخَرُ، يَجوزُ، وهو قولُ بعضِ الشافِعِيّةِ؛ لأنَّ قَبْضَ العَيْنِ لا يَنْتَقِلُ به الضَّمَانُ إليه، فلم يَقِفْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ عليه. فأمَّا إجَارَتُها قبلَ القَبْضِ من المُؤْجِرِ، فإذا قُلْنا: لا يجوزُ من غير المُؤْجِرِ. كان فيها ههُنا وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يجوزُ؛ لأنَّه عَقَدَ عليها قبلَ قَبْضِها. والثاني، يجوزُ؛ لأنَّ القَبْضَ لا يَتَعَذَّرُ عليه، بخِلَافِ الأجْنَبِيِّ. وأصْلُهُما بَيْعُ الطَّعامِ قبلَ قَبْضِه لا يَصِحُّ من غير بائِعِه، رِوَايةً واحِدَةً، وهل يَصِحُّ من بائِعِه؟ على رِوَايَتَيْنِ. فأمَّا إجَارَتُها بعد قَبْضِها من المُؤْجِرِ، فجائِزةٌ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ؛ لأنَّ ذلك يُؤَدِّى إلى تَنَاقُضِ الأحْكامِ، لأنَّ التَّسْلِيمَ مُسْتَحَقٌّ على [الكِرَاءِ، فإذا](15) اكْتَرَاها صارَ مُسْتَحِقًّا له، فيَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لما يُسْتَحَقُّ عليه، وهذا تَناقُضٌ. ولَنا، أنَّ كلَّ عَقْدٍ جازَ مع غير العاقِدِ، جازَ مع العاقِدِ، كالبَيْعِ، وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ التَّسْلِيمَ قد حَصَلَ، وهذا المُسْتَحقُّ له تَسْلِيمٌ آخَر. ثم يَبْطُلُ بالبَيْعِ، فإنَّه يسْتَحقُّ عليه تَسْلِيمُ العَيْنِ، فإذا اشْتَرَاها اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَها. فإن قيل: التَّسْلِيمُ ههُنا مُسْتَحقٌ في جَمِيعِ المُدّةِ، بخِلَافِ البَيْعِ. قُلْنا: المُسْتَحقُّ تَسْلِيمُ العَيْنِ، وقد حَصَلَ، وليس عليه (16) تَسْلِيمٌ آخَرُ، غيرَ أنَّ العَيْنَ مِن ضَمَانِ المُؤْجِرِ، فإذا تَعَذَّرَتِ المَنافِعُ بِتَلَفِ الدّارِ أو غَصْبِها (17)، رَجَعَ عليه؛ لأنَّها تَعَذَّرَتْ بِسَبَبٍ كان في ضَمانِه.
(12) سقط من: م.
(13)
في ب: "أن".
(14)
في الأصل: "إجارته بها".
(15)
في الأصل: "المكترى فأما إذا".
(16)
في ب: "له".
(17)
في ب، م:"وغصبها".