الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَمَالِيكِه: لا يَصِحُّ الوَقْفُ حتى يَعْتِقَهُم. وذلك لأنَّ الوَقْفَ تَمْلِيكٌ، فلا يَصِحُّ على مَن لا يَمْلِكُ. فإن قيل: قد جَوَّزْتُم الوَقْفَ على المسَاجدِ والسِّقَاياتِ وأشْباهِها، وهى لا تَمْلِكُ. قُلْنا: الوَقْفُ هناك على المُسْلِمِينَ، إلَّا أنَّه عُيِّنَ في نَفْعٍ خاصٍّ لهم. فإن قيل: فيَنْبَغِى أن يَصِحَّ الوَقْفُ على الكَنائِسِ، ويكونُ الوَقْفُ على أهْلِ الذِّمّةِ. قُلْنا: الجِهَة التي عُيِّنَ صَرْفُ الوَقْفِ فيها ليست نَفْعًا، بل هي مَعْصِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ، يُزَادُونَ (3) بها عِقَابًا وإثْمًا، بخِلَافِ المسَاجِد. ولا يَصِحُّ الوَقْفُ على العَبْدِ، وإن قُلْنا: إنّه يَمْلِكُ بالتَّملِيكِ؛ لأنَّ الوَقْفَ يَقْتَضِى تَحْبِيسَ الأصْلٍ، والعَبْدُ لا يَمْلِكُ مِلْكًا لازِمًا. ولا يَصِحُّ الوَقْفُ على المُكَاتَبِ، وإن كان يَمْلِكُ؛ لأنَّ مِلْكَهُ غيرُ مُسْتَقِرٍّ. ولا على مُرْتَدٍّ، ولا على (4) حَربِيٍّ؛ لأنَّ أَمْوَالَهُم مُبَاحَةٌ في الأصْلِ، ويجوزُ أخْذُها منهم بالقَهْرِ والغلَبةِ، فما يَتَجَدَّدُ لهم أَوْلَى، والوَقْفُ لا يجوزُ أن يكونَ مُبَاحَ الأخْذِ؛ لأنَّه تَحْبِيسُ الأصْلِ.
فصل:
ويَصِحُّ الوَقْفُ على أهْلِ الذِّمَّةِ؛ لأنَّهم يَملِكُونَ مِلْكًا مُحْتَرَمًا، ويجوزُ أن يتَصَدَّقَ عليهم، فجازَ الوَقْفُ عليهم، كالمُسْلِمِينَ. ويجوزُ أن يَقِفَ المُسْلِمُ عليه، لما رُوِىَ أنَّ صَفِيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَفَتْ على أخٍ لها يَهُودِيٍّ (5)، ولأنَّ مَن جازَ أن يَقِفَ الذِّمِّيُّ عليه، جاز أن يَقِفَ عليه المُسْلِمُ، كالمُسْلِمِ. ولو وَقَفَ على من يَنْزِلُ كَنَائِسَهم وبِيَعَهُم من المارَّةِ والمُجْتازِينَ، صَحَّ أيضًا؛ لأنَّ الوَقْفَ عليهم، لا على المَوْضِعِ.
فصل: ويَنْظُرُ في الوَقْفِ مَنْ شَرَطَهُ الوَاقِفُ؛ لأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه جَعَلَ وَقْفَه إلى حَفْصَةَ تَلِيه ما عاشَتْ، ثم إلى ذَوِى الرَّأْى من أهْلِها (6). ولأنَّ مَصْرِفَ الوَقْفِ يُتْبعُ
(3) في الأصل: "يزدادون".
(4)
سقط من: م.
(5)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب عطية المسلم الكافر ووصيته له، من كتاب أهل الكتاب. وفي: باب الميراث لا يقسم حتى يسلم، من كتاب أهل الكتابين. المصنف 6/ 33، 10/ 349. وسعيد، في: باب وصية الصبى، من كتاب الوصايا. السنن 1/ 128. والبيهقي، في: باب الوصية للكفار، من كتاب الوصايا. السنن الكبرى 6/ 281.
(6)
تقدم تخريجه في صفحة 184.
فيه شَرْطُ الواقِفِ، فكذلك النَّاظِرُ فيه. فإن جَعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِه جازَ، وإن جَعَلَهُ إلى غيرِه فهو له، فإن لم يَجْعَلْه لأحدٍ (7)، أو جَعَلَهُ لإِنْسانٍ فماتَ، نَظَرَ فيه المَوْقُوفُ عليه؛ لأنَّه مِلْكُه ونَفْعُه له، فكان نَظَرُه إليه كَمِلْكِه المُطْلَقِ. ويَحْتَمِلُ أن يَنْظُرَ فيه الحاكِمُ. اخْتارَه ابنُ أبي موسى. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ الوَجْهَانِ مَبْنِيَّيْنِ على أنَّ المِلْكَ هل يَنْتَقِلُ فيه إلى المَوْقُوفِ عليه، أو إلى اللهِ تعالى؟ فإن قُلْنا: هو لِلْمَوْقُوفِ عليه. فالنَّظَرُ فيه إليه؛ لأنَّه مِلْكُه، عَيْنُه ونَفْعُه. وإن قُلْنا: هو لِلهِ. فالحاكِمُ يَنُوبُ فيه، ويَصْرِفُه إلى مَصَارِفِه (8)؛ لأنَّه مالُ اللهِ، فكان النَّظَرُ فيه إلى حاكِمِ المُسْلِمينَ، كالوَقْفِ على المَساكِينِ. وأما الوَقْفُ على المَساكِينِ والمسَاجِدِ ونحوِها، أو على مَنْ لا يُمْكِنُ حَصْرُهُم واسْتِيعَابُهُم، فالنَّظَرُ فيه إلى الحاكِمِ؛ لأنَّه ليس له مالِكٌ مُتَعَيّنٌ يَنْظُرُ فيه. وله أن يَسْتَنِيبَ فيه؛ لأنَّ الحاكِمَ لا يُمْكِنُه تَوَلِّى النَّظَرَ بِنَفْسِه. ومتى كان النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عليه، إمَّا بِجَعْلِ الواقِفِ ذلك له، أو لِكَوْنِه أحَقَّ بذلك عندَ عَدَمِ ناظِرٍ سِواهُ، وكان واحِدًا مُكَلَّفًا (9) رَشِيدًا، فهو أحَقُّ بذلك، رَجُلًا كان أو امْرَأةً، عَدْلًا كان أو فاسِقًا؛ لأنَّه يَنْظُرُ لِنَفْسِه، فكان له ذلك في هذه الأحْوالِ، كالطَّلْقِ. ويَحْتَمِلُ أن يُضَمَّ إلى الفاسِقِ أمِينٌ، حِفْظًا لأصْلِ الوَقْفِ عن البَيْعِ أو التَّضْيِيعِ. وإن كان الوَقْفُ لجَماعةٍ رَشِيدِينَ، فالنَّظَرُ لِلْجَمِيعِ، لكلِّ إنْسانٍ في نَصِيبِه. وإن كان المَوْقُوفُ عليه غيرَ رَشِيدٍ، إمَّا لِصِغَرٍ، أو سَفَهٍ، أو جُنُونٍ، قام وَلِيُّه في النَّظَرِ مَقَامَه، كما يَقُومُ مَقَامَه في مالِه الطَّلْقِ (10). وإن كان النَّظَرُ لغير المَوْقُوفِ عليه، أو لبعضِ المَوْقُوفِ عليه، بِتَوْلِيَةِ الواقِفِ أو الحاكِمِ. لم يَجُزْ أن يكونَ إلَّا أمِينًا، فإن لم يكنْ أمِينًا، وكانت تَوْلِيَتُه من الحاكِمِ، لم تَصِحَّ. وأُزِيلَتْ يَدُه. وإن وَلَّاهُ الواقِفُ وهو فاسِقٌ، أو وَلَّاهُ وهو
(7) في الأصل: "إلى أحد".
(8)
في الأصل: "مصارف المسلمين".
(9)
سقط من: الأصل.
(10)
في م: "المطلق".