‌928 - مسألة؛ قال: (ويصح الوقف فيما عدا ذلك) - المغني لابن قدامة - ت التركي - جـ ٨

لِلصَّيْدِ، وجَوَارِحِ الطَّيْرِ التي لا يُصَادُ بها؛ لأنَّه نَقْلٌ لِلْمِلْكِ (3) فيها في الحَياةِ، فأشْبَهَ البَيْعَ، ولأنَّ الوَقْفَ تَحْبِيسُ الأصْلِ وتَسْبِيلُ المَنْفَعةِ، وما لا مَنْفَعةَ فيه لا يَحْصُلُ فيه تَسْبِيلُ المَنْفَعةِ، والكَلْبُ أُبِيحَ الانْتِفاعُ به على خِلَافِ الأصْلِ لِلضَّرُورَةِ، فلم يَجُز التَّوَسُّعُ فيها، والمَرْهُونُ في وَقْفِه إبْطَالُ حَقِّ المُرْتَهِنِ منه، فلم يَجُزْ (4) إبْطَالُه. ولا يَصِحُّ الوَقْفُ فيما ليس بمُعَيَّنٍ، كعَبْدٍ في الذِّمَّةِ، ودارٍ، وسِلَاحٍ؛ لأنَّ الوَقْفَ إبْطَالٌ لِمَعْنَى المِلْكِ فيه، فلم يَصِحَّ في عَبْدٍ مُطْلَقٍ، كالعِتْقِ (5).

‌

‌فصل:

قال أحمدُ، في مَن وَصَّى بِفَرَسٍ وسَرْجٍ ولِجَامٍ مُفَضَّضٍ، يُوقَفُ في سَبِيلِ اللَّه: فهو على ما وَقَفَ وَوَصَّى، وإن بيعَ الفِضَّةُ من السَّرْجِ واللِّجَامِ، وجُعِلَ في وَقْفِ مِثْلِه، فهو أحَبُّ؛ لأنَّ الفِضَّةَ لا يُنْتَفَعُ بها، ولعلَّه يَشْتَرِى بتلك الفِضَّةِ سَرْجًا ولِجَامًا، فيكونُ أنْفَعَ لِلمُسْلِمينَ. فقيل له: تُبَاعُ الفِضَّةُ، وتُجْعَلُ في نَفَقَتِه؟ قال: لا. فأباحَ أن يَشْتَرِيَ بِفِضَّةِ السَّرْجِ واللِّجَامِ سَرْجًا ولِجَامًا؛ لأنَّه صَرْفٌ لهما في جِنْسِ ما كانت عليه، حينَ لم يُنْتَفَعْ بهما فيه. فأشْبَه الفَرَسَ الحَبِيسَ إذا عَطِبَ فلم يُنْتَفَعْ به في الجِهَادِ، جازَ بَيْعُه، وصَرْفُ ثَمَنِه في مِثْلِه، ولم يَجُزْ إنْفاقُها (6) على الفَرَسِ؛ لأنَّه صَرْفٌ لها إلى غيرِ جِهَتِها.

‌

‌928 - مسألة؛ قال: (ويَصِحُّ الْوَقْفُ فِيمَا عَدَا ذلِكَ)

وجملةُ ذلك أنَّ الذي يجوزُ وَقْفُه، ما جازَ بَيْعُه، وجازَ الانْتِفَاعُ به مع بَقَاءِ عَيْنِه، وكان أصْلًا يَبْقَى بَقَاءً مُتَّصِلًا، كالعَقَارِ، والحَيَواناتِ، والسِّلَاحِ، والأثَاثِ، وأشْباهِ ذلك. قال أحمدُ، في رِوَايةِ الأثْرَمِ: إنَّما الوَقْفُ في الدُّورِ والأَرَضِينَ، على ما وَقَفَ أصْحابُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقال في مَن وَقَفَ خَمْسَ نَخَلَاتٍ على مَسْجِدٍ:

لا بَأْسَ به. وهذا قولُ الشافِعِىِّ. وقال أبو يوسفَ: لا يجوزُ وَقْفُ الحَيَوانِ، ولا الرَّقِيقِ، ولا الكُرَاعِ (1)، ولا العَرْضِ (2)، ولا السِّلَاحِ، والغِلْمانِ، والبَقَرِ، والآلةِ في الأرْضِ المَوْقُوفةِ تبعًا لها؛ لأن [هذا حيوانٌ](3) لا يُقَاتَلُ عليه، فلم يَجُزْ وَقْفُه، كما لو كان الوَقْفُ إلى مُدَّةٍ. وعن مالِكٍ في الكُرَاعِ والسِّلَاحِ رِوَايتانِ. ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أدْرَاعَه وَأعْتَادَه فِي سَبِيلِ اللهِ". مُتَّفَقٌ عليه (4). وفي رِوَايةٍ: "وأْعْتُدَهُ". أخْرَجَه البُخَارِيُّ. قال الخَطَّابِىُّ (5): الأعْتَادُ ما يُعِدُّه (6) الرجُلُ من [المَرْكُوبِ والسِّلَاحِ](7) وآلةِ الجِهَادِ. ورُوِىَ أنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ، جاءَتْ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللَّه، إنَّ أبا مَعْقِلٍ جَعَلَ ناضِحَهُ في سَبِيلِ اللهِ، وإنِّى أُرِيدُ الحَجَّ، أفأَرْكَبُه؟ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ارْكَبِيهِ، فإنَّ الحَجَّ والعُمْرَةَ مِنْ سَبِيلِ اللهِ"(8). ولأنَّه يَحْصُلُ فيه تَحْبِيسُ الأصْلِ وتَسْبِيلُ المَنْفَعةِ، فصَحَّ وَقْفُه، كالعَقَارِ [والفَرَسِ الحَبِيسِ، ولأنَّه يَصِحُّ وَقْفُه مع غيرِه، فصَحَّ وَقْفُه وحدَه، كالعَقَارِ](9).