الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
إذا أعْتَقَ المَرِيضُ شِقْصًا من عَبْدٍ، ثم أعْتَقَ شِقْصًا من آخَرَ، ولم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا العَبْدُ الأوَّل، عَتَقَ وحدَه؛ لأنَّه يَعْتِقُ حين يَلْفِظُ (24) بإعْتاقِ شِقْصِه. وإن خَرَجَ الأوَّلُ وبعضُ الثاني، عَتَقَ ذلك. وإن أعْتَقَ الشِّقْصَيْنِ دُفْعةً واحدةً، فلم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا الشِّقْصانِ، عَتَقَا ورَقَّ باقِى العَبْدَيْنِ. وإن لم يَخْرُجْ إلَّا أحَدُهُما أُقْرِعَ بينهما. وإن (25) عَتَقَ الشِّقْصانِ وباقِى أحدِ العَبْدَيْنِ ففيه وَجْهانِ: أحدهما، يُكْمَلُ العِتْقُ من أحَدِهِما بالقُرْعَةِ بينهما، كما لو أعْتَقَ العَبْدَيْنِ فلم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا أحَدُهُما. والثاني، يُقَسِّمُ ما بَقِىَ من الثُّلُثِ بينهما بغيرِ قُرْعَةٍ، لأنَّه أَوْقَعَ عِتْقًا مُشَقَّصًا فلم يُكْمِلْه، بخِلَافِ ما إذا أعْتَقَ العَبْدَيْنِ، ولهذا إذا لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا الشِّقْصانِ أعْتَقْنَاهُما، ولم يُقْرَعْ بينهما، ولم يُكْمِلْهُ من أحَدِهِما. ولو أوْصَى بإعْتاقِ النَّصِيبَيْنِ، وأن يُكْمِلَ (26) عِتقَهُما من ثُلُثِه، ولم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ إلَّا النَّصِيبَانِ وقِيمَةُ باقِى أحَدِهِما، أَقْرَعْنا بينهما، فمَن خَرَجَتْ قُرْعَتُه كَمُلَ العِتْقُ فيه، لأنَّ المُوصِى أوْصَى بتَكْمِيلِ العِتْقِ، فجَرَى مَجْرَى إعْتاقِهِما، بخِلَافِ التي قَبْلَها.
فصل: وإذا مَلَكَ المَرِيضُ مَن يَعْتِقُ عليه بغير عِوَضٍ، كالهِبَةِ والمِيرَاثِ، عَتَقَ، ووَرِثَ المَرِيضَ إذا ماتَ. وبهذا قال مالِكٌ، وأكْثَرُ أصْحابِ الشافِعِيِّ. وقال بعضُهم: يَعْتِقُ، ولا يَرِثُ؛ لأنَّ عِتْقَه وَصِيَّةٌ، فلا يَجْتَمِعُ (27) مع المِيرَاثِ. وهذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لو كان وَصيّةً لَاعْتُبِرَ من الثُّلُثِ، كما لو اشْتَراهُ. وجَعَلَ أهْلُ العِرَاقِ عِتْقَ المَوْهُوبِ (28) وَصِيَّةً، يُعْتَبَرُ خُرُوجُه من الثُّلُثِ، فإن خَرَجَ من الثُّلُثِ عَتقَ وَوَرِثَ، وإن لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ سَعَى (29) في قِيمَةِ باقِيه، ولم يَرِثْ في قولِ أبى حنيفةَ، وقال
(24) في الأصل، أ:"يلفظه".
(25)
في الأصل، م زيادة:"خرج".
(26)
في أ، م:"يكمله".
(27)
في أ: "يجمع".
(28)
في ا، م:"المرهون".
(29)
في م: "يسعى".
أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يُحْتَسَبُ بقِيمَتِه من مِيرَاثِه، فإن فَضَلَ من قِيمَتِه شيءٌ سَعَى فيه. ولَنا، أنَّ الوَصِيَّةَ هي التَّبَرُّعُ بمَالِه بِعَطِيَّةٍ أو إتْلَافٍ، أو التَّسَبُّبُ إلى ذلك، ولم يُوجَدْ واحدٌ منهما؛ لأنَّ العِتْقَ ليس من فِعْلِه، ولا يَقِفُ على اخْتِيارِه، وقَبُولُ الهِبَةِ ليس بِعَطِيَّةٍ، ولا إتْلَافٍ لِمَالِه، وإنَّما هو تَحْصِيلُ شيءٍ يَتْلَفُ بتَحْصِيلِه، فأشْبَهَ قَبُولَه لشىءٍ لا يُمْكِنُه حِفْظُه، أو لما يَتْلَفُ بِبَقَائِه، في وَقْتٍ لا يُمْكِنُه التَّصَرُّفُ فيه، وفارَقَ الشِّرَاءَ؛ فإنَّه تَضْيِيعٌ لِمَالِه في ثَمَنِه. وقال القاضي: هذا الذي ذَكَرْناه قياسُ قولِ أحمدَ؛ لأنَّه قال في مَوَاضِعَ: إذا وَقَفَ في مَرَضِه على وَرَثَتِه صَحَّ، لم يكُنْ وَصِيّةً؛ لأنَّ الوَقْفَ ليس بمالٍ؛ لأنَّه لا يُبَاعُ ولا يُورَثُ. قال الْخَبْرِيُّ: هذا قولُ أحمدَ وابنِ الماجِشُون وأهْلِ البَصْرَةِ، ولم يَذْكُرْ فيه عن أحمدَ خِلَافًا. فأمَّا إن اشْتَرَى مَن يَعْتِقُ عليه، فقال القاضي: إن حَملَه الثُّلُثُ عَتَقَ وَوَرِثَه. وهذا قولُ مالِكٍ وأبي حنيفةَ. وإن لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ عَتَقَ منه بِقَدْرِ الثُّلُثِ، ويَرِثُ بقَدْرِ ما فيه من الحُرِّيَّةِ، وباقِيه على الرِّقِّ، فإن كان الوارِثُ مِمَّنْ يَعْتقُ عليه إذا مَلَكَه، عَتَقَ عليه إذا وَرِثَه. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، ويُحْتَسَبُ بِقِيمَتِه من مِيرَاثِه، فإن فَضَلَ من قِيمَتِه شيءٌ سَعَى فيه. وقال بعضُ أصْحابِ مالِكٍ: يَعْتِقُ من رَأْسِ المالِ، ويَرِثُ كالمَوْهُوبِ والمَوْرُوثِ. وهو قِيَاسُ قَوْلِه، لِكَوْنه لم يَجْعَل الوَقْفَ وَصِيّةً وإجَازَةً لِلْوَارِثِ، فهذا أَوْلَى؛ لأنَّ العَبْدَ لا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، فيُجْعَلُ ذلك وَصِيَّةً له (30)، ولا يَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ الثَّمَنُ وَصِيّةً له؛ لأنَّه لم يَصِلْ إليه، ولا وَصِيّةً للبائِعِ؛ لأنَّه قد عاوَضَ عنه، وإنَّما هو كبِنَاءِ مَسْجِدٍ وقَنطَرةٍ، في أنَّه ليس بِوَصِيَّةٍ لمن يَنْتَفِعُ به، فلا يَمْنَعُهُ ذلك المِيرَاثَ. واخْتَلفَ أصْحابُ الشافِعِيِّ في قِيَاسِ قولِه، فقال بعضُهم: إذا حَمَلَه الثُّلُثُ عَتَقَ وَورِثَ؛ لأنَّ عِتْقَه ليس بِوَصِيَّةٍ له، على ما ذَكَرْنا. وقيل: يَعْتِقُ ولا يَرِثُ؛ لأنَّه لو وَرِثَ لَصَارتْ وَصِيّةً لِوَارِثٍ، فتَبْطُلُ وَصِيَّتُه، ويَبْطُلُ عِتْقُه وإرْثُه، فَيُفْضِى تَوْرِيثُه إلى إبْطالِ تَوْرِيثِه، فكان إبْطالُ تَوْرِيثِه أَوْلَى. وقيل على مَذْهَبِه: شِرَاؤُه باطِلٌ؛ لأنَّ ثِمَنَه وَصِيّةٌ، والوَصِيّةُ تَقِفُ على
(30) سقط من: م.
خُرُوجِها من الثُّلُثِ، أو إجَازَةِ الوَرَثةِ، والبَيْعُ عنده لا يَجُوزُ أن يكونَ مَوْقُوفًا. ومن مَسَائِلِ ذلك: مَريضٌ وُهِبَ له ابْنُه، فَقَبِلَه، وقِيمَتُه مائة، وخَلَّفَ مائَتيْ دِرْهَمٍ وابْنًا آخَرَ، فإنَّه يَعْتِقُ، وله مائةٌ ولأَخِيه مائَةٌ. وهذا قولُ مالِكٍ، وأبى حنيفةَ، والشافِعِيِّ. وقيل، على قولِ الشافِعِيِّ: لا يَرِثُ، والمائتانِ كلُّها للابْنِ الحُرِّ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يَرِثُ نِصْفَ نَفْسِه، ونِصْفَ المائَتَيْنِ، ويَحْتَسِبُ بقِيمَةِ نِصْفِه (31) الباقى (32) من مِيرَاثِه. وإن كان قِيمَتُه مائتَيْنِ، وبَقِيَّةُ التَّرِكَةِ مائةً، عَتَقَ من رَأْسِ المالِ، والمائةُ بينه وبين أخِيه. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِيُّ. وقال أبو حنيفة: يَعْتِقُ منه نِصْفُه، لأنَّه قَدْرُ ثُلُثِ التَّرِكَةِ، ويَسْعَى في قِيمَةِ باقِيه، ولا يَرِثُ؛ لأنَّ المُسْتَسْعَى عنده كالعَبْدِ لا يَرِثُ إلَّا في أرْبَعةِ مَوَاضِع: الرَّجُلُ يَعْتِقُ أمَتَه على أن تَتَزَوَّجَهُ. والمَرْأةُ تَعْتِقُ عَبْدَها على أن يَتَزَوَّجَها، فيَأْبَيانِ ذلك. والعَبْدُ المَوْهوبُ (33) يَعْتِقُه سَيِّدُه. والمُشْتَرِى لِلْعَبْدِ يَعْتِقُه قبلَ قَبْضِه وهما مُعْسِرَانِ. ففى هذه المَواضِع يَسْعَى كلُّ واحدٍ في قِيمَتِه، وهو حُرٌّ يَرِثُ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يَرِثُ نِصْفَ التَّرِكةِ، وذلك ثَلَاثةُ أرْباعِ رَقَبَتِه، ويَسْعَى في رُبْعِ قِيمَتِه لأَخِيه. وإن وُهِبَ له ثَلَاثُ أخَواتٍ مُتَفَرِّقَاتٌ، لا مالَ له سِوَاهُنَّ، ولا وارِثَ، عَتَقْنَ (34) من رَأْسِ المالِ. وهذا قولُ مالِكٍ. وإن كان اشْتَراهُنَّ فكذلك، فيما ذَكَرَه الْخَبْرِىُّ عن أحمدَ. وهو قولُ ابن الماجِشُون، وأهْلِ البَصْرَةِ، وبعضِ أَصْحابِ مالِكٍ. وعلى قولِ القاضي، يَعْتِقُ ثُلُثَهُنَّ، في أحدِ الوَجْهَيْنِ. وهو قولُ مالِكٍ، وفى الآخَر يَعْتِقْنَ كُلُّهُنَّ؛ لكَوْنِ وَصِيَّةِ مَنْ لا وَارِثَ له جائِزَةً في جَمِيعِ مالِه، في أصَحِّ الروَايَتَيْنِ. وإن تَرَكَ مَالًا يَخْرُجْنَ من ثُلُثِه عَتَقْنَ
(31) في م: "نصف".
(32)
في أ: "الثاني".
(33)
في أ، م:"المرهون".
(34)
في أ: "غيرهن".