الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنَّه يُنْفِقُ على اللَّقِيطِ من مالِه، وهذا بخِلَافِه، ولأنَّ الإِنْفاقَ على الصَّبِيِّ من مالِ أبِيه مَشْرُوطٌ بكَوْنِ الصَّبِيِّ مُحْتاجًا إلى ذلك، لِعَدَمِ مالِه، وعَدَمِ نَفَقَةٍ تَرَكَها أبُوه بِرَسْمِه، وذلك لا يُقْبَلُ فيه قولُ المُودَعِ، فاحْتِيجَ إلى إثْباتِ ذلك عندَ الحاكِمِ، ولا كذلك في مَسْأَلَتِنا، فلا يَلْزَمُ من وُجُوبِ اسْتِئْذَانِ الحاكِم ثَمَّ وُجُوبُه في اللَّقِيطِ. ومتى لم يَجِدْ حاكِمًا، فله الإِنْفاقُ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّه حالُ ضَرُورَةٍ. وقال الشافِعِيُّ: ليس له أن يُنْفِقَ بغيرِ إذْنِ الحاكِمِ في مَوْضِعٍ يَجِدُ حاكِمًا، وإن أَنْفَقَ ضَمِنَ، بمَنْزلةِ ما لو كان لأبِى الصَّغِيرِ وَدَائِعُ (17) عند إنْسانٍ، فأنْفَقَ عليه منه؛ وذلك لأنَّه لا وِلَايةَ له على مالِه، وإنَّما له حَقُّ الحَضَانةِ. وإن لم يَجِدْ حاكِمًا، ففى جَوَازِ الإِنْفاقِ وَجْهانِ؛ ولَنا، ما ذَكَرْناه ابْتِداءً، ولا نُسَلِّمُ أنَّه لا وِلَايةَ له على مالِه، فإنَّا قد بَيَّنَّا أنَّ له أخْذَه وحِفْظَه، وهو أَوْلَى الناسِ به، وذَكَرْنا الفَرْقَ بين اللَّقِيطِ وبين ما قاسُوا عليه. فإذا ثَبَتَ هذا، فالمُسْتَحَبُّ أن يَسْتَأْذِنَ الحاكِمَ في مَوْضِعٍ يَجِدُ حاكِمًا؛ لأنَّه أبعدُ من التُّهْمةِ، وأَقْطَعُ لِلظِّنَّةِ، وفيه خُرُوجٌ به من الخِلَافِ، وحِفْظٌ لمالِه من أن يَرْجِعَ عليه بما أَنْفَقَ. فإذا ثَبَتَ هذا، فيَنْبَغِى أن يُنْفِقَ عليه بالمَعْرُوفِ، كما ذَكَرْنا في وَلِيِّ اليَتِيمِ، فإذا بَلَغَ اللَّقِيطُ، واخْتَلَفا في قَدْرِ ما أنْفَقَ، وفى التَّفْرِيطِ في الإِنْفاقِ، فالقولُ قولُ المُنْفِقِ؛ لأنَّه أمِينٌ، فكان القولُ قولَه في ذلك، كوَلِيِّ اليَتِيمِ.
952 - مسألة؛ قال: (وَوَلَاؤُهُ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ)
يعني مِيرَاثَه لهم، فإنَّ اللَّقِيطَ حُرُّ الأصْلِ، ولا وَلَاءَ عليه، وإنَّما يَرِثُه المسلِمون؛ لأنَّهم خُوِّلُوا كلَّ مالٍ لا مالِكَ له، ولأنَّهم (1) يَرِثُونَ مالَ مَنْ لا وَارِثَ له غيرَ اللَّقِيطِ، فكذلك اللَّقِيطُ. وقولُ الخِرَقِيِّ:"وَوَلَاؤُه لسائِرِ المُسْلِمِينَ". تَجَوُّزٌ في اللَّفْظِ، لِاشْتِرَاكِ سائِر المسلمين ومَنْ له الوَلَاءُ في أخْذِ المِيرَاثِ، وحِيَازَتِه كلِّه عندَ عَدَمِ
(17) في الأصل: "وديعة".
(1)
في م: "ولأنه".
الوارِثِ. هذا هو الظاهِرُ. وهو قولُ مالِكٍ، والشافِعِىِّ، وأكْثَرِ أهلِ العِلْمِ. وقال شُرَيْحٌ، وإسحاقُ: عليه الوَلَاءُ لِمُلْتَقِطِه؛ لما رَوَى واثِلَةُ بن الأسْقَعِ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "المَرْأةُ تَحُوزُ ثَلَاثةَ مَوَارِيثَ؛ عَتِيقَها، ولَقِيطَهَا، ووَلَدَهَا الَّذِى لَاعَنَتْ عَلَيْهِ". أخْرَجَهُ أبو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِىُّ (2). وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وقال عمَرُ لأبي جَمِيلةَ في لُقَطَتِه: هو حُرٌّ، ولك وَلَاؤُه، وعلينا نَفَقَتُه (3). ولنا: قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"(4). ولأنَّه لم يَثْبُتْ عليه رِقٌّ، ولا على آبائِه،
(2) أخرجه أبو داود، في: باب ميراث ابن الملاعنة، من كتاب الفرائض. سنن أبى داود 2/ 113. والترمذي، في: باب ما جاء ما يرث النساء، من أبواب الفرائض. عارضة الأحوذى 8/ 267.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب المرأة تحوز ثلاث مواريث، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 916. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 490، 4/ 107.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 350.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، من كتاب الصلاة، وفى: باب الصدقة على موالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الزكاة، وفى: باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل، من كتاب البيوع، وفى: باب إذا قال المكاتب اشترى. . .، من كتاب المكاتب، وفى: باب الشروط في البيع، وباب ما يجوز من شروط المكاتب. . .، وباب الشروط في الولاء، وباب المكاتب وما لا يحل من الشروط. . .، من كتاب الشروط، وفي: باب الحرة تحت العبد، من كتاب النكاح، وفى: باب لا يكون بيع الأمة طلاقا، من كتاب الطلاق، وفى: باب الأدم، من كتاب الأطعمة، وفى: باب إذا أعتق في الكفارة لمن يكون ولاؤه، من كتاب الكفارات، وفى: باب الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط، وباب ميراث السائبة، وباب إذا أسلم على يديه، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 1/ 123، 2/ 158، 3/ 96، 200، 248، 250، 251، 259، 7/ 11، 61، 100، 8/ 182، 191، 192، 193. ومسلم، في: باب إنما الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق. صحيح مسلم 2/ 1141، 1143، 1144، 1145. وأبو داود، في: باب في الولاء، من كتاب الفرائض، وفى: باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، من كتاب العتاق. سنن أبي داود 2/ 114، 347. والترمذي، في: باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، من أبواب الوصايا. عارضة الأحوذى 8/ 281. والنسائي، في: باب إذا تحولت الصدقة، من كتاب الزكاة، وفى: باب خيار الأمة، وباب خيار الأمة تعتق وزوجها حر، وباب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك، من كتاب الطلاق، وفى: باب البيع يكون فيه الشرط الفاصد. . .، وباب بيع المكاتب، وباب المكاتب يباع قبل أن يقبض. . .، من كتاب البيوع. المجتبى 5/ 81، 6/ 132، 133، 134، 135، 7/ 264، 268، 269. وابن ماجه، في: باب خيار الأمة إذا أعتقت، من كتاب الطلاق، وفى: باب المكاتب، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 1/ 671، 2/ 842، 843. والدارمى، في: باب في تخيير الأمة. . .، من كتاب الطلاق. سنن الدارمي 2/ 169. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في الخيار، من كتاب =