الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ للَّه تِعَالَى سِوَى ذَلِكَ، فَتَابَ قَبْلَ إِقَامَتِهِ عليه، لم يَسْقُطْ. وَعَنْهُ، أنَّهُ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قَبْلَ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ.
ــ
تَسْقُطُ بالتَّوْبَةِ؛ لأنَّها حُدودٌ للَّهِ تعالى، فسَقَطَتْ بالتَّوْبَةِ (1)، كحَدِّ المُحاربَةِ، إلَّا حَدَّ القَذْفِ، فإنَّه لا يَسْقُطُ؛ لأنَّه حَقُّ آدَمِىٍّ، ولأَنَّ في إسْقاطِها تَرْغِيبًا في التَّوْبةِ. ويَحْتَمِل أن لا تَسْقُطَ؛ لأنَّها لا تَخْتَصُّ المُحارَبَةَ، فكانت في حَقِّه [كما هِىَ](2) في حَقِّ غيرِه. فإن أتَى حَدًّا قبلَ المُحاربةِ، ثم حارَبَ وتابَ قبلَ القُدْرَةِ، لمِ يَسْقُطِ الحَدُّ الأَوَّلُ؛ لأَنَّ التَّوْبَةَ إنَّما يَسْقُطُ بها الذَّنْبُ الذى تابَ منه دون غيرِه.
4546 - مسألة: (ومَن وَجَب عليه حَدٌّ للَّهِ تَعالَى سِوَى ذلك، فتابَ قبلَ إقامَتِه، لم يَسْقُطْ)
عنه (وعنه، أنَّه يَسْقُطُ بمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ قبلَ إصْلاحِ العَمَلِ) من تابَ وعليه حَدٌّ مِن غيرِ (3) المُحارِبين، وأصْلَحَ،
(1) في م: «التوبة» .
(2)
في م: «كهى» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ففيه رِوايَتان؛ إحداهما، يَسْقُطُ عنه؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (1). وذَكَر حَدَّ (2) السَّارِقِ، ثم قال:{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (3). وقال النبىُّ -صلي اللَّه عليه وسلم-: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» (4). ومن لا ذَنْبَ له لا حَدَّ عليه. وقال في ماعِز لَمَّا أُخْبِرَ بهَرَبه: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ (5) يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْه!» (6). ولأنَّه خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تعالى، فيَسْقُطُ بالتَّوْبَةِ، كحَدِّ المُحارِبِ. والثانيةُ، لا يَسْقُطُ. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفة، وأحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (7). وهو عامٌّ في التَّائِب وغيرِه، وقال اللَّهُ تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (8). ولأَنَّ النبىَّ -صلي اللَّه عليه وسلم- رَجَم ماعِزًا والغامِدِيَّةَ، وقَطَعَ الذى أقَرَّ
(1) سورة النساء 16.
(2)
في م: «حديث» .
(3)
سورة المائدة 39.
(4)
تقدم تخريجه في 20/ 238.
(5)
بعده في م: «لعله» .
(6)
تقدم تخريجه 26/ 209. مع حذف تخريج مسلم.
(7)
سورة النور 2.
(8)
سورة المائدة 38.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالسَّرِقَةِ، وقد جاءُوا تائِبين يَطْلُبُون التَّطْهِيرَ بإقامَةِ الحَدِّ، وقد سَمَّى النبىُّ صلى الله عليه وسلم فِعْلَهم تَوْبَةً، فقال في حَقِّ المرأةِ:«لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ» (1). وجاءَ عمرُو بنُ سَمُرَةَ إلى النبىِّ -صلي اللَّه عليه وسلم-،
(1) تقدم تخريجه في 26/ 209.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال: يا رسولَ اللَّهِ-صلي اللَّه عليه وسلم-، إنِّى سَرَقْتُ جَملًا لبنى فُلانٍ، فطَهِّرْنِى (1). وقد أقامَ رسولُ اللَّهِ -صلي اللَّه عليه وسلم- عليه الحَدَّ. ولأَنَّ الحَدَّ كَفارَةٌ، فلم يَسْقُطْ بالتَّوْبَةِ، ككفَّارَةِ اليَمينِ والقتلِ، ولأنَّه مَقْدُورٌ عليه، فلم يَسْقُطِ الحَدُّ عنه، كالمُحارِبِ بعدَ القُدْرَةِ عليه. فإن قُلْنا: بسُقوطِ (2) الحَدِّ بالتَّوْبَةِ. فهل يَسْقُطُ بمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ، أو بها مع إصْلاحِ العملِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَسْقُطُ بمُجَرَّدِها. وهو ظاهِرُ قولِ أصحابِنا، لأنَّها تَوْبَةٌ مُسْقِطَةٌ للحَدِّ، فأشْبَهَتْ تَوْبَةَ المُحارِب قبلَ القُدْرَةِ عليه. والثانى، يُعْتَبَرُ إصْلاحُ العَمَلِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} (3). وقال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} (4). فعلى هذا الوَجْهِ، يُعْتَبَرُ مُضِىُّ مُدَّةٍ يُعْلَمُ بها صِدْقُ
(1) تقدم تخريجه في 26/ 565.
(2)
في م: «يسقط» .
(3)
سورة النساء 16.
(4)
سورة المائدة 39.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَوْبَتِه، وصَلاحُ نِيَّتِه، وليست مُقَدَّرَةً بمُدَّةٍ معلومةٍ. وقال بعضُ أصحابِ الشافعىِّ: مُدَّةُ ذلك سَنَةٌ. وهذا تَوْقِيتٌ بغيرِ تَوْقِيف، فلا يَجُوزُ.