الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ؛ كَالْحَرْبِيِّ، وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ.
ــ
4620 - مسألة: (فإن لم يَجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مُباحَ الدَّمِ، كالمُرْتَدِّ، والزّانِي المُحْصَنِ، حَلَّ)
له (قَتْلُه وأكلُه) وجملةُ ذلك، أنَّ المُضْطَرَّ إذا لم يجِدْ إلَّا آدَمِيًّا مَحْقونَ الدَّمِ، لم يُبَحْ له قَتْلُه إجْماعًا، ولا إتْلافُ عُضْوٍ منه، مسلمًا كان أو كافِرًا؛ لأنَّه مِثْلُه، فلا يجوزُ أن يَقِيَ نفْسَه بإتْلافِه. وهذا لا خِلافَ فيه. وإن كان مُباحَ الدَّمِ، كالحَرْبِيِّ والمُرْتَدِّ، فذكرَ القاضِي أنَّ له قَتْلَه وأكلَه؛ لأنَّ قَتْلَه مُباحٌ. وهكذا قال أصحابُ الشافعيِّ؛ لأنَّه لا حُرْمَةَ له، فهو بمَنْزِلَةِ السِّباعِ. وإن وَجَدَه مَيِّتًا، أُبِيحَ
وَإِنْ وَجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا، فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ.
ــ
أكلُه؛ لأنَّ أكلَه مُباحٌ قبلَه، فكذلك بعدَ مَوْتِه (وإن وجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا) لم يُبَحْ أكلُه. في قوْلِ أكثرِ الأصْحابِ. وقال الشافعيُّ، وبعضُ الحَنَفِيَّةِ: يُباحُ. قال شيخُنا (1): وهو أَوْلَى؛ لأنَّ حُرْمَةَ الحَيِّ أعْظَمُ. قال أبو بكرِ ابنُ داودَ: أباحَ الشافعيُّ أكلَ لُحُوم الأنْبِياءِ. واحْتَجَّ أصْحابُنا بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ، كَكَسْرِهِ وهُوَ حَيٌّ» (2). واخْتارَ أبو الخَطّابِ أنَّ له أكلَه. وقال: لا حُجَّةَ في الحديثِ ههُنا؛ لأنَّ الأكْلَ مِن اللَّحْمِ لا مِن العَظْمِ، والمُرادُ مِن الحديثِ التَّشْبِيهُ في أصْلِ الحُرْمَةِ، لا بمِقْدارِها، بدَليلِ اخْتِلافِهما في الضَّمانِ والقِصاصِ وَوُجوبِ صِيانَةِ الحَيِّ بما لا تَجبُ به صِيانَةُ المَيِّتِ.
(1) في: المغني 13/ 339.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 72.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا اشْتَدَّتِ المَخْمَصَةُ في سَنَةِ المَجاعَةِ، وأصابَتِ الضَّرورَةُ خَلْقًا كثيرًا، وكان عندَ بعضِ النّاسِ قَدْرُ كِفايَتِه [وكِفايَةِ عِيالِه، لم يلْزَمْه بَذْلُه للمُضْطَرِّين، وليس لهم أخذُه منه؛ لأنَّ ذلك يُفْضِي إلى وُقوعِ الضَّرورةِ به، ولا يدْفَعُها عنهم. وكذلك إن كانوا في سفرٍ ومعه قَدْرُ كفايَتِه](1) مِن غيرِ فَضْلَةٍ، لم يَلْزَمْه بَذْلُ ما معه للمُضْطَرِّين. ولم يُفَرِّق أصْحابُنا بينَ هذه الحالِ وبينَ كونِه لا يتَضَرَّرُ بدَفْعِ ما معه إليهم، في أنَّ ذلك واجِبٌ عليه؛ لكونِه غيرَ مُضْطَرٍّ في الحالِ، والآخَرُ مُضْطَرٌّ، فوَجَبَ تَقْدِيمُ حاجَةِ المُضْطرِّ. ولَنا، أنَّ هذا مُفْضٍ به إلى هَلاكِ نفْسِه وعِيالِه، فلم يَلْزَمْه، كما لو أمْكَنَه إنْجاءُ الغَرِيقِ بتَغْرِيقِ نفْسِه، ولأنَّ (2) في بَذْلِه إلْقاءً بيَدِه إلى التَّهْلُكَةِ، وقد نَهَى اللهُ عن ذلك. وهذا اخْتِيارُ شيخِنا (3)، رحمه الله.
(1) سقط من: م.
(2)
في م.: «ليس» .
(3)
انظر: المغني 13/ 340.
فَصْلٌ: وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ في شَجَرٍ لَا حَائِطَ عَلَيهِ وَلَا نَاظِرَ، فَلَهُ
ــ
فصل: والتِّرْياقُ مُحَرَّمٌ، وهو دَواءٌ يُعالجُ به مِن السَّمِّ، يُجْعَلُ فيه لُحومُ الحَيّاتِ، ويُعْجَنُ بالخَمْرِ، لا يَحِلُّ أكْلُه ولا شُرْبُه؛ لأنَّ الخمرَ ولُحومَ الحَيّاتِ حرَامٌ. وممَّن كَرِهَه الحسَنُ، وابنُ سِيرِينَ. ورَخَّصَ فيه الشَّعْبِيُّ، ومالِكٌ. ويَقْتَضيه مذْهَبُ الشافعيِّ؛ لإِباحَتِه التَّداويَ ببعضِ المُحَرَّماتِ. ولَنا، أنَّ لحمَ الحَيَّةِ حرَامٌ على ما ذكَرْنا فيما مَضَى، وكذلك الخمرُ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيهَا» (1).
فصل: ولا يجوزُ التَّداوي بشيءٍ مُحَرَّمٍ، ولا بشيءٍ فيه مُحَرَّمٌ، مثلَ ألْبانِ الأُتُنِ، ولحمِ شيء مِن المُحَرَّماتِ، ولا شُرْبُ الخمرِ للتَّداوي؛ لِما ذكَرْنا مِن الخبرِ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ له النَّبِيذُ يُصْنَعُ للدَّواءِ، فقال:«إنَّه لَيسَ بِدَواءٍ وَلَكِنَّه دَاءٌ» (2).
فصل: قال رحمه الله: (ومَن مَرَّ بثَمَرَةٍ في شَجَرٍ لا حائِطَ عليه
(1) تقدم تخريجه في 26/ 420.
(2)
تقدم تخريجه في 26/ 420.
أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَا يَحْمِلُ. وعَنْهُ، لَا يَحِلُّ ذَلِكَ إلا لِحَاجَةٍ.
ــ
ولا ناظِرَ، فله أن يَأْكُلَ منه، ولا يَحْمِلُ. وعنه، لا يَحِلُّ ذلك إلَّا لحاجَةٍ) اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ في ذلك، فرُوىَ عنه أنَّه قال: إذا لم يَكُنْ عليها [حائِطٌ، يأكلُ](1) إذا كان جائِعًا، وإذا لم يكُنْ جائِعًا، فلا يَأكلُ. وقال: قد فَعَلَه غيرُ واحدٍ مِن أصْحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا كان عليه حائِطٌ لم يأكلْ؛ لأنَّه قد صارَ شِبْهَ الحَرِيمِ. وقال في مَوْضِعٍ: إنَّما الرُّخْصَةُ للمُسافِرِ. إلَّا أنَّه لم يَعْتَبِرْ ههُنا الاضْطِرارَ؛ لأنَّ الاضْطِرَارَ يُبِيحُ ما وراءَ الحائِطِ. ورُويَت عنه الرُّخْصَةُ في الأكْلِ مِن غيرِ المَحُوطِ (2) مُطْلَقًا، مِنْ غيرِ اعْتِبارِ جوعٍ ولا غيرِه. وهذا المشْهورُ في المذهَبِ؛ لِما رُوِيَ عن أبي زَينَبَ التَّيمِيِّ، قال: سافَرْتُ مع أنَسِ بْنِ مالِكٍ، وعبدِ الرحمنِ بنِ سَمُرَةَ، وأبي بَرْزَةَ، فكانُوا يمُرُّونَ بالثِّمارِ، فيأْكُلُون في أفْواهِهِم. وهو قولُ عمرَ، وابنِ عباسٍ، وأبي بَرْزَةَ (3). قال عمرُ (4):
(1) في م: «حافظ أكل» .
(2)
في م: «المحفوظ» .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة هكذا: عن أبي زينب قال: سافرت مع جيش مع أبي بكرة وأبي بردة وعبد الرحمن ابن سمرة فكنا نأكل من الثمار. المصنف 6/ 85.
ولم نهتد إلى أبي زينب التيمي، وذكر الطبري أبا زينب بن عوف بن الحارث الأزدي. انظر: تاريخ الطبري 4/ 273، 275، 277، 403، 5/ 27.
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يأكلُ، ولا يَتَّخِذُ خُبْنَةً (1). ورُوِيَ عن أحمدَ أنَّه قال: يأكلُ ممَّا تحتَ الشَّجَرِ، فإذا لم يكنْ تحتَ الشَّجَرِ، فلا يأكلُ ثِمارَ الناسِ، وهو غَنِيٌّ عنه، ولا يضْرِبُ بحَجَرٍ، ولا يَرْمِي؛ لأنَّ هذا يُفْسِدُ. وقد رُوِيَ عن [رافِعَ بنَ عمرٍو](2)، قال: كنتُ أرْمِي نَخْلَ الأنصارِ، فأخَذونِي، فذَهَبوا بي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«يَا رَافِعُ (3)، لِمَ تَرْمِي نَخْلَهُمْ؟» . فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، الجوعُ. قال:«لَا ترْمِ، وَكُلْ مَا وَقَعَ، أشْبَعَكَ اللهُ وأرْوَاكَ» . أخْرَجَه التِّرْمِذِيُّ (4)، وقال: هذا حدِيثٌ حسَنٌ
(1) الخبنة: ما يحمله الإنسان في حضنه أو تحت إبطه.
والأثر أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب من رخص في أكل الثمرة إذا مر بها، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 6/ 83، 84. والبيهقي، في: باب ما جاء في من مر بحائط إنسان أو ماشية، من كتاب الضحايا.
السنن الكبرى 9/ 359. وصححه الألباني في الإرواء 8/ 158.
(2)
في م: «نافع عن عبد الله بن عمر» .
(3)
في م: «نافع» .
(4)
في: باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 289.
كما أخرجه أبو داود، في: باب من قال إنه يأكل مما سقط، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 37، 38. وابن ماجه، في: باب من مر على ماشية قوم أو حائط. . . .، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 771. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 31.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَحِيحٌ. وقال أكثرُ الفُقَهاءِ: لا يُباحُ الأكلُ إلَّا في الضَّروَرةِ؛ لِما روَى العِرْباضُ بنُ سارِيَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:«أَلَا وَإِنَّ اللهَ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أهْلِ الْكِتَابِ إلَّا بإِذْنٍ، ولَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ، ولَا أكْلَ ثِمَارِهِمْ، إذَا أعْطَوْكُمُ الَّذِي عَلَيهِمْ» . أخْرَجَه أبو داودَ (1). وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ دمَاءَكُمْ، وأمْوَالكُمْ، وأعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولَنا، ما روَى عمرُو بنُ شعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه سُئِلَ عن الثَّمَرِ المُعَلَّقِ، فقال:«مَا أصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي الْحَاجَةِ، غَيرَ مُتَّخِذٍ خبْنَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيهِ، ومَنْ أخْرَجَ مِنْهُ شَيئًا، فَعَلَيهِ غَرَامَةُ مِثْلَيهِ والْعُقُوبَةُ» (3). وقال التِّرْمِذِيُّ: هذا حَدِيثٌ حسَنٌ. وروَىَ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ، عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«إذَا أَتَيتَ عَلَى حَائِطِ بُسْتَانٍ، فَنَادِ صَاحِبَ البُسْتَانِ ثَلَاثًا، فَإنْ أجَابَكَ، وإلَّا فَكُلْ مِنْ غَيرِ أَنْ تُفسِدَ» (4). وروَى سعيدٌ،
(1) في: باب في تفسير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات، من كتاب الإمارة. سنن أبي داود 2/ 151، 152.
(2)
تقدم تخريجه في 25/ 450.
(3)
تقدم تخريجه في 26/ 475.
(4)
أخرجه ابن ماجه، في: باب ما للعبد أن يعطى ويتصدق، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 771. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 85، 86.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بإسْنادِه عنَ الحسَنِ، عن سَمُرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَه (1). ولأنَّه قولُ مَن سَمّينا مِن الصَّحابَةِ مِن غيرِ مُخالِفٍ، فكان إجْماعًا. فإن قيلَ: فقد أبَى سعدٌ أن يَأكلَ (2)؟ قُلْنا: امْتِناعُ سعْدٍ مِن أكِله ليس مُخالِفًا لهم؛ فإنَّ الإِنسانَ قد يتْرُكُ المُباحَ غِنًى عنه، أو تَوَرُّعًا، أو تَقَذُّرًا، كتَركِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أكلَ الضَّبِّ (3). فأمّا أحادِيثُهم، فهي مخْصوصَةٌ بما روَيناه مِن الحديثِ والإِجْماعِ. فإن كانت مَحُوطَةً، لم يَجُزِ الدُّخُولُ إليها؛ لقولِ ابنِ عباسٍ: إن كان عليها حائِطٌ فهي حَرِيمٌ، فلا تأكلْ، وإن لم يكنْ عليها حائِطٌ، فلا بأسَ (4). ولأنَّ إحْرازَه بالحائطِ يدُلُّ على شُحِّ صاحِبِه به، وعَدَمِ المُسامَحَةِ. قال بعْضُ أصْحابِنا: إذا كان عليه ناطُورٌ (5)، فهو كالمَحُوطِ، في أنَّه لا يدْخُلُ إليه، ولا يأكلُ منه إلَّا في الضَّرورَةِ.
(1) وأخرجه أبو داود، في: باب في ابن السبيل يأكل من التمر. . . .، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 37. والترمذي، في: باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 295، 296. وصححه في: الإِرواء 8/ 160.
(2)
انظر ما أخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 6/ 87. والبيهقي، في: السنن الكبرى 9/ 358.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 224.
(4)
انظر ما أخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 6/ 88، 89.
(5)
الناطور: حافظ الزرع.