الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ حَلَفَ بِكَلامِ اللهَ، أَوْ بِالْمُصْحَفِ، أَوْ بِالْقُرْآنِ، فَهُوَ يَمِينٌ فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَعَنْهُ، عَلَيهِ بِكُل آيَةٍ كَفَّارَةٌ.
ــ
مُرادٌ، كهذا (1) البَيتِ، ويُفْهَمُ مِن قولِ اللهِ تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (2). {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} (3). التَّقْديرُ، فكذا ههُنا. وإن قال: عَمْرَكَ اللهَ. كما في قولِه (4):
أيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيلًا
…
عَمْرَكَ اللهَ كيفَ يَلْتَقِيانِ؟
فقد قيل: هو مِثْلُ قولِه: نَشَدْتُكَ اللهَ. ولهذا يُنْصَبُ اسْمُ اللهِ فيه. وإن قال: لعَمْرِي، أو لعَمْرُك، أو عَمْرُك. فليس بيَمِينٍ في قولِ أكثَرِهم. وقال الحسنُ، في قوْلِه: لعَمْرِي: عليه الكَفَّارَةُ. ولَنا، أنَّه أقْسَمَ بحَياةِ مخْلُوقٍ، فلم تَلْزَمْه كَفَّارَةٌ، كما لو قال: وحَياتِي. وذلك لأنَّ هذا اللَّفْظَ يكونُ قَسَمًا بحَياةِ الذي أُضِيفَ إليه العَمْرُ، فإنَّ التَّقْديرَ، لَعَمْرُكَ قَسَمِي، أو ما أُقْسِمُ به، والعَمْرُ الحياةُ أو البقاءُ.
4689 - مسألة: (وإن حَلَف بكَلام اللهِ، أو بالمُصْحَفِ، أو بالقُرْآنِ، فَهِي يَمِينٌ فيها كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وعنهَ، عليه بكلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ)
وجملةُ ذلك، أنَّ الحَلِفَ بكلامِ الله تعالى، أو بالقُرْآنِ، أو بآيَةٍ منه، يَمِينٌ
(1) في م: «لهذا» .
(2)
سورة يوسف 82.
(3)
سورة البقرة 93.
(4)
هو عمر بن أبي ربيعة، والبيت في شرح ديوانه 503. وتقدم في 20/ 5، 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُنْعَقِدَةٌ، تَجِبُ الكَفَّارَةُ بالحِنْثِ فيها. وبه قال ابنُ مسعودٍ، والحسنُ، وقَتادَةُ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأبو عُبَيدٍ، وعامَّةُ أهْلِ العلْمِ. وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: ليس بيَمِينٍ، ولا تَجِبُ به كَفَّارَةٌ. فمنهم مَن (1) زعَمَ أنَّه مَخْلُوقٌ، ومنهم مَن قال: لا تُعْهَدُ اليَمِينُ به. ولَنا، أنَّ القُرْآنَ كلامُ اللهِ تعالى، وصِفَةٌ من صِفاتِ ذاتِه، فتَنْعَقِدُ اليَمِينُ به، كما لو قال: وجَلالِ اللهِ، وعَظَمَتِه. وقولُهم: هو مخلوقٌ. قُلْنا: هذا كلامُ المُعْتَزِلَةِ، وإنَّما الخِلافُ مع الفُقَهاءِ، وقد رُوِيَ عن ابنِ عمرَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«الْقُرْآنُ كَلامُ اللهِ غَيرُ مَخْلُوقٍ» (2). وقال ابنُ عباسٍ في قولِه تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيرَ ذِي عِوَجٍ} (3). أي: غيرَ مخلُوقٍ (4).
(1) بعده في الأصل: «قال» .
(2)
أخرجه الديلمي عن أنس مرفوعًا، انظر: فردوس الأخبار 3/ 279. وعزاه لابن شاهين في السنة عن أبي الدرداء مرفوعًا، في: الدر المنثور 5/ 326. وقال البيهقي: ونقل إلينا عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، مرفوعًا:«القرآن كلام الله غير مخلوق» . وروى ذلك أيضًا عن معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم، مرفوعًا، ولا يصح شيء من ذلك، أسانيده مظلمة، لا ينبغي أن يحتج بشيء منها. . . . الأسماء والصفات 239. انظر اللآلئ المصنوعة 1/ 5. تنزيه الشريعة 1/ 134. تذكرة الموضوعات 77. كشف الخفاء 2/ 94.
(3)
سورة الزمر 28.
(4)
أخرجه البيهقي، في: الأسماء والصفات 239، 240.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمَّا قولُهم: لا تُعْهَدُ اليَمِينُ به. فيَلْزَمُهم قولُهم: وكبرِياءِ اللهِ، وعَظَمَتِه، وجَلالِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الحَلِفَ بآيَةٍ منه كالحَلِفِ بجَمِيعِه؛ لأنَّها من كلامِ اللهِ تعالى. وكذلك الحَلِفُ بالمُصْحَفِ، تَنْعَقِدُ به اليَمِينُ. وكان قَتادَةُ يَحْلِفُ بالمُصْحَفِ. ولم يَكْرَهْ ذلك إمامُنا، وإسْحاقُ؛ لأنَّ الحَالِفَ (1) بالمُصْحَفِ إنَّما قَصَد الحَلِفَ بالمَكْتُوبِ فيه، وهو القُرْآنُ، فإنَّه بينَ دَفَّتَي المُصْحَفِ بإجْماعِ المسلِمِين.
فصل: فإنْ حَلَفَ بالقُرْآنِ، أو بحَقِّ القُرْآنِ، أو بكلامِ اللهِ، لَزِمَتْه كَفَّارَةٌ واحدةٌ. ونَصَّ أحمدُ على أنَّه تَلْزَمُه بكلِّ آيةٍ كَفَّارَةٌ. وهو الذي ذَكَرَه الخِرَقِيُّ. وهو قولُ ابنِ مسعودٍ، والحسنِ. وقياسُ المذهبِ أنَّه تَلْزَمُه كَفَّارَةٌ واحدةٌ. وهو قياسُ مذهبِ الشافِعِيِّ، وأبي عُبَيدٍ؛ لأَنَّ الحَلِفَ بصِفاتِ اللهِ تعالى، وتَكَرُّرَ اليَمِينِ باللهِ سبحانَه، لا يُوجبُ أكثرَ من كَفَّارَةٍ، فالحَلِفُ بصِفةٍ من صِفاتِ اللهِ أوْلَى أن تُجْزِئَه كَفَّارَةٌ واحدةٌ.
(1) في م: «الحلف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووَجْهُ (1) الأوَّلِ، ما رَوَى مجاهدٌ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَعَلَيهِ بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ صَبْرٍ، فَمَنْ شاء بَرَّ، وَمَنْ شَاءَ فَجَرَ» . رَواه الأثْرَمُ (2). ولأنَّ ابنَ مسعودٍ قال ذلك (3). ولم نَعْرِفْ له مُخالِفًا في الصحابةِ. قال أحمدُ: وما أعْلمُ شيئًا يَدْفَعُه. قال شيخُنا (4): ويَحْتَمِلُ [أن يُحْمَلَ](5) كلامُ أحمدَ، أنَّ في كُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةً، على الاسْتِحْبابِ لمَن قَدَر عليه، فإنَّه قال: عليه بكلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ (6)، فإن لم يُمْكِنْه فكفَّارَةٌ واحدةٌ، ورَدُّه إلى واحِدَةٍ عندَ العَجْزِ، دليلٌ على أنَّ ما زادَ عليه غيرُ واجِبٍ. وكلامُ ابنِ مسعودٍ أيضًا يُحْمَلُ على الاخْتِيارِ، [والاحْتِياطِ](7) لكلامِ اللهِ، والمُبالغَةِ في تَعْظِيمِه، كما رُوِيَ عن عائِشَةَ، أنَّها أعْتَقَتْ أرْبَعِين رَقَبَةً حينَ حَلَفَت بالعَهْدِ، وليس ذلك بواجِبٍ. فعلى هذا، تُجْزئُه كفَّارَةٌ واحِدَةٌ؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (8). وهذه يَمِينٌ،
(1) في الأصل زيادة: «ما ذهب إليه ابن مسعود ومن وافقه» . ومشار إليها بالإلغاء في ر 3.
(2)
وأخرجه عبد الرزاق، في: باب الحلف بالقرآن والحكم فيه، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف 8/ 473. والبيهقي، في: باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 43.
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 8/ 472. والبيهقي، في: السنن الكبرى 10/ 43.
(4)
في: المغني 13/ 475.
(5)
سقط من: م.
(6)
بعده في ق، م:«لمن قدر عليها» .
(7)
سقط من: ر 3، م.
(8)
سورة المائدة 89.