الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ، سَقَطَ عَنْهُ.
فَصْلٌ:
وَمَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرمَتُهُ أَوْ مَالُهُ، فَلَهُ الدَّفْعُ عِنْ ذَلِكَ بِأَسْهلِ مَا يَعْلَمُ دَفْعَهُ بهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصلْ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا. وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عِنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا أَوْ بَهِيمَةً. وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا أَوْ صَائِلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا.
ــ
4547 - مسألة: (ومَن ماتَ وعليه حَدٌّ، سَقَط عنه)
لفَواتِ مَحَلِّه، كما يَسْقُطُ غُسْلُ ما ذَهَب مِن أعْضاءِ الطَّهارةِ في الوُضوءِ والغُسْلِ.
فصل: قال رحمه الله: (ومَن أُريدتْ نَفْسُه أو حُرمتُه أو مالُه، فله الدَّفْعُ عن ذلك بأسْهلِ ما يَعْلَمُ دَفْعَه به، فإن لم يَحْصُلْ إلَّا بالقَتْلِ، فله ذلك ولا شئَ عليه، وإن قُتِلَ كان شهيدًا، وهل يجبُ الدَّفْعُ عن نفسِه؟ على رِوايَتَيْن، وسَواءٌ كان الصائِلُ آدَمِيًّا أو) غيرَه (وإن دَخَل رجلٌ منزِلَه مُتَلَصَّصًا أو صائِلًا، فحُكْمُه حكمُ ما ذَكَرْنا) وجملةُ ذلك، أنَّ الرجُلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا دَخَل مَنْزِلَ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فلِصاحِب المَنْزِلِ أمْرُه بالخُروجِ مِن مَنْزِلِه، سَواءٌ كان معه سِلاحٌ أو لم يَكُنْ؛ لأَنَّه مُتَعَدٍّ بدُخولِ مِلْكِ غيرِه، فكان لصاحِبِ المنزِلِ مُطالَبَتُه بتَرْكِ التَّعَدِّى، كما لو غَصَب منه شيئًا، فإن خَرَج بالأمْرِ، لم يَكُنْ له ضَرْبُه؛ لأَنَّ المَقْصُودَ إخْراجُه. وقد رُوِى عن ابنِ عمرَ، أنَّه رأى لِصًّا، فأصْلَتَ عليه السَّيْفَ، قال الرَّاوِى: فلو تَرَكْناه لَقَتَله (1). وجاءَ رجل إلى الحسنِ، فقال: لِصٌّ دَخَل بَيْتِى ومعه حَدِيدةٌ، أقْتُلُه؟ قال: نعم، بأىِّ قِتْلَةٍ قَدَرْتَ أن تَقْتُلَه. ولَنا، أنَّه أمْكَنَ إزالَةُ العُدْوانِ بغيرِ القَتْلِ، فلم يَجُزِ القَتْلُ، كما لو غَصَب منه (2) شيئًا، فأمْكَنَ أخْذُه بغيرِ القتلِ. وفعلُ ابنِ عمرَ يُحْمَلُ على قَصْدِ (3) التَّرْهِيبِ،
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: باب اللص، من كتاب العقول. المصنف 10/ 112. وابن أبى شيبة، في: باب في قتل اللص، من كتاب الديات. المصنف 9/ 454.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «غير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا على أنَّه قَصَد إيقاعَ الفِعْلِ. فإن لم يَخْرُجْ بالأمْرِ، فله ضَرْبُه بأسْهَلِ ما يَعْلَمُ أنَّه يَنْدَفِعُ به؛ لأنَّ المَقْصُودَ دَفْعُه، فإذا انْدَفَعَ بقليل، فلا حاجَةَ إلى أكثرَ منه، فإن عَلِمَ أنَّه يَخْرُجُ بالعَصا، لم يَكُنْ له ضَرْبُه بالحديدِ؛ لأنَّ الحديدَ آلةٌ للقَتْلِ، بخلافِ العَصا. وإن ذَهَب هارِبًا، لم يَكُنْ له قَتْلُه، ولا اتِّباعُه، كالبُغاةِ. وإن ضَرَبَه ضَرْبَةً عَطَّلَتْه، لم يَكُنْ له أن يُثَنِّيَ عليه؛ لأنَّه كُفِيَ شَرَّه. وإن ضَرَبَه فقَطَعَ يَمينَه، فوَلَّى مُدْبِرًا، فضَرَبَه فقَطَعَ رِجْلَه (1) فالرِّجْلُ مضمونةٌ بالقِصاصِ أو الدِّيَةِ؛ لأنَّه في حالٍ لا يَحِلُّ له ضَرْبُه، وقَطْعُ اليَدِ غيرُ مَضْمُونٍ، فإن ماتَ من سِرايَةِ القَطْعِ، فعليه نِصْفُ الدِّيةِ، كما لو ماتَ مِن جِراحَةِ اثْنَين. وإن عادَ إليه بعدَ قَطْعِ رِجْلِه، فقَطَعَ يَدَه الأخْرَى فاليَدَانِ غيرُ مَضْمُونَتَين. فإن ماتَ، فعليه ثُلُثُ الدِّيَةِ، كما لو ماتَ من جِراحَةِ ثَلاثةِ أنْفُس. وقِياسُ المذهبِ أنَّه يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لأنَّ الجُرْحَينِ قَطْعُ رجُل واحدٍ، فكان حُكْمُهما واحدًا، كما لو جَرَح رجلٌ رجُلًا جِراحاتٍ. وجَرَحَه آخرُ جُرْحًا واحِدًا، وماتَ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانتْ دِيَتُه بينَهما نِصْفَين، ولا تُقْسَمُ الدِّيَةُ على عَدَدِ الجِراحاتِ، كذا هذا. فإن لم يُمْكِنْه دَفْعُه إلَّا بالقَتْلِ، أو خافَ أنَّ يَبْدُرَه بالقَتْلِ إن لم يُعاجِلْه بالدَّفْعِ، فله ضَرْبُه بما يَقتُلُه، ويَقْطَعُ طَرَفَه، وما أَتلَفَ منه فهو هَدْرٌ، لأنَّه تَلِفَ لدَفْعِ شَرِّه، فلم يَضْمَنْه، كالباغِي، ولأنَّه اضْطَرَّ صاحِبَ المنزلِ إلى قَتْلِه، فصارَ كالقاتِلِ لنفسِه. وإن قُتِلَ صاحبُ المنْزِلِ، فهو شهيدٌ، لِما روَى عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاصِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيرِ حَق، فَقَاتَلَ فَقُتِلَ، فَهُوَ شَهِيدٌ» . رَواه الخَلَّالُ بإسْنادِه (1). ولأنَّه قُتِلَ لدَفْعِ ظالم، فكانَ شهيدًا، كالعادِلِ إذا قَتَلَه الباغِي.
(1) وأخرجه البخاري، في: باب من قاتل دون ماله، من كتاب المظالم والغصب. صحيح البخاري 3/ 179. ومسلم، في: باب الدليل على أنَّ من قصد أخذ مال غيره بغير حق. . . .، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 125. وأبو داود، في: باب في قتال اللصوص، من كتاب السنة. سنن أبي داود 2/ 546. والترمذي، في: باب ما جاء في من قتل دون ماله فهو شهيد، من أبواب الديات. عارضة الأحوذي 6/ 190. والنسائي، في: باب من قتل دون ماله، من كتاب تحريم الدم. المجتبى 7/ 105، 106. واللفظ لأبي داود والترمذي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وكُلُّ مَن عَرَض لإِنْسانٍ يُرِيدُ ماله أو نفسَه، فحُكْمُه ما ذَكَرْنا في مَن دَخَل منزلَه، في دَفْعِهم بأسْهَلِ ما يُمْكِنُ دَفْعُه به، فإن كان بينَهما نهرٌ كبيرٌ، أو خَنْدَقٌ، [أو حِصْنٌ](1) لا يَقْدِرونَ على اقْتِحامِه، فليس له رَمْيُهم، فإن لم يُمْكِنْ إلَّا بقِتالِهم، فله قِتالُهم وقَتْلُهم. قال أحمدُ، في اللُّصوصِ يُرِيدُونَ نفسَك ومالكَ: قاتِلْهم تَمْتَعْ نَفْسَك ومالكَ. وقال عَطاءٌ، في المُحْرِمِ يَلْقَى اللُّصُوصَ، قال (2): يقاتِلُهم أشَدَّ القتَالِ. وقال ابنُ سِيرِينَ: ما أعلمُ أحدًا تَرَك قِتال الحَرُورِيَّةِ واللصوص تَأَثُّمًا، إلَّا أنَّ يَجْبُنَ. وقال الصَّلْتُ بنُ طَرِيفٍ: قلتُ للحسنِ: إنِّي أُحْرَجُ في هذه الوُجُوهِ، أخوَفُ شىِءٍ عندِي يَلْقَانِي المُصَلُّونَ (3) يَعْرِضُونَ لي في مالِي، فإن كَفَفْتُ يَدِي ذهبُوا بمالِي، وإن قاتَلْتُ المُصَلِّيَ (4) ففيه ما قد علمتَ؟ قال: أي بُنَيَّ، مَن عَرَض لك في مالِك، فإن قَتَلْتَه فإلى النارِ، وإن قَتَلَكَ فَشَهِيدٌ. ونحوُ ذلك عن أنس، والنَّخَعِيِّ والشَّعْبِيِّ. وقال أحمدُ، في امرأةٍ أرادَها رجلٌ على نَفْسِها، فقَتَلَتْه لِتُحْصِنَ نَفسَها، قال: إذا عَلِمَتْ أنَّه لا يُرِيدُ إلَّا نفسَها، فقَاتَلَتْه لتَدْفَعَ عن نفسِها، فلا شيءَ عليها.
(1) في الأصل: «حصين» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل، م:«اللصوص» .
(4)
في م: «اللص» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذَكَر حديثًا يَرْويه الزُّهْرِيُّ، عن القاسمِ بنِ محمدٍ، عن عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ، أنَّ رجلًا ضَافَ (1) ناسًا مِن هُذَيلٍ، فأرادَ امرأةً على نفسِها، فرَمَتْه بحَجَر فَقَتَلَتْه، فقال عمرُ: واللهِ لا يُودَى أبدًا (2). ولأنَّه إذا جازَ الدَّفْعُ عن مالِه الذي يجوزُ له (3) بَذْلُه وإباحَتُه، فدَفْعُ المرأةِ عن نَفْسِها وصِيانتها عن الفاحِشَةِ، التي لا تُباحُ بحالٍ، أَولَى. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يجبُ عليها أنْ تَدْفَعَ عن نفسِها إن أمْكَنَها ذلك، لأنَّ التَّمْكِينَ منها مُحَرَّمٌ، وفي تَرْكِ الدَّفْعِ نوْعُ تَمْكِين. فأمَّا مَن أَرِيدَ مالُه، فلا يجبُ عليه الدَّفْعُ، لأنَّ بَذلَ المالِ مُباحٌ.
(1) في م: «أضاف» .
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب الرجل يحد على امرأته رجلًا، من كتاب العقول. المصنف 9/ 435. وابن أبي شيبة، في: باب الرجل يريد المرأة على نفسها، من كتاب الديات. المصنف 9/ 372. والبيهقي، في: باب الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله، من كتاب الأشربة والحد فيها. السنن الكبرى 8/ 337.
(3)
سقط من: الأصل.