الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. إلا أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إِحْلَالِ مُحَرَّمٍ أو جَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ، أَوْ انْتَقَلَ إِلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
ــ
أحْكام الدُّنْيا؛ مِن تَرْكِ قَتْلِهم، وثُبُوتِ أحْكامِ الإِسْلامِ في حَقِّهِم؛ فأمَّا قَبُولُ اللَّهِ تعالى لها في الباطِنِ، وغُفْرَانُ ذُنُوبِهم لِمَن تابَ وأقْلَعَ ظاهِرًا وباطِنًا، فلا خِلافَ فيه، فإنَّ اللهَ تَعالى قال في المُنافِقِين:{إلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (1).
4591 - مسألة: (وتَوْبَةُ المُرْتَدِّ إسْلامُه، وهو أن يَشْهَدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه. إلَّا أن تكونَ رِدَّتُه بإنْكارِ فَرْضٍ، أو إحْلالِ مُحَرَّمٍ، أو جَحْدِ نَبِيٍّ أو كِتابٍ، أو إلى دِينِ مَن يَعْتَقِدُ أنَّ مُحَمَّدًا
(1) سورة النساء 146.
- صلى الله عليه وسلم بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ، وَيَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بُعِثَ إِلَى الْعَالمِينَ، أَوْ يَقُولَ: أنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الإسْلَامِ.
ــ
بُعِثَ إلى العَرَبِ خاصَّةً، فلا يَصِحُّ إسْلامُه حتى يُقِرَّ بما جَحَدَه، ويَشْهَدَ أنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلى العَالمِينَ، أو يَقُولَ: أنا بَرِئٌ مِن كلِّ دِينٍ يُخالِفُ دينَ الإسْلام) مَن ثَبَتَتْ رِدَّتُه بإقْرارٍ أو بَيِّنَةٍ، فتَوْبَتُه أن يَشْهَدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، [وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ](1)، ولا يُكْشَفُ عن صِحَّةِ ما شُهِدَ به عليه، ويُخَلَّى سَبِيلُه، ولا يُكَلَّفُ الإقْرارَ بما نُسِبَ إليه؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا الهَ إلَّا اللهُ. فَإذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَموَالهمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأنَّ هذا يَثْبُتُ به إسْلامُ الكافِرِ الأصْلِيِّ، فكذلك إسْلامُ المُرْتَدِّ، ولا حاجَةَ مع ثُبُوتِ إسْلامِه إلى الكَشْفِ عن صِحَّةِ رِدَّتِه. وهذا يَكْفِي في مَن كانت رِدَّتُه بجَحْدِ الوَحْدانِيَّةِ، أو جَحْدِ رسالةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أو جَحْدِهما معًا، فأمَّا مَن كَفَر بغيرِ هذا، فلا يَحْصُلُ إسْلامُه إلَّا بالإقْرارِ بما جَحَده.
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في: 3/ 31.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فمَن أقَرَّ برسالةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنْكَرَ أنَّه مَبْعُوثٌ إلى العَالمِينَ، فلا يَثْبُتُ إسْلامُه حتى يَشْهَدَ أنَّ محمدًا [رسولُ اللهِ](1) بُعِثَ إلى الخَلْقِ أجْمَعِينَ، أو يَتَبَرَّأَ مع الشَّهادَتَين مِن كلِّ دِين يُخالِفُ الاسْلامَ. فإن زَعَم أنَّ محمدًا رسول مَبْعُوثٌ بَعْدُ (2) غيرَ هذا، لَزِمَه الإقْرارُ بأنَّ هذا المبعوثَ هو رسولُ اللهِ، لأنَّه إذا اقْتَصَر على الشَّهادَتَينِ، احْتَمَلَ أنَّه أرادَ ما اعْتَقَدَه. وإنِ ارْتَدَّ بجُحودِ فَرْضٍ، لم يُسْلِمْ حتى يُقِرَّ بما جَحَدَه، ويُعِيدَ الشَّهادَتَين؛ لأنَّه كَذَّبَ اللهَ ورسولَه بما اعْتَقَده. وكذلك إن جَحَد نَبِيًّا، أو آيَةً مِن كتابِ الله تعالى، أو كتابًا من كُتُبِه، أو مَلَكًا مِن مَلائِكَتِه الذين ثَبَت أنَّهم مَلائِكَةُ اللهِ، أو اسْتَباحَ مُحَرَّمًا، فلا بُدَّ في إسْلامِه مِن الإِقْرارِ بما جَحَده. وأمَّا
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «وهو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكافِرُ بجَحْدِ الدِّينِ مِن أصْلِه، إذا شَهِدَ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ واقْتَصَر على ذلك، ففيه رِوايَتان، إحداهما، يُحْكَمُ بإسْلامِه، لأنَّه رُوِيَ أنَّ يَهُودِيًّا قال: أشْهَدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ. ثم ماتَ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» (1). ولأنَّه لا (2) يُقِرُّ برِسالةِ محمدٍ إلَّا وهو مُقِرٌّ بمَن أرسَلَه وبتَوحِيدِه، لأنَّه صَدَّقَ النبيَّ (3) صلى الله عليه وسلم فيما جاءَ به، وقد جاءَ بتَوْحِيدِه. والثانيةُ، إن كان مُقِرًّا بالتَّوْحِيدِ كاليهودِ، حُكِمَ بإسْلامِه؛ لأنَّ تَوْحيدَ اللهِ ثابتٌ في حَقِّه، وقد ضَمَّ إليه الإِقْرارَ برسالةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم فكَمَلَ إسْلامُه. وإن كان غيرَ مُوَحِّدٍ، كالنَّصارَى والمَجُوسِ وعَبَدَةِ الأوْثانِ، لم يُحْكَمْ بإسْلامِه حتى يشهدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ. وبهذا جاءتْ أكثرُ الأخْبارِ، وهو الصَّحِيحُ، لأنَّ مَن يَجْحَدُ شَيئَين لا يزولُ جَحْدُهما إلَّا [بإقْرارِه بهما] (4) جميعًا. وإن قال: أشْهَدُ أنَّ النبيَّ رسولُ اللهِ. لم يُحْكَمْ بإسْلامِه، لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّه يُريدُ غيرَ نَبِيِّنا. وإن قال: أنا مؤمنٌ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب إذا أسلم الصبي فمات هل يُصَلَّى عليه. . . .، من كتاب الجنائز. صحيح البخاري 2/ 118. وأبو داود، في: باب في عيادة الذمي، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود 2/ 164. والنسائي، في: باب عرض الإسلام على المشرك، من كتاب السير. السنن الكبرى 5/ 173. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 260، 280.
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: م.
(4)
في الأصل: «بإقرارهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو: أنا مسلمٌ. فقال القاضي: يُحْكَمْ بإسْلامِه بهذا، وإن لم يَأْتِ بلَفْظِ الشَّهادَتينِ؛ لأنَّهما اسمان لشيءٍ مَعْلومٍ معروفٍ وهو الشَّهادَتان، فإذا أخْبَرَ عن نفْسِه بما تَضَمَّنَ الشَّهادَتين، كان مُخْبِرًا بهما. ورَوَى المِقْدَادُ، أنَّه قال: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ (1) إن لَقِيتُ رجلًا من الكُفَّارِ، فقاتَلَنِي، فضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بالسَّيفِ، فقَطَعَها (2)، ثم لاذَ مِنِّي بشَجَرَةٍ، فقال: أسْلَمْتُ. أفأقْتُلُه يا رسولَ اللهِ بعدَ أن قالها؟ قال: «لَا تَقْتُلْه، فَإنْ قَتَلْتَهُ، فَإنَّه بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَه، وإنَّكَ بمَنْزِلَتِه قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالها» . وعن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ، قال: أَصابَ المسلمون رجلًا مِن بَني عُقيلٍ، فأتَوْا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمدُ، إنِّي مسلمٌ. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ كُنْتَ قُلْتَ وأنْتَ تَمْلِكُ أمْرَكَ، أفْلَحْتَ كُلَّ الفَلَاحِ» . رَواهُما مسلمٌ (3). ويَحْتَمِلُ أنَّ هذا في الكافرِ الأصْلِيِّ، أو مَن جَحَد الوَحْدانِيَّةَ،
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «فقطعهما» .
(3)
أخرج الأول مسلم، في: باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 95.
كما أخرجه البخاري، في: باب حدثني خليفة. . . .، من كتاب المغازي، وفي: باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} من كتاب الديات. صحيح البخاري 5/ 109، 9/ 3. وأبو داود، في: باب على ما يقاتل المشركون، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 42. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 5، 6.
وأخرج الثاني مسلم، في: باب لا وفاء بنذر في معصية الله، من كتاب النذر. صحيح مسلم 3/ 1262.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في النذر فيما لا يملكه، من كاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 214. والدارمي، في: باب إذا أحرز العدو من مال المسلمين، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 236. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 430، 433، 434.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أمَّا مَن كَفَر بجَحْدِ نَبِيٍّ أو كتابٍ أو فَرِيضَةٍ أو نحو هذا، فإنَّه لا يَصِيرُ مسْلِمًا بذلك؛ لأنَّه رُبَّما اعْتَقَد أنَّ الإِسْلامَ ما هو عليه، فإنَّ أهلَ البِدَعِ كلَّهم يَعْتَقِدُونَ أنَّهم هم المسلمون، ومنهم مَن هو كافِرٌ.