الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: وَهِيَ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا، فَيُخَيَّرُ
ــ
فصل في كَفَّارَةِ اليَمِينِ: قال الشيخُ، رَحِمَه اللهُ تعالى:(وهي تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وترتيبًا). والأصْلُ في كفَّارَةِ اليَمِينِ الكتابُ والسُّنَّةُ والإجْماعُ؛ أمَّا الكتابُ فقولُ الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيمَانَكُمْ} (1) الآية. وأمَّا السُّنَّةُ، فقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَايتَ غَيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيرٌ، وكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» (2). في أخْبارٍ سِوَى هذا. وأجْمعَ المسلِمُون على مَشْرُوعِيَّةِ الكفَّارَةِ في اليَمِينِ باللهِ تعالى.
4709 - مسألة: (وهي تَجْمَع تَخْيِيرًا وتَرْتِيبًا، فَيُخَيَّرُ بينَ ثَلَاثةِ
(1) سورة المائدة 89.
(2)
تقدم تخريجه في 23/ 207.
فِيهَا بَينَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، أوْ كُسْوَتُهُمْ، أوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. والْكُسْوَةُ لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ يُجْزِئُهُ أنْ يُصَلِّيَ فيهِ، وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ.
ــ
أشْيَاءَ؛ إطْعامُ عَشَرَةِ مساكِينَ، أو كُسْوَتُهُم، أو تَحْريرُ رَقَبَةٍ) لِما ذَكَرْنا في الآيةِ. وقد سَبَق شَرْحُ العِتْقِ والإِطْعام في كفَّارَةِ الظِّهارِ. و (كُسْوَةُ) المساكينِ (للرجلِ ثَوْبٌ يُجْزِئُه أن يُصَلِّيَ فيه، وللمرأةِ دِرْعٌ وخِمَارٌ) ولا خِلافَ في أنَّ الكُسْوَةَ أحَدُ أصْنافِ الكفَّارَةِ؛ لنَصِّ اللهِ عليها، في كتابِه بقولِه:{أَوْ كِسْوَتُهُمْ} . وتتقَدَّرُ الكُسْوَةُ بما تُجْزِئُ الصلاةُ فيه، على ما ذكَرْنا. وهذا قولُ مالكٍ. ومِمَّن قال: لا تُجْزِئُه السَّراويلُ وحدَها (1). الأوْزَاعِيُّ، وأبو يوسف. وقال إبراهيمُ: ثَوْبٌ جامِعٌ. وقال الحسنُ: كلُّ مِسْكِين حُلَّة؛ إزَارٌ ورِداءٌ. وقال ابنُ عمرَ، وعَطاء، وطاوُسٌ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وأصْحابُ الرَّأْي: يُجْزِئُه ثوْبٌ ثَوْبٌ (2). ولم يُفَرِّقُوا بينَ الرجلِ والمرأةِ. ورُوِيَ عن الحسنِ (3)،
(1) في الأصل، ر 3:«وحده» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
إلى هنا ينتهي الجزء الثامن من نسخة المكتبة العامة السعودية بالرياض، والتي أشير إليها بـ (ر 3).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: تُجْزِئُ العِمامَةُ. وقال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: عباءَةٌ وعِمامَةٌ. [وقال الشافعيُّ: يُجْزِئُ أقَلُّ ما يَقَعُ عليه الاسمُ؛ من سَراويلَ، أو إزارٍ، أو رِداءٍ، أو مِقْنَعَةٍ، أو عِمامَةٍ](1). وفي القَلَنْسُوَةِ وَجْهان. واحْتَجُّوا بأنَّ ذلك يَقَعُ عليه اسمُ الكُسْوَةِ، فأجْزَأ، كالذي تجوزُ الصلاةُ فيه. ولَنا، أنَّ الكُسْوَةَ أحَدُ أنْواعِ الكَفَّارَةِ، فلم يَجُزْ فيه ما يَقَعُ عليه الاسمُ، كالإِطْعامِ والإِعْتاقِ، ولأنَّ التَّكْفِيرَ عِبادَةٌ تُعْتَبَرُ فيها الكُسْوَةُ، فلم يَجُزْ فيه أقَلُّ ممَّا ذَكَرْناه، كالصلاةِ، ولأنَّه مَصْروفٌ إلى المساكِينِ في الكَفَّارَةِ، فيُقَدَّرُ، كالإِطْعامِ، ولأنَّ اللَّابِسَ ما لا يَسْتُرُ عَوْرَتَه يُسَمّى عُرْيانًا، فلا يُجْزِئُه؛ لقولِ الله تعالى:{أَوْ كِسْوَتُهُمْ} . إذا ثَبَت هذا،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّه إذا كَسَا امرأةً، أعْطاها دِرْعًا وخِمارًا، على ما ذَكَرْنا؛ لأنَّه [أقَلُّ ما](1) يَسْتُرُ عَوْرَتَها، وتُجْزئُها الصلاةُ فيه، وإن أعْطاها ثوبًا واسِعًا، يُمْكِنُها أن تَسْتُرَ به بَدَنَها ورَأْسَها، أجْزَأَة ذلك. والرجلُ يُجْزِئُه إذا كَسَاه ثَوْبٌ، أو قَمِيصٌ يُمْكِنُه أن يَسْتُرَ به عَوْرَتَه، ويَجْعَلَ على عاتِقِه منه شيئًا، أو ثَوْبَين يَأْتَزِرُ بأحَدِهما، ويَرْتَدِي بالآخَرِ. ولا يُجْزِئُه مِئْزَرٌ وَحْدَه، ولا سَراويلُ؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُصَلِّي أحَدُكُم فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيسَ عَلَى عَاتِقِه مِنْهُ شَيْءٌ» (2).
ويجوزُ أن يَكْسُوَهُم من جميعِ أصْنافِ الكُسْوَةِ، من القُطْنِ، والكَتَّانِ، والصوفِ، والشَّعَرِ، والوَبَرِ، والخَزِّ، والحريرِ، لأنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بكُسْوَتِهم ولم يُعَيِّنْ جِنْسَها، فأيُّ جِنْسٍ كَساهُم منه، خَرَجَ به عن العُهْدَةِ؛ لوُجُودِ الكُسْوَةِ المأْمُورِ بها. ويجوزُ أن يَكْسُوَهُم جَدِيدًا
(1) في الأصل: «قد» .
(2)
تقدم تخريجه في 3/ 216.