الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ الصِّيَامُ، وَلَيسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ.
ــ
ظِهَارٍ، ويَعْتِقُ العَبْدُ؛ لأنَّ تَداخُلَ الأحْكامِ إنَّما يكونُ مع اتِّحادِ الجنْسِ، كالحُدودِ من جِنْسٍ، فأمَّا الكَفَّارَاتُ ههُنا فمن أجْناسٍ، وَأسْبابُها مُخْتَلِفَةٌ، فلم تَتَداخَلْ، كحَدِّ الزِّنَى والسَّرِقَةِ والقَذْفِ والشُّرْبِ.
4715 - مسألة: (وكَفَّارَةُ العَبْدِ الصِّيامُ، وليس لسَيِّدِه مَنْعُه منه. ومَن بَعْضُه حُرٌّ فَحُكْمُه في الكَفَّارَةِ حُكمُ الأحْرارِ)
لا خِلافَ في أنَّ العَبْدَ يُجْزِئُه الصِّيامُ في الكَفَّارَةِ؛ لأنَّ ذلك فرْضُ المُعْسِرِ من الأحْرارِ، وهو أحْسَنُ حالًا من العَبْدِ، فإنَّه (1) يَمْلِكُ في الجُمْلَةِ، ولأنَّ العَبْدَ داخِلٌ في قولِ اللهِ تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (2).
فصل: فإن أَذِنَ السَّيِّدُ لعَبْدِه في التَّكْفِيرِ بالمالِ، لم يَلْزَمْه؛ لأنَّه ليس بمالِكٍ (3) لِمَا أَذِنَ له فيه. وهل يُجْزِئُه بإذْنِ السَّيِّدِ؛ فيه رِوَايتان؛ إحْداهما، لا يُجْزِئُه. وهو ظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ، ولا يُجْزِئُه إلَّا الصِّيامُ.
(1) بعده في م: «لم» .
(2)
سورة المائدة 89.
(3)
في م: «يملك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثانِيَةُ، يُجْزِئُه؛ لأنَّ المَنْعَ لحَقِّ السَّيِّدِ، وقد أذِنَ، أشْبَهَ ما لو أذِنَ له أن يَتَصَدَّقَ بالمالِ، وقد ذَكَرْنا ذلك في الظِّهارِ، والاخْتِلافَ فيه (1). وذكرَ القاضي، أنَّ أصْلَ هذا (2) عندَه الرِّوايتان في مِلْكِ العَبْدِ بالتَّمْليكِ، فإن قُلْنا: يَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ. فمَلَّكَه سَيِّدُه، وأذِنَ له بالتَّكْفيرِ بالمالِ، جازَ، لأنَّه مالِكٌ لِما يُكَفِّرُ به، وإدت قُلْنا: لا يَمْلِكُ بالتَّمْلِيكِ. ففَرْضُه الصِّيامُ؛ [لأنَّه لا يَمْلِكُ شيئًا يُكَفِّرُ به، وكذلك إن قُلْنا: إنَّه يَمْلِكُ. ولم يَأْذَنْ له سَيِّدُه في التَّكْفيرِ بالمالِ، ففَرْضُه الصِّيامُ](3) وإن مَلَك؛ لأنَّه مَحْجُورٌ عليه، مَمْنُوعٌ مِن التَّصَرُّفِ فيما في يَدَيه. قال: وأصْحابُنا يَجْعَلُون في العَبْدِ رِوايَتَين مُطْلَقًا، سَواءٌ قُلْنا: يَمْلِكُ أو لا يَمْلِكُ. ثم (4) على الرِّوايَةِ التي تُجِيزُ له التَّكْفِيرَ بالمالِ له أن يُطْعِمَ، وهل له أن يُعْتِقَ؟ على رِوايَتَين؛ إحْداهما، ليس له ذلك؛ لأنَّ العِتْقَ يَقْتَضِي الوَلاءَ والولايةَ والإِرْثَ، وليس
(1) تقدم في 23/ 287.
(2)
في م: «هذين» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك للعَبْدِ. وهذه رِوايَةٌ عن مالكٍ. وبه قال الشافعيُّ، على القوْلِ الذي يُجِيزُ له التَّكْفِيرَ بالمالِ. والثانيةُ، له التَّكْفِيرُ بالعِتْقِ؛ لأنَّ مَن صَحَّ تَكْفِيرُه بالمالِ، صَحَّ تَكْفيرُه بالعِتْقِ، كالحُرِّ (1)، ولأنَّه يَمْلِكُ العَبْدَ، فصَحَّ تَكْفِيرُه بإعْتاقِه، كالحُرِّ. وقولُهم: إنَّ العِتْقَ يَقْتَضِي الوَلاءَ والوِلايةَ. مَمْنُوعٌ إذا أعْتَقَ في الكَفَّارَةِ، على ما أسْلَفْناه، وإن سَلَّمْنا، فتَخَلُّفُ بعضِ الأحْكامِ لا يَمْنَعُ ثُبوتَ المُقْتَضِي، فإنَّ الحُكْمَ يَتَخَلَّفُ لتَخَلُّفِ سَبَبِه، لا لتَخَلُّفِ أحْكامِه،؛ أنَّه يَثْبُتُ لوُجودِ سَبَبِه، ولأنَّ تَخَلُّفَ بعضِ الأحْكامِ مع وجُودِ المُقْتَضِي إنَّما يكونُ لمانِعٍ، ويجوزُ أن يَخْتَصَّ المَنْعُ بها دونَ غيرِها، وهذا السَّبَبُ المُقْتَضِي لهذه الأحْكامِ، لا (2) يَمْنَعُ ثُبُوته تخَلُّفُها عنه في الرَّقِيقِ، على أنَّ الوَلاءَ يَثْبُتُ بإعْتاقِ العَبْدِ، لكن لا يَرِثُ به، كما لو اخْتَلَفَ دِيناهُما. وهذا اخْتِيارُ أبي بكرٍ. ويُفَرِّعُ عليه إذا أذِنَ له سَيِّدُه فأعْتَقَ نَفْسَه، ففيه قَوْلان؛ أحدُهما، يُجْزِئُه؛ لأنَّه رَقَبَةٌ تُجْزِء عن غيرِه، فأجْزَأت عنه كغيرِه. والآخَرُ، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّ الإِذْنَ
(1) في م: «كالحرية» .
(2)
في م: «ولا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له في الإِعْتاقِ يَنْصَرِفُ إلى إعْتاقِ غيرِه. وهذا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ على أنَّ سَيِّدَه إذا أذِنَ له في إعْتاقِ نَفْسِه عن كَفَّارَتِه، جازَ، ومتى أطْلَقَ الإِذْنَ في الإِعْتاقِ، فليس له أن يُعْتِقَ إلَّا أقَلَّ رَقَبَةٍ تُجْزِئُ عن الواجِبِ، وليس له إعْتاقُ نَفْسِه إذا كان أفضلَ (1) ممَّا تُجْزِئُ. وهذا من أبي بكر يَقْتَضِي أن لا يُعْتَبَرَ في التَّكْفِيرِ أن يُمَلِّكَه سَمدُه ما يُكَفِّرُ به؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ نَفْسَه، بل متى أذِنَ له في التَّكْفِيرِ بالإِطْعامِ أو الإعْتاقِ، أجْزَأَه؛ لأنَّه لو اعْتَبَرَ التَّمْلِيكَ، لَما صحَّ له أن يُعْتِقَ نَفْسَه، لأَنَّه لا (2) يَمْلِكُها، ولأنَّ التَّمْلِيكَ لا يكونُ إلَّا في مُعَيَّنٍ، فلا يَصِحُّ أن يَأْذَنَ فيه مُطْلَقًا.
فصل: إذا أعْتَقَ العَبْدُ عَبْدًا عن كَفَّارَتِه بإذْنِ سَيِّدِه، وقُلْنا: إنَّ الإِعْتاقَ في الكَفَّارَةِ يَثْبُتُ به الوَلاءُ لمُعْتِقِه. ثَبَت وَلاؤُه للعَبْدِ الذي أعْتَقَه؛ لقَوْلِ
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الوَلاءُ لمَنْ أعْتَقَ» (1). ولا يَرِثُ به؛ لأنَّه ليس مِن أهلِ الميراثِ، وانْتِفاءُ الإِرْثِ لا يَمْنَعُ ثُبوتَ الوَلاءِ، كما لو اخْتَلَفَ دِينُهُما (2)، أو قَتَل المُعْتِقُ عَتِيقَه، فإنَّه لا يَرِثُه مع ثُبوتِ الولايَةِ عليه. فإن عَتَق المُعْتِقُ، وَرِث بالوَلاءِ، لزَوالِ المانِعِ، كما إذا كانا مُخْتَلِفَي الدِّينِ فأسْلَمَ الكافِرُ منهما. ذَكَر هذا طَلْحَةُ العَاقُولِيُّ. ومُقْتَضَى هذا أنَّ سَيِّدَ العَبْدِ لا يَرِثُ عَتِيقَه في حَياةِ عَبْدِه، كما لا يَرِثُ وَلَدَ عَبْدِه، وإن أعْتَقَ عَبْدَه، ثم مات، وَرِثَ السَّيِّدُ مَوْلَى عَبْدِه؛ لأنَّه مَوْلَى مَوْلاه، كما أنَّه لو أعْتَقَ العَبْدَ وله وَلَدٌ عليه الوَلاءُ لمَوْلَى أُمِّه لَجَرَّ (3) وَلاءَه، ويَرِثُه سَيِّدُه إذا ماتَ أبُوه.
(1) تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.
(2)
في م: «ديناهما» .
(3)
في م: «يجر» .