الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ عَقَلَ الصَّبِيُّ الإسْلَامَ، صَحَّ إِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ. وَعَنْهُ، يَصِحُّ إِسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ. وَالْمَذْهَبُ الْأوَّلُ.
ــ
لإساءَتِه وافْتِيَاتِه على الإمامِ (ولا ضَمانَ عليه) لأنَّه مَحَلٌّ غيرُ مَعْصُومٍ، و (سَواءٌ قَتَلَه قبلَ الاسْتِتابَةِ أو بعدَها) لذلك.
4586 - مسألة: (وإن عَقَل الصَّبِيّ الإِسْلامَ، صَحَّ إسْلامُه ورِدَّتُهُ. وعنه، يَصِحُّ إسْلامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ. وعنه، لا يَصِحُّ شيءٌ منهما حَتَّى يَبْلُغَ. والمذهبُ الأوَّلُ)
يَصِحُّ إسْلامُ الصَّبِيِّ في الجملةِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، وإسحاقُ، وابنُ أبي شَيبَةَ، وأبو أيُّوبَ. وقال الشافعيُّ، وزُفَرُ: لا يَصِحُّ إسْلامُه حتى يَبْلُغَ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثةٍ؛ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» (1). حديثٌ حسنٌ. ولأنَّه قَوْلٌ تَثْبُتُ به الأحْكامُ، فلم يَصِحَّ مِن الصَّبِيِّ، كالهِبَةِ والعِتْقِ، ولأنَّه أحَدُ مَن رُفِعَ عنه القَلَمُ، فلم يَصِحَّ إسْلامُه، كالنَّائِمِ والمَجْنُونِ، ولأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، أشْبَهَ الطِّفْلَ. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه الصلاة والسلام:«مَنْ قَال: لَا الهَ إلَّا اللهُ. دَخَلَ الجَنَّةَ» (2). وقولِه: «أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا:
(1) تقدم تخريخه في 3/ 15. وانظر الإرواء 2/ 4 - 7.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب الثياب البيض، من كتاب اللباس. صحيح البخاري 7/ 192، 193. ومسلم، في: باب من مات لا يشرك بالله شيئًا. . . .، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 95. والترمذي، في: باب في من يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، من أبواب الإيمان. عارضة الأحوذي 10/ 105، 106. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 467، 5/ 166، 391، 6/ 442.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَا إلهَ إلَّا اللهُ، فإذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ إلَّا بحَقِّهَا، وحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» (1). وقال عليه الصلاة والسلام:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ، فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، ويُنَصِّرَانِه، حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، إمَّا شَاكِرًا وَإمَّا كَفُورًا» (2). وهذه الأخْبارُ يَدْخُلُ في عُمُومِها الصَّبِيُّ، ولأنَّ الإِسْلامَ عِبادَة مَحْضَة، فصَحَّتْ من الصَّبِيِّ العاقلِ، كالصلاةِ والحَجِّ، ولأنَّ اللهَ تعالى دَعا عبادَه إلى دارِ السَّلامِ (3)، وجَعَل طريقَها الإِسْلامَ، وجَعَل مَن لم يُجِبْ دَعْوتَه في الجحيمِ والعَذابِ الأليمِ، فلا يجوزُ مَنْعُ الصَّبِيِّ من إجابَةِ دَعْوَةِ اللهِ تعالى، مع إجابتِه إليها، وسُلوكِه طَرِيقَها، ولا إلْزامُه بعذاب اللهِ، والحكمُ عليه بالنَّارِ، وسَدُّ طريقِ النَّجاةِ عليه مع هَرَبِه منها، ولأنَّ ما ذَكَرناه إجْماعٌ، فإنَّ عليًّا، رضي الله عنه، أسْلَم صَبِيًّا، وقال (4):
سَبَقْتُكُمُ إلى الإِسْلامِ طُرًّا
…
صَبيًّا ما بَلَغْتُ أوانَ حُلْمِي
ولهذا قِيلَ: أوَّلُ مَن أسْلَمَ من الرِّجالِ أَبو بكرٍ، ومن الصِّبْيانِ عليٌّ،
(1) تقدم تخريجه في 3/ 31.
(2)
تقدم تخريجه في 10/ 94. ويضاف إليه: مسند الإمام أحمد 3/ 353. وانظر طرقه وألفاظه في الإرواء 5/ 49 - 51.
(3)
في الأصل: «الإسلام» .
(4)
البيت ضمن أبيات له في: البداية والنهاية 8/ 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن النِّساءِ خَدِيجَةُ، ومن العَبِيدِ بلالٌ (1). وقال عُرْوَةُ: أسْلَمَ على والزُّبَيرُ، وهما ابنا ثمانِ سنينَ، وبايعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ابنُ الزُّبَيرِ لسَبْعِ أو ثمانِ سِنِينَ، ولم يَرُدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أحَدٍ إسْلَامَه، من صَغِيرٍ أو (2) كبيرٍ. فأمَّا قولُه عليه الصلاة والسلام:«رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثةٍ» . فلا حُجَّةَ لهم فيه، فإنَّه يَقْتَضِي (3) أنْ لا يُكْتَب عليه ذَنْبٌ، والإِسْلامُ يُكْتَبُ له لا عليه، ويَسْعَدُ به في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فهو كالصلاةِ تَصِحُّ منه وتُكْتَبُ له وإن لم تَجِبْ عليه، وكذلك غيرُها من العباداتِ المَحْضَةِ، فإن قِيلَ: فالإِسْلامُ يُوجِبُ عليه الزَّكاةَ [في مالِه، ونَفَقَةَ قَرِيبِه المُسْلِمِ، ويَحْرِمُه مِيرَاثَ قَرِيبِه الكَافِرِ، ويَفسَخُ نِكاحَه. قُلْنا: أمَّا الزَّكاةُ](4) فإنَّها نَفعٌ؛ لأنَّها سَبَبُ الزِّيادَةِ والنَّماءِ، وتَحْصِينِ المالِ، والثَّوابِ، وأمَّا المِيراثُ والنَّفَقَةُ، فأمْرٌ مُتَوَهَّمٌ، وهو مَجْبُورٌ بمِيرَاثِه من أقارِبِه المسلمينَ، وسُقوطِ نَفَقَةِ أقارِبِه الكُفَّارِ، ثم إنَّ هذا الضَّرَرَ مَغْمُورٌ في جَنبِ ما يَحْصُلُ له من سعادةِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، وخَلاصِه من شَقاءِ الدَّارَين والخُلودِ في الجحيمِ فيُنَزَّلُ (5) منْزِلَةَ الضَّرَرِ في أكْلِ القُوتِ، المُتضمِّنِ افَوْتَ ما يَأْكُلُه وكُلْفَةَ
(1) انظر: الوسائل إلى معرفة الأوائل، للسيوطي 96.
(2)
في الأصل: «و» .
(3)
في الأصل: «يفضي» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في م: «منزل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَحْريكِ فِيه لمَّا كان بَقاؤُه به (1) لم يُعَدَّ ضَرَرًا، والضَّرَرُ في مسألتِنا في جَنْبِ ما يَحْصُلُ من النَّفْعِ، أدْنَى من ذلك بكثيرٍ.
فصل: واشْتَرَطَ الخِرَقِيُّ لصِحَّةِ إسْلامِه، أن يكونَ له عشرُ سِنِينَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بضَرْبِه على الصلاةِ لعَشْرٍ (2). وأن يكونَ ممَّن يَعْقِلُ الإِسْلامَ. ومعناه أن يَعْلَمَ أنَّ اللهَ تَعالى ربُّه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبْدُه ورسولُه. وهذا لا خِلافَ في اشْتِراطِه. فإنَّ الطِّفْلَ الذي لا يَعْقِلُ، لا يَتَحَقَّقُ منه اعْتِقادُ الإِسْلام، وإنَّما كلامُه لَقْلَقَةٌ بلسانِه، لا يَدُلُّ على شيءٍ. فأمَّا اشْتِراطُ العَشْرِ، فإنًّ أكثرَ المُصَحِّحِينَ لإِسْلامِه لم يَشْتَرِطُوا ذلك، ولم يَحُدُّوا له حَدًّا من السِّنينَ. وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ؛ لأنَّ المَقْصُودَ متى حَصَل، لم يَحْتَجْ إلى زِيادةٍ عليه. ورُوِيَ عن أحمدَ، رحمه الله، إذا كانَ ابنَ سَبْعِ سِنينَ، فإسْلامُه إسْلامٌ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ لِسَبْعٍ» (2). فدَلَّ على أنَّ ذلك حَدٌّ لأمْرهم، وصِحَّةِ
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 3/ 19.