الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ حَلَفَ فَقَال: إِنْ شاءَ اللهُ. لَمْ يَحْنَثْ، فَعَلَ أَوْ تَرَكَ، إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ.
ــ
4697 - مسألة: (فإن حَلَف فقال: إن شاءَ اللهُ. لم يَحْنَثْ، فَعَل أو تَرَك، إذا كان مُتَّصِلًا بيَمِينِه)
وجملةُ ذلك، أنَّ الحالِفَ إذا قال: إن شاء اللهُ. مع يَمِينِه، فهذا يُسَمَّى اسْتِثْناءً. فإنَّ (1) ابنَ عمرَ رَوَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«مَنْ حَلَفَ، فَقَال: إنْ شَاءَ اللهُ. [فَقَدِ اسْتَثْنَى] (2)» . روَاه أبو داودَ (3). وأجْمَعَ العُلَماءُ على تَسْمِيَته اسْتِثْناءً، وأنَّه متى اسْتَثْنَى في يَمِينِه، لم يَحْنَث فيها؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَن حَلَفَ، فَقَال: إنْ شَاءَ اللهُ. لَمْ يَحْنَثْ» . رَواه التِّرْمِذِي (4). وروَى أبو داودَ (5): «مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى، فإنْ شَاءَ رَجَعَ، وإنْ شَاءَ تَرَكَ» .
(1) في م: «قال» .
(2)
في م: «لم يحنث فعل أو ترك» .
(3)
تقدم تخريجه في 22/ 563.
(4)
تقدم تخريجه في 22/ 563.
وهذا الحديث إنما اختصره معمر، كما في المسند 2/ 301، فلا مدخل لعبد الرزاق في ذلك.
(5)
في باب الاستثناء في اليمين، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 202.
كما أخرجه النسائي، في: باب من حلف فاستثنى، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 12. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 2، 48، 49، 153.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه متى قال: لأَفعَلَنَّ إن شاء اللهُ. فقد عَلِمْنا أنَّه متى شاءَ اللهُ فَعَل، ومتى لم يَفْعَلْ لم يَشَأ اللهُ ذلك، فإنَّ ما شاءَ اللهُ كان، وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يُشْتَرَطُ أن يكونَ الاسْتِثْناءُ مُتَّصِلًا باليَمِينِ، بحيث لا يَفْصِلُ بينَهما بكلامٍ أجْنَبِيٍّ، ولا يَسْكُتُ بينَهما سُكوتًا يُمْكِنُه الكَلامُ فيه، فأمَّا السُّكوتُ لانْقِطاعِ نَفَسِه أو صَوْتِه، أو عِيٍّ، أو عارِضٍ، من عَطْسَةٍ، أو شيءٍ غيرها، فلا يَمْنَعُ صِحَّةَ الاسْتِثْناءِ، وثُبوتَ حُكْمِه. وبهذا قال مالكٌ، والثَّوْرِيُّ، وأبو عُبَيدٍ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْي؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ حَلَفَ، فاسْتَثْنَى» . وهذا يَقْتَضِي كَوْنَه (1) عَقِيبَه. ولأنَّ الاسْتِثْناءَ من تَمامِ الكلامِ، فاعْتُبرَ اتِّصالُه به، كالشَّرْطِ وجَوابِه، وخَبَرِ المُبْتَدَأ، والاسْتِثْناءِ بإلَّا، ولأنَّ الحالِفَ إذا سَكَت ثَبَت حُكْمُ يَمِينِه، وانْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لحُكْمِها، وبعدَ ثُبُوتِه لا يُمْكِنُ دَفْعُه (2) ولا تَغْيِيرُه. قال أحمدُ: حديثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرحمنِ بنِ سَمُرَةَ: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيتَ غَيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» (3).
(1) في الأصل: «أن يكون» .
(2)
في م: «رفعه» .
(3)
تقدم تخريجه في 23/ 207.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولَمْ يَقُلْ: فاسْتَثْنِ. ولو جازَ الاسْتِثْناءُ في كلِّ حالٍ، لم يَحْنَثْ حالِفٌ به. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخرَى، أنَّه يجوزُ الاسْتِثْناءُ إذا لم يَطُلِ الفَصْلُ بينَهما. قال في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ: حديثُ ابنِ عباسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«وَاللهَ لأغْزُوَنَّ قُريشًا» . ثم سَكَت، ثم قال:«إنْ شَاءَ اللهُ» (1). إنَّما هو اسْتِثْناءٌ بالقُرْبِ، ولم يخْلِطْ كلامَه بغيرِه. ونقَل عنه إسْماعيلُ بنُ سعيدٍ مثلَ هذا، وزادَ: ولا أقولُ فيه بقَوْلِ هؤلاءِ. يَعْنِي مَن (2) لم يَرَ ذلك إلَّا مُتَّصِلًا. ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ؛ فإنَّه قال: إذا لم يَكُنْ بينَ اليَمِينِ والاسْتِثْناءِ كلامٌ. ولم يَشْتَرِطِ اتِّصال الكلام، وعدمَ السُّكوتِ. وهذا قولُ الأوْزاعِيِّ، قال في رجلٍ، قال: لا أَفْعَلُ كذا وكذا. ثم سَكَت ساعَةً لا يَتَكَلَّمُ، ولا يُحَدِّث نَفْسَه بالاسْتِثْناءِ، فقال
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 207.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له إنْسانٌ: قُلْ: إن شاءَ اللهُ. [فقال: إن شاء اللهُ](1). أَيُكَفِّرُ عن يَمِينِه؟ قال: أراهُ قد اسْتَثْنَى. وقال قَتادَةُ: له أن يَسْتَثْنِيَ قبلَ أن يقومَ أو يتَكَلَّمَ. ووَجْهُ ذلك، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَثْنَى بعدَ سُكُوتِه، إذْ قال:«وَاللهِ لَأغْزُوَنَّ قُرَيشًا» . ثم سَكَتَ، ثم قال:«إنْ شَاءَ اللهُ» . احْتَجَّ به أحمدُ، ورَواه أبو داودَ. وزاد (2): قال الوليدُ بنُ مسلم: ولم يَغْزُهُم. ويُشْتَرَطُ على هذه الرِّوايَةِ أن لا يُطِيلَ الفَصْلَ بينَهما، ولا يَتَكَلَّمَ بينَهما بكَلامٍ أجْنَبِيٍّ. وحَكَى ابنُ أبي موسى عن بعضِ أصحابِنا، أنَّه قال: يَصِحُّ الاسْتِثْناءُ ما دامَ في المَجْلِسِ. وحُكِيَ ذلك عن الحسنِ، وعَطاءٍ. وعن عَطاءٍ أنَّه قال: قَدْر حَلْبِ النَّاقَةِ الغَرُوزَةِ (3). وعن ابنِ عباسٍ، أنَّ له أن يَسْتَثْنِيَ بعدَ حِينٍ (4). وهو قولُ مُجاهِدٍ. وهذا القولُ لا يَصِحُّ؛ لِما ذَكَرْناه، وتَقْديرُه بمَجْلِسٍ أو غيرِه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ التَّقْديراتِ بابُها التَّوْقِيفُ، فلا يُصارُ إليها (5) بالتَّحَكُّمِ.
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «الغروزة» . وغرزت الناقة: قل لبنها.
(4)
أخرجه البيهقي، في: باب الحالف يسكت بين يمينه واستثنائه، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 48.
(5)
في م: «إليه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُشْتَرَطُ أن يَسْتَثْنِيَ بلِسانِه، ولا يَنْفَعُه الاسْتِثْناءُ بالقَلْبِ في قول عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ منهم الحسنُ، والنَّخَعِيُّ، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، والأَوْزاعِيُّ، واللَّيثُ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو حنيفةَ، وابنُ المُنْذِرِ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ حَلَفَ، فَقَال: إنْ شَاءَ اللهُ. لَمْ يَحْنَثْ» . والقولُ هو النُّطْقُ، ولأنَّ اليَمِينَ لا تَنْعَقِدُ بالنَّيَّةِ، وكذلك الاسْتِثْناءُ. وقد رُوِيَ عن أحمدَ: إن كان مَظْلُومًا فاسْتَثْنَى في نفْسِه، رَجَوْتُ (1) أنْ يجوزَ، إذا خافَ على نَفْسِه. فهذا في حَقِّ الخائِفِ على نفسِه؛ لأنَّ يَمِينَه غيرُ مُنْعَقِدَةٍ، أو لأنَّه بمنزِلَةِ المُتَأَوِّلِ، وأمَّا في حَقِّ غيرِه فلا.
(1) في الأصل: «وجب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: واشْتَرَطَ القاضِي [أن يَقْصِدَ](1) الاسْتِثْناءَ، فلو أرادَ الجَزْمَ، فسَبَقَ لِسانُه إلى الاسْتِثْناءِ مِن غيرِ قَصْدٍ، أو كانت عادَتُه جارِيَةً بالاسْتِثْناءِ، فجرَى على لِسانِه من غيرِ قَصْدٍ، لم يَصِحَّ، لأنَّ اليَمِينَ لَمّا لم تَنْعَقِدْ مِن غيرِ قَصْدٍ، فكذلك الاسْتِثْناءُ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. وذَكَر بعضُهم أنَّه لا يَصِحُّ الاسْتِثْناءُ حتَّى يَقْصِدَه مع ابتِدَاءِ (2) يَمينِه (3)، فلو حَلَف غيرَ قاصِدٍ للاسْتِثْناءِ، ثم عَرَض له بعدَ فَرَاغِه من اليَمِينِ فاسْتَثْنَى، لم يَنْفَعْه. وهذا القولُ يُخالِفُ عُمومَ الخَبَرِ، وهو قولُه، عليه السلام:«مَنْ حَلَفَ، فَقَال: إنْ شَاءَ اللهُ. لَمْ يَحْنَثْ» . فلا يَصِحُّ، ولأنَّ لَفْظَ الاسْتِثْناء يكونُ عَقِيبَ يَمِينِه، فكذلك نِيَّتُه.
(1) في م: «قصد» .
(2)
في م: «ابتدائه» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَصِحُّ الاسْتِثْناءُ في كُلِّ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ، كاليَمِينِ باللهِ تعالى، والظِّهارِ، والنَّذْرِ. قال ابنُ أبي موسى. مَنْ اسْتَثْنَى في يَمِينٍ تَدْخُلُها كَفَّارَةٌ، فله ثُنْيَاهُ (1)؛ لأنَّها أَيمانٌ مُكَفَّرَةْ، فدَخَلَها الاسْتِثْناءُ، كاليَمِينِ باللهِ تعالى، فلو قال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي، إن شاءَ اللهُ. [أو أنْتِ حَرامٌ، إن شاء اللهُ. أو: إن دخَلْتِ الدّارَ فأنْتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي، إن شاء اللهُ](2). أو: للهِ عليَّ أن أتَصَدَّقَ بمائَةِ دِرْهَمٍ، إن شَاءَ اللهُ. لم يَلْزَمْه شيءٌ؛ لأنَّها أيمانٌ، فتَدْخُلُ في عُمومِ قولِه:«مَنْ حَلَفَ، فَقَال: إنْ شاءَ اللهُ. لَمْ يَحْنَثْ» .
فصل: فإن قال: واللهِ لأَشْرَبَنَّ اليومَ، إلَّا أن يشاءَ اللهُ. أو: لا أشْرَبُ، إلَّا أن يشاءَ اللهُ. لم يَحْنَثْ بالشُّرْبِ ولا تَرْكِه، لِما ذَكَرْنا في الإِثْباتِ. ولا فَرْقَ بينَ تَقْديمِ الاسْتِثْناءِ وتَأْخيرِه في هذا كُلِّه، فإذا قال: واللهِ، إن شَاءَ اللهُ، لا أشْرَبُ اليومَ. أو: لأشْرَبَنَّ (3). ففَعَلَ أو تَرَك،
(1) أي: استثناؤه.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «لا أشربن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يَحْنَثْ؛ لأنَّ تَقْدِيمَ الشَّرْطِ وتَأْخِيرَه سَواءٌ، قال اللهُ تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} (1).
فصل: فإن قال: واللهِ لأشْرَبَنَّ اليومَ، إن شاءَ زَيدٌ. فشاءَ زَيدٌ، ولم يَشْرَبْ حتَّى مَضَى اليومُ، حَنِثَ، وإن لم يَشَأْ زَيدٌ، لم تَلْزَمْه يَمِينٌ، فإن لم تُعْلَمْ مَشِيئَتُه لغَيبَةٍ أو جُنونٍ أو مَوْتٍ انْحَلَّتِ اليَمِينُ؛ لأنَّه لم يُوجَدِ الشَّرْطُ. وإن قال: واللهِ لا أشْرَبُ، إلَّا أن يَشاءَ زيدٌ. فقد مَنَع نَفسَه الشُّرْبَ إلَّا أن تُوجَدَ مَشِيئَةُ زيدٍ، فإن شاءَ فله الشُّرْبُ، وإن لم يَشأْ لم يَشْرَبْ، وإن خَفِيَتْ مَشِيئَتُه لغَيبَةٍ أو موتٍ أو جُنونٍ، لم يَشْرَبْ، وإنْ شَرِبَ حَنِثَ؛ لأنَّه مَنَع نَفْسَه إلَّا أن تُوجَدَ المَشِيئَةُ. (2) ولم يَكُنْ له أن يَشْرَبَ قبلَ وُجودِها. وإن قال: واللهِ لأشْرَبَنَّ، إلَّا أن يشاءَ زيدٌ. فقد ألْزَمَ نَفْسَه الشُّرْبَ إلَّا أن يَشاءَ زيدٌ أن لا يَشْرَبَ؛ لأنَّ الاسْتِثْناءَ ضِدُّ المُسْتَثْنَى منه، والمُسْتَثْنَى منه إيجابٌ لشربِه بيَمِينِه، فإن شَرِبَ قبلَ مَشِيئَةِ زيدٍ بَرَّ. وإن قال زيدٌ: قد شِئتُ أن لا يَشْرَبَ. انْحَلَّتْ يَمِينُه؛ لأنَّها مُعَلَّقَةٌ بعَدَمِ مَشِيئَتِه لتَرْكِ الشربِ، وإن لم تَتَقَدَّمْ فلم يُوجَدْ شَرْطُها. وإن قال: قد
(1) سورة النساء 176.
(2)
ما بين المعكوفين لم يرد في ق، ص، م، وغير واضح في الأصل، واستدركناه من: ر 3، وفي حاشية «م» إشارة إلى هذا السقط.