الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4686 - مسألة: وإن قال: وأمانَةِ اللهِ. فقال القَاضِي: لا يَخْتَلِفُ المذهبُ في أنَّ الحَلِفَ بأمانَةِ اللهِ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ. وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشافعيُّ: لا تَنْعَقِدُ اليَمِينُ بها، إلَّا أن يَنْويَ الحَلِفَ بِصِفَةِ اللهِ؛ لأنَّ الأمانةَ تُطْلَقُ على الفَرائِض والوَدائِعِ والحُقوقِ، قال اللهُ تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَينَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ}
(1). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (2). يَعْنِي الوَدائِعَ والحُقوقَ. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أدِّ الأمَانَةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، ولَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» (3). وإذا كان اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لم يُصْرَفْ إلى أحَدِ مُحْتَمِلاتِه إلَّا بنِيَّتِه (4) أو دليلٍ صارِفٍ إليه. ولَنا، أنَّ أمانَةَ اللهِ صِفَةٌ من صِفاتِه، بدليلِ وُجوبِ الكَفَّارَةِ على مَن حَلَف بها إذا نَوَى، [ويَجِبُ](5) حَمْلُها على ذلك عندَ الإِطْلاقِ؛ لوُجوهٍ؛ أحَدُها، أنَّ حَمْلَها على غيرِ ذلك صَرْفٌ ليَمِينِ المسلمِ إلى المَعْصِيَةِ،
(1) سورة الأحزاب 72.
(2)
سورة النساء 58.
(3)
تقدم تخريجه في 16/ 5.
(4)
في م: «ببينة» .
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو المَكْرُوهِ؛ لكَوْنِه قَسَمًا بمَخْلُوقٍ، والظَّاهِرُ من حالِ المسلمِ خِلَافُه. الثاني، أنَّ القَسَمَ في العادَةِ يكونُ بالمُعَظَّمِ المُحْتَرَمِ دونَ غيرِه، وصِفَةُ اللهِ أعْظَمُ حُرْمَةً وقَدْرًا. الثالِثُ، أنَّ ما ذكَرُوه من الفَرائِضِ والوَدائِعِ لم يُعْهَدِ القَسَمُ بها، ولا يُسْتَحْسَنُ ذلك لو صرّحَ به، فكذلك (1) لا يُقْسَمُ بما هو عِبارةٌ عنه. الرابعُ، أنَّ أمانَةَ اللهِ المُضافَةَ إليه، هي صِفَتُه، وغيرُها يُذْكَرُ غيرَ مُضافٍ إليه، كما ذُكِرَ في الآياتِ والخَبَرِ. الخامسُ، أنَّ اللَّفْظَ عامٌّ في كلِّ أمانَةٍ للهِ (2)؛ لأنَّ اسمَ الجِنْسَ إذا أُضِيفَ إلى مَعْرِفَةٍ، أفادَ الاسْتِغْراقَ، فتَدْخُلُ فيه أمانَةُ اللهِ التي هي صِفَتُه، فتَنْعَقِدُ اليَمِينُ بها مُوجِبَةً للكَفَّارَةِ، كما لو نَواها.
فصل: والقَسَمُ بصِفَاتِ اللهِ تعالى، كالقَسَمِ بأسْمائِه. وصِفاتُه تَنْقَسِمُ ثلاثَةَ أقْسَامٍ؛ أحَدُها، ما هو صِفاتٌ لذاتِ اللهِ تعالى، لا يَحْتَمِلُ غيرَها، كعِزَّةِ اللهِ، وعَظَمَتِه، وجَلَالِه، وكِبْرِيائِه، وكَلامِه، فهذه تَنْعَقِدُ بها اليَمِينُ في قَوْلِهم جميعًا. وبه يقولُ الشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأْي؛ لأنَّ هذه مِن صِفاتِ ذَاتِه، لم يَزَلْ مَوْصُوفًا بها، وقد وَرَد الأثَرُ بالقَسَمِ ببَعْضِها، فرُويَ أنَّ النَّارَ تقولُ:«قَطِ قَطِ (3)، وعِزَّتِكَ» . روَاه البُخَارِيُّ (4). والذي يَخْرُجُ مِن النَّارِ يقولُ: «وعِزَّتِكَ، لَا
(1) في م: «فلذلك» .
(2)
في ر 3، م:«الله» .
(3)
قط قط: حسبي حسبي.
(4)
في: باب تفسير سورة ق، من كتاب التفسير، وفي: باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته، من كتاب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أسْأَلُكَ غَيرَها» (1). وفي كتابِ اللهِ تعالى: {قَال فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْويَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (2). الثاني، ما هو صِفَةٌ للذَّاتِ، إلَّا أنَّه يُعَبَّرُ به عن غيرِها مَجازًا، كعِلْمِ اللهِ وقُدْرَتِه، فهذه صِفَةٌ للذَّاتِ لم يَزَلْ مَوْصُوفًا بها، وقد تُسْتَعْمَلُ في المَعْلُومِ والمَقْدُورِ اتِّساعًا (3)، كقولِهم: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا عِلْمَك فينا. ويقالُ: اللَّهُمَّ قد أرَيتَنا قُدْرَتَك، فأَرِنَا عَفْوَكَ. ويُقالُ: انْظُرُوا إلى قُدْرَةِ اللهِ. أي مَقْدُورِه. فمتى أقْسَمَ بهذا، كان يَمِينًا. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا قال: وعِلْمِ اللهِ. لا يكونُ يَمِينًا؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ المَعْلُومَ. ولَنا، أنَّ العِلْمَ من صِفاتِ الله تعالى، فكانتِ اليَمِينُ به يَمِينًا مُوجِبَةً للكَفَّارَةِ، كالعَظَمَةِ، والعِزَّةِ، والقُدْرَةِ، ويَنْتَقِضُ ما ذَكَرُوه بالقُدْرَةِ، فإنَّهم قد سَلَّمُوها، وهي قَرِينَتُها. فأمَّا إن نوَى القَسَمَ بالمَعْلُومِ والمَقْدُورِ، احْتَمَلَ أن لا يكونَ يَمِينًا. وهو قولُ أصحابِ الشافعيِّ؛ لأنَّه نَوَى بالاسمِ غيرَ صِفَةِ اللهِ تعالى، مع احْتِمالِ اللَّفْظِ ما
= الأيمان، وفي: باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 6/ 173، 8/ 168، 9/ 143: ولم يرد في الموضع الأول: «وعزتك» .
كما أخرجه الترمذي، في: باب ومن سورة ق، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذي 12/ 159، 160. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 134، 141، 234.
(1)
أخرجه البخاري، في: باب الصراط جسر جهنم، من كتاب الرقاق، وفي: باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته، من كتاب الأيمان، وفي: باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تعليقًا، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري 8/ 148، 167، 168، 9/ 143. ومسلم، في: باب معرفة طريق الرؤية، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 1/ 166. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 276، 293، 534، 3/ 27.
(2)
سورة ص 82.
(3)
في م: «أقساما» .