الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ نَظَرَ في بَيتِهِ مِنْ خَصاصِ الْبَابِ، أَوْ نَحْوهِ، فَحَذَفَ عَينَهُ
ــ
برِجْلِه، فوَقَعَ على الغُلام، فكَسَرَ بعضَ أسنانِه، فاخْتَصَمُوا إلى شُرَيح، فقال شُرَيحٌ: لا أعْقِلُ الكَلْبَ الهَرَّارَ. قال القاضي: يُخَلِّصُ المَعْضُوضُ يَدَه بأسْهَلِ ما يُمْكِنُه، فإن أمْكَنَه فَكُّ لَحْيَيه بيَدِه الأُخْرَى فَعَلَ، وإن لم يُمْكِنْه لَكَمَه في (1) فَكِّه، فإن لم يُمْكِنْه، فله أنَّ يَبْعَجَ بَطْنَه، وإن أتَى على نَفْسِه. قال شيخُنا (2): والصَّحِيحُ أنَّ هذا الترتيبَ غيرُ مُعْتَبَر، وله أنَّ يَجْذِبَ يَدَه أوَّلًا، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم (3) يَسْتَفْصلْ، ولأنَّه لا يَلْزَمُه تَرْكُ يَدِه في فَمِ العاضِّ حتى يَتَحَيَّلَ بهذه الأشياءِ المَذْكُورَةِ، ولأنَّ جَذبَ يَدِه مُجَرَّدُ (4) تَخْلِيصِ يَدِه (4)، وما حَصَل من سُقُوطِ الأسْنانِ حَصلَ ضرُورةَ التَّخْلِيصِ الجائزِ، ولَكْمُ فَكِّه جِنَايَةٌ غيرُ التَّخْلِيصِ، ورُبَّما تَضَمَّنَتِ التَّخْلِيصَ، وربَّما أتْلَفَتِ الأسْنانَ التي لم يَحْصُلِ العَضُ بها، فكانت البِداءَةُ بجَذْبِ يَدِه أوْلَى. ويَنْبَغِي أنَّه متى أمْكَنَه جَذْبُ يَدِه، فعَدَلَ إلى لَكْمِ فَكِّه، فأتْلَفَ سِنًّا، ضَمِنَه؛ لإِمْكانِ التَّخَلّصِ بما هو أوْلَى منه.
4550 - مسألة: (وإن نَظَر في بَيتِه من خَصاصِ البابِ، أو نحوه
،
(1) في م: «على» .
(2)
في: المغني 12/ 538.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: م.
فَفَقَأَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيهِ.
ــ
فحذَفَ عَينَه، ففَقَأهَا، فلا شيءَ عليه) وجملةُ ذلك، أنّ مَن اطَّلَعَ في بيتِ إنسانٍ من ثَقْبٍ، أو شَقِّ بابٍ، أو نحوه، فرَماهُ صاحِبُ الدَّارِ بحَصاةٍ، أو طَعَنَه بعُودٍ، فقَلَع عَينَه، لم يَكُنْ عليه جُناحٌ، ولا يَضْمَنُها. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَضْمَنُها؛ لأنَّه لو دَخَل مَنْزِلَه، ونَظَر فيه، أو نال من امرأتِه ما دُونَ الفَرْجِ، لم يَجُزْ قَلْعُ عَينِه فبمُجَرَّدِ النَّظَرِ أولَى. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيرَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لَوْ أنَّ امْرَأَ اطَّلَعَ عَلَيكَ بِغَيرِ إذْنٍ، فحَذَفْتَه بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَينَه، لَمْ يَكُنْ عَلَيكَ جُنَاحٌ» . وعن سهلِ بنِ سعدٍ، أنَّ رجلًا اطَّلَعَ في جُحْر مِن بابِ النبيِّ، صلى الله عليه وسلم، [ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم](1) يَحكُّ رَأسَه بِمِدْرًى (2) في يَدِه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ عَلِمْتُ أنَّكَ تَنْظُرُنِي، لَطَمَسْتُ (3)، أو: لَطَعَنْتُ بِهَا فِي
(1) سقط من: م.
(2)
المدرى: عود يُدْخَلُ في الرأس ليضم بعض الشعر إلى بعض.
(3)
في م: «لطمت» . ولم نجد الكلمة في مصادر التخريج.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَينِكَ». مُتَّفَقٌ عليهما (1). ويُفارِقُ ما قاسُوا عليه؛ لأنَّ مَن دَخَل المنزلَ يُعْلَمُ به، فيُسْتَتَرُ منه، بخِلافِ النَّاظِرِ من ثَقْبٍ، فإنَّه يَرَى من غيرِ عِلْم به، ثم الخبرُ أوْلَى من القِياسِ. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه لا يُعْتَبَرُ في هذا أنَّه لا يُمْكِنُه دَفْعُه إلَّا بذلك، لظاهِرِ الخبرِ. وقال ابنُ حامدٍ: يَدْفَعُه بأسْهَلِ ما يُمْكِنُه دَفْعُه به (2)، يقولُ له أوَّلًا: انْصَرِفْ. فإن لم يَفْعَلْ، أشارَ إليه أنَّه يَحْذِفُه، فإن لم يَنْصَرِفْ، فله حَذْفُه حينَئذٍ. واتِّباعُ السُّنَّةِ أوْلَى. فإن تَرَك الاطِّلاع ومَضَى، لم يَجُزْ رَمْيُه، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَطْعَنِ الذي اطَّلَع ثم انْصَرَف، ولأنَّه تَرَكَ الجنايَةَ، فأشْبَهَ مَن عَضَّ ثم تَرَكَ العَضَّ، لم يَجُزْ قَلْعُ أسْنانِه. وسَواءٌ كان المكانُ المُطَّلَعُ منه صغيرًا،
(1) الأول، أخرجه البخاري، في: باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان، وباب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه. . . .، من كتاب الديات. صحيح البخاري 9/ 8، 9، 13. ومسلم، في: باب تحريم النظر في بيت غيره، من كتاب الآداب. صحيح مسلم 3/ 1699.
كما أخرجه النسائي، في: باب من اقتص وأخذ حقه دون السلطان، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 55. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 243.
والثاني، أخرجه البخاري، في: باب الامتشاط، من كتاب اللباس، وفي: باب الاستئذان من أجل البصر، من كتاب الاستئذان. صحيح البخاري 7/ 211، 8/ 66. ومسلم، في: باب تحريم النظر في بيت غيره، من كتاب الآداب. صحيح مسلم 3/ 1698.
كما أخرجه الترمذي، في: باب من اطلع في دار قوم بغير إذنهم، من أبواب الاستئذان. عارضة الأحوذي 10/ 178. والنسائي، في: باب ذكر حديث عمرو بن حزم في العقول، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 54، 55. والدارمي، في: باب من اطلع في دار قوم بغير إذنهم، من كتاب الديات. سنن الدارمي 2/ 197، 198. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 330، 334، 335.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كثَقْبٍ أوْ شَقٍّ، أو واسِعًا، كنَقْبٍ كبيرٍ. وذَكَر بعضُ أصحابِنا أنَّ البابَ المفتوحَ كذلك، والأوْلَى أنَّه لا يجوزُ حَذْف مَن نَظَرَ من بابٍ مفتوح؛ لأنَّ التَّفْرِيطَ من تارِكِ الباب مَفْتُوحًا، والظَّاهِرُ أنَّ من تَرَكَ بابَه (1) مفتوحًا، أنَّه يَسْتَتِرُ، لعِلْمِه أنَّ النَّاسَ يَنْظُرونَ منه، ويَعْلَمُ بالنَّاظِرِ فيه، والواقِفِ عليه، فلم يَجُزْ رَمْيُه، كدَاخِلِ الدَّارِ. وإن اطَّلَع، فرَماه صاحِبُ الدَّارِ، فقال المُطَّلِعُ: ما تَعَمَّدْتُه. لم يَضْمَنْه، على ظاهرِ كلامِ أحمدَ؛ لأنَّ الاطِّلاعَ قد وُجِدَ، والرَّامِي لا يَعْلَمُ ما في قَلْبِه (2). وعلى قولِ ابنِ حامدٍ، يَضْمَنُه؛ لأنَّه لم يَدْفَعْه بما هو أسْهَلُ. وكذلك لو قال: لم أرَ شيئًا حينَ اطَّلَعْتُ. وإن كان المُطَّلِعُ أعْمَى، لم يَجُزْ رَمْيُه؛ لأنَّه لا يَرَى شَيئًا، ولو كان إنْسانٌ عُرْيانًا في طَرِيقٍ، لم يَكُنْ له رَمْيُ مَن نَظَر إليه؛ لأنَّه المُفَرِّطُ. وإن كان المُطَّلِعُ في الدَّارِ من مَحارِم النِّساءِ اللَّائي فيها، فقال بعضُ أصحابِنا: ليس لصاحِبِ الدَّارِ رَمْيُه، إلَّا أَن يَكُنَّ مُتَجَرِّدَاتٍ،
(1) في م: «الباب» .
(2)
في الأصل: «قتله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَصِرْنَ كالأجانِبِ. وظاهِرُ الخبرِ أنَّ لصاحِبِ الدَّارِ رَمْيَه، سَواءٌ كان فيها نِساءٌ أو لم يَكُنْ؛ لأنَّه لم يَذْكُرْ أنَّه كان في الدَّارِ التي اطَّلَع فيها على النبيِّ صلى الله عليه وسلم نِساءٌ. وقولُه:«لَوْ أنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيكَ بِغَيرِ إذْنٍ، فحَذَفْتَهُ [ففَقَأْتَ عَينَهُ] (1)» . عامٌّ في الدَّارِ التي فيها نِساءٌ وغيرِها.
فصل: وليس لصاحبِ الدَّارِ رَمْيُ النَّاظِرِ بما يَقْتُلُه ابْتِداءً، فإن رَمَاهُ بحَجَرٍ يَقْتُلُه، أو حَدِيدَةٍ تَقْتُلُه، ضَمِنَه بالقِصَاصِ؛ لأنَّه إنَّما له ما يَقْلَعُ به (2) العَينَ المُبْصِرَةَ، التي حَصَل الأذَى منها، دُونَ ما يَتَعَدَّى إلى غيرِها، فإن لم يَنْدَفِعِ المُطَّلِعُ برَمْيِه بالشَّيءِ اليَسِيرِ، جازَ رَمْيُه بأكْبَرَ منه، حتى يَأْتِيَ ذلك على نفْسِه، وسَواءٌ كان النَّاظِرُ في الطرَّيقِ، أو مِلْكِ نَفسِه، أو غيرِ ذلك. واللهُ أعلمُ.
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.