الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكْفُرُ إلا الْحَجَّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ.
فَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ،
ــ
لم يَكْفُرْ. وعنه، يَكْفُرُ) وقد ذَكَرْنا تَوْجِيهَ الرِّوايَتَين في بابِ مَن ترَك الصلاةَ. فأمَّا (الحَجُّ، فلا يَكْفُرُ بتَأْخِيرِه بحالٍ) لأنَّ في وَجُوبِه على الفَوْرِ خِلافًا بينَ العلماءِ، على ما ذُكِر في مَوْضِعِه.
4582 - مسألة: (ومَن ارْتَدَّ عن الإِسلامِ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ
،
دُعِيَ إِلَيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَضُيِّقَ عَلَيهِ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ، قُتِلَ.
ــ
وهو بالِغٌ عاقِلٌ، دُعِيَ إليه ثَلاثَةَ أيَّامٍ، وضُيِّقَ عليه، فإن لم يتُبْ قُتِلَ) الكلامُ في هذه المسألةِ في خمسةِ فُصولٍ، أحدُها: أنَّه لا فَرْقَ بينَ الرِّجال والنِّساءِ في وُجوبِ القتلِ. رُوِيَ ذلك عن أبي بكرٍ، وعليٍّ (1)، رضي الله عنهما. وبه قال الحسنُ، والزُّهْرِيُّ، والنَّخَعِيُّ، ومَكْحُولٌ، وحَمَّادٌ، ومالكٌ، واللَّيثُ، والشافعيُّ، وإسحاقُ. ورُوِيَ عن عليٍّ، والحسنِ، وقَتادَةَ، أنَّها تُسْتَرَقُّ ولا تُقْتَل؛ لأنَّ أبا بكرٍ اسْتَرَقَّ نِساءَ بني حنيفةَ، وذَرَارِيَّهم، وأعْطَى عليًّا امرأةً منهم، فوَلَدَت له محمدَ بنَ الحَنَفِيَّةِ (2)، وكان (3) هذا بمَحْضَرٍ من الصحابةِ، فلم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا. وقال أبو حنيفةَ: تُجْبَرُ على الإسْلامِ بالحَبْسِ والضَّرْبِ، ولا تُقتَلُ؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً» (4). ولأنَّها لا تُقْتَلُ بالكُفْرِ الأصْلِيِّ، فلا تُقْتَلُ بالطَّارِئ، كالصَّبِيِّ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» .
(1) في م: «عمر» .
(2)
انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد 5/ 91.
(3)
سقط من: م.
(4)
أخرجه عبد الرزاق، في: حديث الأوس والخزرج، من كتاب المغازي. المصنف 5/ 407 - 410. والبيهقي، في: باب ترك قتال من لا قتال فيه. . . .، من كتاب السير. السنن الكبرى 9/ 90، 91. وانظر ما تقدم في: 10/ 70، 71.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَواه البخاريُّ، وأبو داودَ (1). وقال عليه الصلاة والسلام:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِم إلَّا بإحْدَى ثَلَاثٍ؛ الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِيِنِهِ المُفَارِقُ للْجَمَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وروَى الدَّارَقُطْنِيُّ (3)، أنَّ امرأةً يُقالُ لها: أُمُّ مَرْوانَ، ارْتَدَّتْ عن الإِسْلامِ، فبَلَغَ امْرُها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فأمَرَ أن تُسْتَتابَ، فإن تابَتْ، وإلَّا قُتِلَتْ. ولأنَّها شَخْصٌ مُكَلَّفٌ بَدَّلَ دِينَ الحَقِّ بالباطلِ، فتُقْتَلُ كالرجُلِ. وأمَّا نَهْيُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن قَتْلِ المرأةِ، فالمُرادُ به الأصلِيَّةُ، فإنَّه (4) قال ذلك حينَ رَأى امرأةً مَقْتُولَةً، وكانت كافِرَةً أصْلِيَّةً، وكذلك نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذين بَعَثَهم إلى ابنِ أبي الحُقَيقِ (5) عن قتلِ النِّساءِ (6)، ولم يَكُنْ فيهم مُرْتَدٌّ. ويُخالِفُ الكُفْرُ الأصْلِيُّ الطارِئَ، بدليلِ أنَّ الرَّجُلَ يُقَرُّ عليه، ولا يُقْتَلُ الشُّيوخُ، ولا المَكافِيفُ، ولا تُجْبَرُ المرأةُ على تَرْكِه بضَرْبٍ ولا حَبْسٍ، والكُفْرُ
(1) تقدم تخريجه في 21/ 42.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 25.
(3)
في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني 3/ 118.
كما أخرجه البيهقي، في: باب قتل من ارتد. . . .، من كتاب المرتد. السنن الكبرى 8/ 203.
وهو حديث ضعيف. انظر تلخيص الحبير 4/ 49، والإرواء 8/ 125، 126.
(4)
سقط من: م.
(5)
في م: «الحقيقق» .
(6)
أخرجه البيهقي، في: باب النهي عن قصد النساء والولدان بالقتل، من كتاب الجهاد. السنن الكبرى 9/ 77. وابن أبي شيبة، في: باب من ينهى عن قتله في دار الحرب، من كتاب الجهاد. المصنف 12/ 381، 382. وعبد الرزاق، في: باب البيات، من كتاب الجهاد. المصنف 5/ 202. وسعيد بن منصور، في: باب ما جاء في قتل النساء والولدان، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 239.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الطارئُ (1) بخِلافِه، والصَّبِيُّ غيرُ مُكَلَّفٍ، بخِلافِ المرأةِ. وأمَّا بنو حنيفةَ، فلم يَثْبُتْ أنَّ مَن اسْتُرِقَّ منهم تَقَدَّمَ له إسْلامٌ، ولم يَكُنْ بنو حنيفةَ أسْلَمُوا كلُّهم، وإنَّما أسْلَمَ بعضُهم، والظَّاهِرُ أنَّ الذين أسْلَمُوا كانوا رِجالًا، فمنهم مَن ثَبَت على إسْلامِه، منهم ثُمامةُ بنُ أُثالٍ، ومنهم مَن ارْتَدَّ، منهم الدَّجَّالُ الحَنَفِيُّ. الفصلُ الثاني: أنَّ الرِّدَّةَ لا تَصِحُّ إلَّا من عاقلٍ، فأمَّا الطِّفْلُ الذي لا يَعْقِلُ، والمجْنونُ، ومَن زال عَقْلُه بنَوْمٍ، أو إغْماءٍ، أو شُرْبِ دَواءٍ مُباحٍ شُرْبُه، فلا تَصِحُّ رِدَّتُه، ولا حُكْمَ لكَلامِه، بغيرِ خِلافٍ. قال ابنُ المُنْذِرِ (2): أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ المجنونَ إذا ارْتَدَّ في حالِ جُنونِه، أنَّه (3) مسلمٌ على ما كان عليه قبلَ ذلك، ولو قَتَلَه قاتِلٌ عَمْدًا، كان عليه القَوَدُ، إذا طَلَب أوْلِياؤُه. وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» . أخْرَجَه أبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ (4)، وقال: حديثٌ حسنٌ. ولأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، فلم يُؤاخَذْ بكَلامِه، كما لم يُؤاخَذْ به في إقرارِه، ولا طَلاقِه، ولا عَتاقِه. وأمَّا السَّكْرانُ، والصَّبِيُّ العاقلُ، فيُذْكَرُ حُكْمُهُمَا فيما بعدُ، إن شاءَ اللهُ تعالى.
الفصلُ الثالثُ: أنَّه لا يُقْتَلُ حتى يُسْتَتابَ ثلاثًا. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ
(1) في م: «الأصلي» .
(2)
في: الإشراف 3/ 159، والإجماع 76.
(3)
سقط من: م.
(4)
تقدم تخريجه في: 3/ 15. وانظر طرقه وألفاظه والإرواء 2/ 4 - 7.
وَعَنْهُ، لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُ في الْحَالِ.
ــ
العلمِ؛ منهم عمرُ وعليٌّ (1) وعَطاءٌ، والنَّخَعِيّ، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزاعِيُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأْي. وهذا أحدُ قَوْلَي الشافعيِّ. وعن أحمدَ، رِوايةٌ أُخْرَى (2)(لا تجبُ اسْتِتَابَتُه، بل تُسْتَحَبُّ) وهو القولُ الثاني للشافعيِّ. وبه قال عُبَيدُ بنُ عُمَيرٍ، وطاوُسٌ. ويُرْوَى ذلك (1) عن الحسنِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» . ولم يَذْكُرِ اسْتِتابَةً. ورُوِيَ أنَّ مُعاذًا قَدِمَ على أبي موسى، فوَجَدَ عندَه رجلًا مُوثَقًا، فقال: ما هذا؟ قال: رجل كان يَهُودِيًّا فأسْلَمَ، ثم راجَعَ دِينَه دينَ السَّوْءِ فتَهَوَّد. فقال: لا أجْلِسُ حتى يُقْتَلَ، قَضاءُ اللهِ ورسولِه (3). ثلاثَ مَرَّاتٍ، [فأمَرَ به](4) فقُتِلَ. مُتَّفَق عليه (5). ولم يَذْكُرِ اسْتِتابَةً؛
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «ثانية» .
(3)
بعده في الأصل، ر 3:«قال: اجلس. نعم. قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله» . وهو لفظ مسلم وأبي داود.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
أخرجه البخاري، في: باب حكم المرتد والمرتدة، من كتاب استتابة المرتدين. . . . صحيح البخاري 9/ 19. ومسلم، في: باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، من كتاب الإمارة. صحيح مسلم 3/ 1457.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الحكم في من ارتد، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 441. والنسائي، في: باب الحكم في المرتد، من كتاب التحريم. المجتبى 7/ 97. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 409.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه يُقْتَلُ لكُفْرِه، فلم تَجِبِ اسْتِتابَتُه كالأصْلِيِّ، ولأنَّه لو قُتِلَ قبلَ الاسْتِتابَةِ، لم يُضْمَنْ، ولو حَرُمَ قَتْلُه قبلَه (1) ضُمِنَ. وقال عطاءٌ: إن كان مسلمًا أصْلِيًّا، لم يُسْتَتَبْ، وإن كان أسْلَمَ ثمَّ ارْتَدَّ اسْتُتِيبَ. ولَنا، حديثُ أُمِّ مَرْوانَ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ أن تُسْتَتابَ. وروَى مالكٌ، في «المُوطَّأ» (2) عن عبدِ الرحمنِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبدٍ القارِيِّ، عن أبِيه، أنَّه قَدِمَ على عمرَ رجلٌ من قِبَلِ أبي موسى، فقال له عمرُ: هل كان مِن مُغَرِّبةِ خَبَرٍ (3)؟ قال: نعم، رجلٌ كَفَر بعدَ إسْلامِه. فقال: ما فَعَلْتُم به؟ قال: قَرَّبْناه، فَضَرَبْنا عُنُقَه. فقال عمرُ: فَهَلَّا حَبَسْتُمُوه ثلاثًا، فأطْعَمْتُمُوه كلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، واسْتَتَبْتُمُوه، لعلَّه يَتُوبُ، أو (4) يُرَاجِعُ أمْرَ اللهِ؟ اللَّهُمَّ إنِّي (5) لم أحْضُرْ، ولم آمُرْ، ولم أرْضَ إذْ بَلَغَنِي. ولو لم تَجِبِ اسْتِتابَتُه لَمَا بَرِئَ من فِعْلِهم. ولأنَّه أمْكَنَ اسْتِصْلاحُه، فلم يَجُزْ إتْلافُه قبلَ اسْتِصْلاحِه، كالثَّوْبِ النَّجِسِ. وأمَّا الأمْرُ بقَتْلِه، فالمُرادُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في: باب القضاء في من ارتد عن الإسلام، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 737.
كما أخرجه عبد الرزاق، في: باب الكفر بعد الإيمان، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 165. وسعيد بن منصور، في: باب ما جاء في الفتوح، من كتاب الجهاد. السنن 2/ 226. وابن أبي شيبة، في: باب في المرتد عن الإسلام، من كتاب الحدود، وفي: باب ما قالوا في المرتد كم يستتاب، من كتاب الجهاد. المصنف 10/ 137، 12/ 273. وانظر الإرواء 8/ 130، 131.
(3)
أي هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد.
(4)
في الموطأ: «و» .
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به بعدَ الاسْتِتابَةِ، بدَليلِ ما ذَكَرْناه. وأمَّا حديثُ مُعاذٍ فإنَّه قد جاءَ فيه: وكان قد اسْتُتِيبَ (1). ويُرْوَى أنَّ أبا موسى اسْتَتابَه شَهْرَين قَبْلَ قُدومِ مُعاذٍ عليه، وفي رِوايةٍ: فدَعاهُ عِشْرِينَ لَيلَةً أو قَرِيبًا من ذلك، فجاءَ مُعاذٌ، فدَعاه فأبَى، فضُرِبَتْ عُنُقُه. رواهنَّ أبو داودَ (1). ولا يَلْزَمُ من تحْريم القَتْلِ وُجُوبُ الضَّمانِ، بدليلِ نِساءِ أهلِ الحَرْبِ وصِبْيانِهِم. إذا ثَبَت وُجُوبُ الاسْتِتابَةِ، فمُدَّتُها ثلاثةُ أيَّامٍ. رُوِيَ ذلك عن عمرَ، رضي الله عنه. وبه قال مالكٌ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْي. وهو أحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. وقال في الآخَرِ: إن تابَ [في الحال](2) وإلَّا قُتِلَ مَكانَه. وهذا أصَحُّ قَوْلَيه. وهو قولُ ابنِ المُنْذِرِ؛ لحَدِيثِ أُمِّ مَرْوانَ [ومُعاذٍ](2)؛ لأنَّه مُصِرٌّ على كُفْرِه، أشْبَهَ بعدَ الثَّلاثِ، وقال الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى ثلاثَ مَرَّاتٍ، فإن أبي، ضُرِبَتْ عُنُقُه. وهذا يُشْبِهُ قَوْلَ الشافعيِّ. وقال النَّخَعِيُّ: يُسْتَتابُ أبَدًا. وهذا يُفْضِي إلى أنَّه لا يُقْتَلُ أَبدًا، وهو مُخالِفٌ للسُّنَّةِ والإِجْماعِ. وعن عليٍّ، أنَّه استتاب رجلًا شَهْرًا (3). ولَنا، حديثُ
(1) أخرج روايتي الاستتابة المطلقة والمقيدة بعشرين ليلة، أبو داود، في: باب الحكم في من ارتد، من كتاب الحدود. سن أبي داود 2/ 441.
كما أخرج الرواية المقيدة بشهرين، عبد الرزاق، في: باب في الكفر بعد الإيمان، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 168. وابن أبي شيبة، في: باب في المرتد عن الإسلام ما عليه، من كتاب الحدود. المصنف 10/ 138.
(2)
سقط من: م.
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب في الكفر بعد الإيمان، من كتاب اللقطة. المصنف 10/ 164.