الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ ظَنَّ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ، لَمْ يُنْظِرْهُمْ وَقَاتَلَهُمْ.
ــ
أنْظَرَهم) ويَكْشِفُ عن حالِهم، ويَبْحَثُ عن أمْرِهِم، فإن بانَ له أنَّ قَصْدَهم الرُّجوعُ إلى الطَّاعةِ، ومَعْرِفَةُ الحَقِّ، أمْهَلَهُم. قال ابنُ المُنْذِرِ (1): أجْمَعَ على هذا كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهلِ العلمِ.
4555 - مسألة: (وإن ظَنَّ أنَّهَا مَكِيدَة، لم يُنْظِرْهم، وقَاتَلَهم)
إذا ظَهَر له أنَّ اسْتِنْظارَهم مَكِيدَةٌ؛ ليَجْتَمِعُوا على قِتالِه، وأنَّ لهم مَدَدًا يَنْتَظِرونَه، ليَتَقَوَّوْا به، أو خَدِيعةَ الإِمام؛ ليَأْخُذُوه على غِرَّةٍ، ويَفْتَرِقَ عَسْكَرُه، عاجَلَهم بالقِتالِ؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ أَن يصيرَ هذا طَريقًا إلى قَهْرِ أهْلِ الحَقِّ والعَدْلِ، وهذا لا يجوزُ، وإن أعْطَوْه عليه مالًا؛ لأنَّه لا يجوزُ أنَّ يأخذَ المال على إقْرارِهم على ما لا يَحِلّ إقْرارُهم عليه. وإن بَذَلُوا له رَهائِنَ على إنْظارِهم، لم يَجُزْ أخْذُها لذلك، ولأنَّ الرَّهائِنَ لا يجوزُ قتْلُهم لغَدْرِ أهلِهم، فلا يُفِيدُ شيئًا. وإن كان في أيدِيهم أُسارَى من أهلِ العَدْلِ، وأعْطَوْا بذلك رَهائِنَ منهم، قَبِلَهم الإِمامُ، واسْتَظْهَرَ للمسلمينَ؛ فإن أطْلَقُوا [أسْرَى المسلمينَ](2) الذين عندَهم، أُطْلِقَتْ رَهائِنُهم، وإن قَتَلُوا مَن عندَهم، لم يَجُزْ قَتْلُ رَهائِنِهم؛ لأنَّهم لا يُقْتَلونَ بقَتْلِ غيرِهم، وإذا انْقَضَتِ الحَرْبُ، خَلَّى الرَّهائِنَ، كما تُخَلَّى الأسَارَى منهم. وإن خافَ
(1) في الإشراف: 3/ 262.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإِمام على الفِئَةِ العادِلَةِ الضَّعْفَ عنهم، أخَّرَ قِتالهم إلى أنَّ تُمْكِنَه القُوةُ عليهم؛ لأنَّه لا يُومَنُ الاصْطِلامُ والاسْتِئصالُ، فيُؤَخِّرُهم حتى تَقْوَى شَوْكَةُ أهلِ العَدْلِ، ثم يُقاتِلُهم. وإن سَأَلُوه أنَّ يُنْظِرَهم أبدًا، ويَدَعَهم وما هُمْ عليه، ويَكُفُّوا عن المسلمينَ، نَظَرْتَ، فإن لم تُعْلَمْ قُوَّتُه عليهم، وخافَ قَهْرَهم له إن قاتَلَهم، تَرَكَهم. وإن قَوىَ عليهم، لم يَجُزْ إقْرارُهم على ذلك؛ لأنَّه لا يجوزُ أنْ يَتْرُكَ بعضُ المسلمينَ طاعةَ الإِمام، ولا يَأْمَنُ قُوَّةَ شَوْكَتِهِم، بحيثُ يُفْضِي إلى قَهْرِ الإِمام العادِلِ ومَن معَه. ثم إن أمْكَنَ دَفعُهُم بدونِ القَتْلِ، لم يَجُزْ قَتْلُهم؛ لأنَّ المَقْصودَ دَفْعُهم، ولأنَّ الدَّفعَ إذا حَصَل بغيرِ القَتْلِ، لم يَجُزِ القَتْلُ من غيرِ حاجةٍ. وإن حَضَر معهم مَن لا يُقاتِلُ، لم يَجُزْ قَتْلُه. وقال أصحابُ الشافعيِّ: فيه وَجْه آخَرُ، يجوزُ؛ لأنَّ عليًّا، رضي الله عنه، نَهَى أصحابَه عن قَتْلِ محمدِ بنِ طلحةَ السَّجَّادِ، وقال: إيَّاكم وصاحبَ البُرْنُسِ. فقتَلَه رجلٌ، وأنْشَأ يقولُ:
وأشْعَثَ قَوَّامٍ بآياتِ رَبِّه
[قليلِ الأذَى](1) فيما تَرى العينُ مُسْلمِ
هَتَكْتُ له بالرُّمْحِ جَيبَ قَمِيصِه
فخَرَّ صَرِيعًا لليدَينِ وللْفَمِ
على غيرِ ذنبٍ غيرَ أنْ ليس تابِعًا
(1) في النسخ: «كثير التقى» . والمثبت من مصادر التخريج، والمغني 12/ 245. وانظر سير أعلام النبلاء 4/ 368.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليًّا ومَنْ لا يَتْبَعِ الحقَّ يَظْلِم
يُناشِدُني حم والرُّمْحُ شَاجِرٌ
فهلَّا تَلَا حمَ قبلَ التَّقَدُّم (1)
وكان السَّجَّادُ حامِلَ رايةِ أبيه (2)، ولم يَكُنْ يُقَاتِلُ، فلم يُنْكِرْ عليٌّ قَتْلَه، ولأنَّه صارَ رِدْءًا لهم. ولَنا، قولُه تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (3). والأخْبارُ الواردةُ في تَحْريمِ قتْلِ المسلمِ، والإِجماعُ على تَحْريمِه، وإنَّما خُصَّ من ذلك ما حَصَل ضَرُورَةَ دَفعِ الباغِي والصائِلِ، ففيما عَداه يَبْقَى على العُمومِ والإِجْماعِ فيه؛ ولهذا حَرُمَ قَتلُ مُدْبرِهم وأسيرِهم، والإِجْهازُ على جَرِيحِهم، مع أنَّهم إنَّما تَرَكوا القِتال عَجْزًا عنه، ومتى ما قَدَروا (4) عليه، عادُوا إليه، فمَن لا يُقاتِلُ تَوَرُّعًا عنه مع قُدْرَتِه عليه، ولا يُخافُ منه القِتالُ بعدَ ذلك أَولَى، ولأنَّه مُسْلمٌ، لم يَحْتَجْ إلى دَفْعِه، ولا صَدَرَ منه أحَدُ الثلاثَةِ، فلم يَحِلَّ دَمُه؛ لقَوْلِه عليه الصلاة والسلام:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِم إلَّا بإحْدَى ثَلَاثٍ» (5). فأمَّا حديثُ عليٍّ، في نَهْيِه عن قتلِ السَّجَّادِ، فهو حُجَّة عليهم، فإنَّ نَهْيَ
(1) أخرجه الحاكم، في: باب ذكر مناقب محمد بن طلحة بن عبيد الله السجاد. . . .، من كتاب معرفة الصحابة. المستدرك 3/ 375. وانظر تاريخ الطبري 3/ 214، 215، وتاريخ المسعودي 4/ 526.
(2)
في الأصل: «أميه» .
(3)
سورة النساء 93.
(4)
في م: «قدر» .
(5)
تقدم تخريجه في: 3/ 31.