الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا سُقِيَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ مِنَ الزَّرْعِ والثَّمَرِ مُحَرَّمٌ، فَإِنْ سُقِيَ بِالطَّاهِرِ، طَهُرَ وَحَلَّ. وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: لَيسَ بِنَجِسٍ وَلَا مُحَرَّمٍ، بَلْ يَطْهُرُ بِالاسْتِحَالةِ، كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ لَبَنًا.
ــ
4617 - مسألة: (وما سُقِيَ بالماءِ النَّجِسِ مِن الزرعِ والثِّمارِ مُحَرَّمٌ)
وكذلك مَا [سُمِّدَ به](1). وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أن يُكْرَهَ ذلك، ولَا يَحْرُمَ، ولا يُحْكَمَ بتَنْجِيسِها؛ لأنَّ النَّجاسَةَ تَسْتَحِيلُ في باطِنِها (2)، فتَطْهُرُ بالاسْتِحالةِ، كالدَّم يَسْتَحِيلُ في أعْضاءِ الحيوانِ لَحْمًا، ويَصِيرُ لَبَنًا. وهذا قولُ أكثرِ الفُقَهاءِ؛ منهم أبو حنيفةَ،
(1) في الأصل: «شهد بها» .
(2)
في م: «بطنها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشافعيُّ. وكان سعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ يَدْمُلُ أرْضَه بالعُرَّةِ، ويقولُ: مِكْتلُ (1) عُرَّةٍ مَكِتلُ (2) بُرٍّ (3). والعُرَّةُ: عَذِرَةُ النَّاسِ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ عباسٍ، قال: كُنَّا نُكْرِي أراضِيَ أصحابِ (4) رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونَشْتَرِطُ عليهم أن لا يَدْمُلوها (5) بعَذِرَةِ النّاسِ (6). ولأنَّها تَتَغَذَّى بالنَّجاساتِ، ويَتَرقَّى (7) فيها أجْزاؤُها، والاسْتِحالةُ لا تُطَهِّرُ. فعلى هذا، تَطْهُرُ إذا سُقِيَت بالطّاهِراتِ، كالجَلَّالةِ إذا حُبِسَتْ وأُطْعِمَتِ الطّاهِراتِ.
(1) في الأصل، ر 3، م:«مكيلى» . وغير منقوطة في ص، والمثبت موافق لسنن البيهقي.
(2)
في الأصل: «ميل» ، وفي ر 3، م:«مكيل» ، وغير منقوطة في ص.
(3)
أخرجه البيهقي، في: باب ما جاء في طرح السرجين والعذرة في الأرض، من كتاب المزارعة. السنن الكبرى 6/ 139.
(4)
سقط من: م.
(5)
دمل الأرض: سمَّدها.
(6)
أخرجه البيهقي، في الموضع السابق.
(7)
في م: «تسرى» .
فَصْلٌ: وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، حَلَّ لَهُ مِنْهُ مَا يَسُدُّ
ــ
فصل: قال الشَّيخُ، رحمه الله: (ومَن اضْطُرَّ إلى مُحَرَّمٍ ممّا ذكَرْنا،
رَمَقَهُ. وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
فله أن يأكلَ منه ما يَسُدُّ رَمَقَه. وهل له الشِّبَعُ؟ على رِوايَتَين) أجْمَعَ العُلَماءُ على تحْريمِ المَيتَةِ والخِنْزيرِ حالةَ الاخْتيارِ، وعلى إباحَةِ الأكلِ منها في الاضْطِرارِ. وكذلك سائِرُ المُحَرَّماتِ. والأصْلُ في ذلك قولُه تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ} (1). وقولُه: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيهِ} (2). ويُباحُ له أكلُ ما يَسُدُّ رَمَقَه، ويأمَنُ معه الموْتَ، بالإِجْماعِ. ويَحْرُمُ ما زادَ على الشِّبَعِ، بالإِجْماعِ أيضًا. وفي الشِّبَعِ رِوايَتان؛ إحداهُما، لا يُباحُ. وهو قولُ أبي حنيفةَ. وإحْدَى الرِّوايَتَين عن مالِكٍ. وأحَدُ القَوْلَين للشافعيِّ. قال الحسنُ: يأكلُ قَدْرَ ما يُقِيمُه؛ لأنَّ الآيَةَ دَلَّتْ على تحريمِ المَيتَةِ، واسْتُثْنِيَ ما اضْطُرَّ إليه، فإذا انْدَفَعَتِ الضَّرورَةُ، لم يَحِلَّ له
(1) سورة المائدة 3.
(2)
سورة البقرة 173.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأكلُ، كحالةِ الابتِداءِ، ولأنَّه بعدَ سَدِّ الرَّمَقِ غيرُ مُضْطَرٍّ، [فلم يَحِلَّ](1) له الأكلُ؛ [للآيَةِ. يُحَقِّقُه أنَّه بعدَ سَدِّ رَمَقِه، كهُوَ قبلَ أن يُضْطَرَّ، وثَمَّ لم يُبَحْ له الأكلُ](2)، كذا ههُنا. والثانيةُ، يُباحُ له الشِّبَعُ. اختارَها أبو بكرٍ؛ لِما روَى جابِرُ بنُ سَمُرَةَ، أنَّ رجلًا نَزَل الحَرَّةَ (3)، فنفَقَت عندَه ناقَةٌ، فقالت له امرأتُه: اسْلُخْها حتى نُقَدِّدَ شَحْمَها ولَحْمَها، ونَأْكُلَه. فقال: حتى أسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فسألَه، فقال:«هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ؟» . قال: لا. قال: «فَكُلُوهَا» . ولم يُفَرِّقْ. رواه أبو داودَ (4). ولأنَّ ما جازَ سَدُّ الرَّمَقِ منه، جازَ الشِّبَعُ منه، كالمُباحِ. ويَحْتَمِلُ أن يُفرَّقَ بينَ ما إذا كانتِ [الضَّرورَةُ مُسْتَمِرَّةً، وبينَ ما إذا كانت](5) مَرْجُوَّةَ الزَّوالِ، فما كانت مُسْتَمِرَّةً، كحالِ الأعْرابِيِّ الذي سألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، جازَ الشِّبَعُ؛ لأنَّه إذا اقْتَصَرَ على سَدِّ الرَّمَقِ، عادَتِ الضَّرورَةُ إليه عن قُرْبٍ، ولا يتَمَكّنُ مِن البُعْدِ عنِ المَيتَةِ، مَخافَةَ الضَّرورَةِ المُسْتَقْبَلَةِ، ويُفْضِي إلى ضَعْفِ بَدَنِه، وربَّما أدَّى ذلك إلى تَلَفِه، بخلافِ التي ليست مُسْتَمِرَّةً، فإنَّه يَرْجو الغِنَى عنها (6) بما يَحِلُّ له. إذا ثَبَت هذا،
(1) في م: «ولم يبح» .
(2)
سقط من: م.
(3)
الحرة: أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود.
(4)
في: باب في المضطر إلى الميتة، من كتاب الأطعمة. سنن أبي داود 2/ 322.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 89، 96، 97، 104.
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
في م: «فيها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّ الضَّرورَةَ المُبِيحَةَ، هي التي يَخافُ التَّلفَ بهما إن تَرَك الأكلَ. قال أحمدُ: إذا كان يَخْشَى على نفْسِه، سواءٌ كان مِن جُوعٍ، أو يَخافُ إن تَرَكَ الأكلَ عَجَز عن المَشْي، وانْقَطَعَ عن الرُّفْقَةِ فهَلَكَ، أو يَعْجِزُ عن الرُّكوبِ فيَهْلِكُ، ولا يتَقَيَّدُ ذلك بزمنٍ مَحْصورٍ.
فصل: وهل يجبُ الأكلُ مِن المَيتَةِ أو غيرِها مِن المحرماتِ على المُضْطَرِّ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يجبُ. وهو قولُ مَسْرُوقٍ، وأحَدُ الوَجْهَين لأصْحاب الشافعيِّ. قال الأثْرَمُ: سُئِلَ أبو عبدِ الله عن المُضْطَرِّ يَجِدُ المَيتَةَ، ولم يأْكلْ؟ فذكرَ قولَ مَسْروقٍ: مَن اضْطُرَّ، فلم يأكلْ ولم يَشْرَبْ، فماتَ، دخل النّارَ (1). وهذا اخْتِيارُ ابنِ حامِدٍ؛ لقولِ اللهِ
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 10/ 413.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1). وتَرْكُ الأكْلِ مع إمكانِه في هذه الحالِ، إلْقاءٌ بيدِه إلى التَّهْلُكَةِ. وقال اللهُ تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (2). ولأنَّه قادِرٌ على إحْياءِ نفْسِه بما أحَلَّه اللهُ له، فلَزِمَه، كما لو كان معه طَعامٌ حَلالٌ. والثاني، لا يَلْزَمُه؛ لِما رُوِيَ عن عبدِ اللهِ بنِ حُذافَةَ السَّهْمِيِّ، صاحبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّ طاغِيَةَ الرُّومِ حَبَسَه في بَيتٍ، وجَعَل معه خَمْرًا ممْزُوجًا بماءٍ (3)، ولحمَ خِنْزِيرٍ مَشْويٍّ، ثلاثةَ أيّامٍ، فلم يأكلْ ولم يَشْرَبْ، حتى مال رأسُه مِن الجُوعِ والعَطَشِ، وخَشُوا مَوْتَه، فأخرَجُوه، فقال: قد كان اللهُ قد (4) أحَلَّه لي؛ لأنَّنِي مُضْطَرٌّ، ولكنْ لم أكُنْ لأُشْمِتَكَ بدِينِ الإِسْلامِ (5). ولأنَّ إباحَةَ الأكلِ رُخْصَةٌ، فلا تَجِبُ عليه، كسائِرِ الرُّخَصِ، ولأنَّ له غَرَضًا في اجْتِنابِ النَّجاسَةِ، والأخْذِ بالعَزِيمَةِ، ورُبَّما لم تَطِبْ نفْسُه بتَناوُلِ المَيتَةِ، وفارَقَ الحلال في الأصْلِ مِن هذه الوُجُوهِ.
(1) سورة البقرة 195.
(2)
سورة النساء 29.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سقط من: م.
(5)
تقدم تخريجه في 26/ 421.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وتُباحُ المُحَرَّماتُ عندَ الاضْطِرارِ، في الحَضَرِ والسَّفَرِ جميعًا؛ لأنَّ الآيَةَ مُطْلَقَةٌ، غيرُ مُقَيَّدَةٍ بإحْدَى الحالتَين، وقولُه سبحانه:{فَمَنِ اضْطُرَّ} (1). لَفْظٌ عامٌّ في كلِّ مُضْطَرٍّ، ولأنَّ الاضْطِرارَ يكونُ في الحَضَرِ في سَنَةِ المَجاعَةِ، وسَبَبُ الإِباحَةِ الحاجَةُ (2) إلى حِفْظِ النَّفْسِ عنِ الهَلاكِ؛ لكونِ هذه المصْلَحَةِ أعْظَمَ مِن مَصْلَحَةِ اجْتِنابِ النَّجاساتِ، والصِّيانَةِ عن تَناوُلِ المُسْتَخْبَثاتِ، وهذا المعنى عامٌّ في الحالين. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّ المَيتَةَ لا تَحِلُّ لِمَن يَقْدِرُ على دَفْعِ ضَرورَتِه بالمسألةِ. ورُوِيَ عن أحمدَ أنَّه قال: أكْلُ المَيتَةِ إنَّما يكونُ في السَّفَرِ. يعني أنَّه في الحَضَرِ يُمْكِنُه السُّؤالُ. وهذا عن أحمدَ خَرَج مَخْرَجَ الغالِبِ، فإنَّ الغالِبَ أنَّ الحَضَرَ يُوجَدُ فيه الطَّعامُ الحلالُ، ويُمْكِنُ دَفْعُ الضَّرورَةِ بالسُّؤَالِ، ولكنَّ الضَّرُورَةَ أمْرٌ مُعْتَبَرٌ بوُجُودِ حقِيقَتِه، لا يُكْتَفَى فيه بالمَظِنَّةِ، بل متى وُجِدَتِ الضَّرورَةُ أباحَتْ، سواءٌ وُجِدَتِ المَظِنَّةُ أو لم تُوجَدْ، ومتى انتَفَتْ، لم يُبَحِ الأكلُ لوجُودِ مَظِنَّتِها بحالٍ.
فصل: قال أصْحابُنا: ليس للمُضْطَرِّ في سَفَرِ المَعْصِيَةِ الأكلُ مِن المَيتَةِ، كقاطِعِ الطَّريقِ، والآبِقِ؛ لقولِ الله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيهِ} . قال مجاهِدٌ: غَيرَ بَاغٍ على المسلمين وَلَا
(1) من سورة البقرة 173، والمائدة 3، والأنعام 145، والنحل 115.
(2)
في الأصل: «الخاصة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَادٍ عليهم. وقال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: إذا خَرَج يقْطَعُ الطَّريقَ، فلا رُخْصَةَ له، فإن تابَ وأقْلَع عن مَعْصِيَتِه، حَلَّ له الأكلُ.
فصل: وهل للمُضْطَرِّ التَّزَودُ مِن المَيتَةِ؟ على رِوايَتَين؛ أصَحُّهما، له ذلك. وهو قولُ مالِكٍ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ في اسْتِصْحابِها، ولا في إعْدادِها لدَفْعِ ضَرورَتِه، وقضاءِ حاجَتِه، ولا يأكلُ منها إلَّا عندَ ضَرورَتِه. والثانيةُ، لا يجوزُ؛ لأنَّه تَوَسُّعٌ فيما لم يُبَحْ إلَّا للضَّرورَةِ، فإنِ اسْتَصْحَبَها، فلَقِيَه مُضْطَرٌ، لم يَجُزْ له بَيعُه إيّاه؛ لأنَّه إنَّما أُبِيحَ له منها ما يَدْفَعُ به الضَّرورَةَ، ولا ضَرورَةَ إلى البَيعِ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُه، ويَلْزَمُه إعْطاءُ الآخَرِ بغيرِ عِوَضٍ، إذا لم يكنْ هو مُضْطَرًّا في الحالِ إلى [ما معه](1)؛ لأنَّ ضَرورَةَ الذي لَقِيَه موجودةٌ، وحامِلُها يَخافُ الضَّرَرَ في ثانِي الحالِ.
(1) في م: «منعه» .