الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَى الإمَامِ أَنْ يُرَاسِلَهُمْ، وَيَسْأَلَهُمْ مَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ، وَيُزِيلَ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ، وَيَكْشِفَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَإِنْ فَاءُوا
ــ
لِما ذَكَرْنا مِن النَّصِّ في أوَّلِ الباب مع الإِجْماعِ على ذلك. وفي مَعْناه، مَن ثَبَتَتْ إمامَتُه بعَهْدٍ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو بعَهْدِ إمام قبلَه إليه، فإنَّ أبا بكرٍ، رضي الله عنه، ثَبَتَتْ إمامَتُه بإجْماعِ الصحابةِ على بَيعَتِه، وعِمرَ ثَبَتَت إمامَتُه بعَهْدِ أبي بكرٍ إليه، وإجْماعِ الصحابةِ على قَبولِه. ولو خرَج رجلٌ على إمام، فقَهَرَه، وغَلَب الناسَ بسَيفِه حتى أقَرُّوا له، وأذْعَنُوا بطاعَتِه، وبَايَعُوه صارَ إمامًا يَحْرُمُ قِتالُه، والخرُوجُ عليه؛ فإنَّ عبدَ الملكِ بنَ مَرْوانَ، خرَج على ابنِ الزُّبَيرِ، وقَتَلَه، واسْتَوْلَى على البلادِ وأهْلِها، حتى بايَعُوه طَوْعًا وكَرْهًا، وصارَ إمامًا يَحْرُمُ الخُرُوجُ عليه؛ وذلك لِما في الخُروجِ عليه من شَقِّ عَصَا المسلمين، وإراقَةِ دِمائِهم، وذَهابِ أمْوالِهم، ويَدْخل الخارجُ عليه في عُمُومِ قولِه عليه الصلاة والسلام:«مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، وهُمْ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بالسَّيفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ» (1). فَمَن خَرَج على مَن ثَبَتَتْ إمامَتُه بأحدِ هذه الوُجُوهِ باغِيًا، وَجَبَ قِتالُه.
4552 - مسألة: (وعلى الإِمامِ أنَّ يُرَاسِلَهم، ويَسْأَلهُمْ ما يَنْقِمُون منه، ويُزِيلَ ما يَذْكُرُونَه من مَظْلِمَةٍ، ويَكْشِفَ ما يَدَّعُونَه مِنْ شُبْهَةٍ
،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 56.
وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ.
ــ
فإن فَاءُوا وإلَّا قاتَلَهم) وجملةُ ذلك، أنَّ الإِمامَ لا يجوزُ له قِتالُهم حتى يَبْعَثَ إليهم مَن يَسْألهم، ويَكْشِفُ لهم الصَّوابَ، إلَّا أنَّ يَخافَ كَلَبَهم (1)، فلا يُمْكِنُ ذلك في حَقهم. فأمَّا إن أمْكَنَ تَعْرِيفُهم، عَرَّفَهم ذلك، وأزال ما يَذْكُرُونَه من المَظالِمِ، وأزال حُجَجَهم، فإنْ لَجُّوا، قَاتَلَهم حينَئذٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالى بَدَأَ بالأَمرِ بالإِصلاحِ قبلَ القِتالِ، فقال سبحانَه:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (2). ورُوِيَ أنَّ عليًّا،
(1) الكلب، بالتحريك: الشدة.
(2)
سورة الحجرات 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رضي الله عنه، راسَلَ أهْلَ البَصْرَةِ قبلَ وَقْعَةِ الجملِ، ثم أمَرَ أصحابَه أنَّ لا يَبْدأُوهم بالقتالِ، ثم قال: إنَّ هذا يَوْمٌ مَن فَلَجَ (1) فيه فَلَجَ يَوْمَ القِيامةِ. ثم سَمِعَهم يقولون: اللهُ أكبرُ، يا ثَارَاتِ عُثمانَ. فقال: اللَّهُمَّ أكِبَّ قَتَلَةَ عُثمانَ لوُجُوهِهم (2). وروَى عبدُ اللهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهادِ (3)، أنَّ عليًّا لمَّا اعْتَزَلَتْه الحَرُورِيَّةُ (4)، بَعَث إليهم عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ، فواضَعُوه كتابَ اللهِ ثلاثةَ أيَّامٍ، فرَجَعَ منهم أرْبَعَةُ آلافٍ (5).
(1) في الأصل: «فلح» . وفلج بمعنى ظفر وفاز.
(2)
أخرجه البيهقي، في: باب لا يبدأ الخوارج بالقتال حتى. . . .، من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى 8/ 180، 181. وهو ضعيف. انظر الإرواء 8/ 110.
(3)
في النسخ: «الهادي» . والمثبت من مصادر التخريج. وانظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 5/ 251.
(4)
الحرورية: هم الخوارج، ينسبون إلى حروراء، موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به، فنسبوا إليه، ثم أصبح لقبًا لفرقة منهم. الأنساب 4/ 418، وحاشيته.
(5)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 86، 87. والبيهقي، في: باب لا يبدأ الخوارج بالقتال حتى. . . .، من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى 8/ 179، 180. وهو صحيح. انظر الإرواء 8/ 111.