الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ أوْ شَيئًا مِنْهَا، أوْ أَحَلَّ الزِّنَى، أَو الْخَمْرَ، أو شَيئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيهَا لِجَهْلٍ، عُرِّفَ ذَلِكَ، وَإنْ كَانَ مِمَّن لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ، كَفَرَ.
ــ
4580 - مسألة: (فإن جَحَد وُجُوبَ العِبادَاتِ الخَمْسِ، أو شَيئًا منها، أو أحَلَّ الزِّنَى، أو الخَمْرَ، أو شَيئًا مِن المُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ المُجْمَعِ)
على تَحْرِيمِها (لجَهْلٍ، عُرِّفَ ذلِكَ، فإن كان مِمَّن لا يَجْهَلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك، كَفَر) وجملةُ ذلك، أنَّه قد مَضَى شَرْحُ حُكمِ جاحِدِ (1) وُجُوبِ الصلاةِ وغيرِها مِن العِباداتِ الخَمْسِ في كِتابِ الصلاةِ، ولا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ في كُفْرِ مَن تَرَك الصلاةَ جاحِدًا لوُجُوبِها، إذا كان مِمَّن لا يَجْهَلُ مثلُه ذلك، فإن كان مِمَّن لا يَعْرِفُ الوُجُوبَ، كحديثِ الإِسْلامِ، والنَّاشِئ بغيرِ دارِ الإسْلامِ، أو بادِيَةٍ بعيدةٍ عن الأمْصارِ، وأهْلِ العلمِ، لم يُحْكَمْ بكُفْرِه، وعُرِّفَ ذلك، وثَبَتَتْ له أدِلَّةُ وُجُوبِها، فإن جَحَدَها بعدَ ذلك كَفَر. وأمَّا إذا كان الجاحِدُ لها ناشِئًا بينَ المُسْلِمِينَ في الأَمْصارِ، بينَ أهلِ العلمِ، فإنَّه يَكْفُرُ بمُجرَّدِ جَحْدِها، وكذلك الحكْمُ في مباني الإِسْلامِ كُلِّها، وهي الزَّكاةُ، والصِّيامُ، والحَجُّ، لأنَّها مباني الإِسْلامٍ، وأدِلَّةُ وجُوبِهَا لا تَكادُ تَخْفَى إذ كان الكتابُ والسُّنَّةُ مَشْحُونين بأدِلَّتِها (2)، والإِجْماعُ مُنْعَقِدٌ عليها، فلا يَجْحَدُها إلَّا مُعانِدٌ للاسْلامِ، مُمْتَنِعٌ مِن الْتِزامِ الأحْكامِ، غيرُ قابلٍ لكتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِه، وإجْماعِ الأمَّةِ. وكذلك مَن اعْتَقَدَ حِلَّ شيءٍ أجْمَعَ المسلمونَ على تَحْرِيمِه، وظَهَرَ حُكْمُه بينَ المسلمينَ، وزَالتِ الشُّبْهَةُ فيه للنُّصوصِ الوارِدَةِ فيه، كلَحْمِ الخِنْزيرِ، والزَّنَى، والخَمْرِ، وأشْباهِ هذا ممَّا لا خِلافَ فيه، كَفَر إذا كان قد نَشَأ بينَ المسلمينَ، وهو ممَّن لا يَجْهَلُ مثلُه ذلك، وقد ذَكَرْناه في تاركِ الصلاةِ.
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «بأدلتهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن سَبَّ اللهَ تعالى أو رسولَه، كَفَر، سَواءٌ كان جادًّا أو مازِحًا، وكذلك مَن اسْتَهْزَأ باللهِ سبحانه وتعالى، أو بآياتِه أو برُسُلِه أو كُتُبه؛ لقولِه تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (1). ويَنْبَغِي أن لا يُكْتَفَى مِن الهازِئِ بذلك بمُجَرَّدِ الإِسْلامِ حتى يُؤَدَّبَ أدَبًا يَزْجُرُه عن ذلك؛ لأنَّه إذا لم يُكْتَفَ ممَّن سِبَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالتَّوْبةِ، فهذا أوْلَى.
فصل: فإنِ اسْتَحَلَّ قتلَ المَعْصُومِين، وأخْذَ أمْوالِهم، بغيرِ شُبْهَةٍ ولا تأْويلٍ، كَفَر؛ لِما ذَكَرْنا، وإن كان بتأويلٍ، كالخَوارِجِ، فقد ذَكَرْنا أنَّ كثيرًا مِن العُلَماءِ لم يَحْكُموا بكُفْرِهم مع اسْتِحْلالِهم دِماءَ المسلمِين وأمْوالهم، وفِعْلِهم ذلك مُتَقَرِّبِين به إلى اللهِ تعالى، وكذلك لم يُحْكَمْ بكُفْرِ ابنِ مُلْجَم مع قَتْلِه أفضلَ الخَلْقِ في زمنِه، ولا يَكْفُرُ المادِحُ له على ذلك أيضًا، المُتَمَنِّي مثلَ فِعْلِه، وهو عِمْرانُ بنُ حِطَّانَ، قال يَمْدَحُه لقَتْلَ عليٍّ (2):
يا ضَرْبةً مِن تَقِيٍّ ما أرادَ بها
…
إلَّا لِيَبْلُغَ [مِن ذي العَرْشِ](3) رِضوانًا
إنِّي لأذْكُرُه يومًا فأحْسَبُه
…
أوْفَى البَرِيَّةِ عندَ اللهِ مِيزَانًا
(1) سورة التوبة 65، 66.
(2)
الكامل، للمبرد 3/ 169.
(3)
في الأصل: «عند الله ذي العرش» . وفي ر 3، ص، م:«عند الله» . والمثبت من الكامل للمبرد. وانظر المغني 12/ 276.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد عُرِفَ مِن مذهبِ الخَوارجِ تَكْفِيرُ كثيرٍ مِن الصحابةِ، ومَن بعدَهم، واستِحْلالُ دِمائِهم وأمْوالِهم، واعتِقادُهم التَّقَرُّبَ إلى رَبِّهم بقَتْلِهم، ومع هذا لم يَحْكُمْ أكثرُ الفُقَهاءِ بِكُفْرِهم؛ لتأْويلهم. وكذلك يُخَرَّجُ في كُلِّ مُحَرَّم اسْتُحِلَّ بتَأْويلٍ مِثلِ هذا. فقد رُوِيَ أنَّ قُدامَةَ بنَ مَظْعُونٍ شَرِب الخَمْرَ مُسْتَحِلًّا، [فأقامَ عمرُ عليه الحَدَّ، ولم يُكَفِّرْه. وكذلك أبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيل، وجماعةٌ، شَرِبُوا الخَمْرَ بالشَّامِ مُسْتَحِلِّينَ](1) لها، مُسْتَدِلِّين بقولِ اللهِ تعالى:{لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (2) الآية (3). فلم يُكَفَّرُوا، وعُرِّفُوا تَحْريمَها، فتابُوا، وأُقِيمَ عليهم (4) الحَدُّ (5) فيُخَرَّجُ في مَن كان مثلَهم مثلُ حُكْمِهم. وكذلك كُلُّ جاهلٍ بشيءٍ يُمْكِنُ أن يَجْهَلَه، لا يُحْكَمُ بكُفْرِه حتى يَعْرِفَ ذلك، وتَزُولَ عَنه الشُّبْهَةُ، ويَسْتَحِلَّه بعدَ ذلك. وقد قال أحمدُ، رحمه الله: مَن قال: الخمرُ حَلالٌ. فهو كافرٌ يُسْتَتَابُ، فإن تابَ، وإلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُه. وهذا مَحْمُولٌ على مَن لا يَخْفَى على مثلِه تحْريمُه؛ لِما ذَكَرْنا. فأمَّا إن أكَلَ لحمَ الخِنْزيرِ، أو مَيتَةً، أو شَرِب خَمْرًا، لم يُحْكَمْ برِدَّتِه بمُجَرَّدِ ذلك، سَواءٌ فَعَلَه في دارِ الحربِ أو دارِ الإِسْلامِ؛ لأنَّه يجوزُ أن يكونَ فَعَلَه مُعْتَقِدًا تَحْريمَه، يفعلُ غيرَ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة المائدة 93.
(3)
تقدم تخريجه في: 26/ 414.
(4)
في الأصل: «عليه» .
(5)
في م: «حدها» .