الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أتْلَفَ في غَيرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيئًا، ضَمِنَهُ.
ــ
فأمَّا قولُ أبي بكرٍ، رضي الله عنه، فقد رَجَع عنه، ولم يُمْضِه، فإنَّ عمرَ قال له: أمَّا أنَّ يَدُوا قَتْلانا فلا؛ فإنَّ قَتْلانا قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ، على ما أمَرَ اللهُ. فوَافَقَه أبو بكرٍ، ورَجَع إلى قولِه، فصارَ إجْمَاعًا حُجَّةً لنا (1)، ولم يُنْقَلْ أنَّه غَرَّمَ أحدًا شيئًا مِن ذلك. وقد قَتَل طُلَيحَةُ عُكَّاشَةَ بنَ مِحْصَن، وثابتَ بنَ أقْرَمَ (2)، ثم أسْلَمَ، فلم يُغَرَّمْ شيئًا (3). ثم لو وَجَب التَّغْرِيمُ في حَقِّ المُرْتَدِّين، لم يَلْزَمْ مثلُه ههُنا، فإنَّ أُولئك كُفَّارٌ، لا تأويلَ لهم، وهؤلاء طائفةٌ مِن المسلمين لهم تأويلٌ سائغٌ، فكيف يَصِحُّ إلْحاقُهم بهم (4)!
4566 - مسألة: (ومَن أتْلَفَ في غَيرِ حالِ الحَرْبِ شيئًا، ضَمِنَه)
سَواءٌ كان قبلَ الحربِ أو بعدَه. وبهذا قال الشافعيُّ. ولذلك لمَّا قَتَل الخوارِجُ عبدَ اللهِ بنَ خَبَّابٍ، أرْسَل إليهم عليٌّ: أقِيدُونا مِن عبدِ اللهِ بنِ
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «أرقم» . انظر الاستيعاب 1/ 265.
(3)
انظر: الكامل، لابن الأثير 2/ 347.
(4)
في م: «به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خَبَّاب (1). ولمَّا قَتَل ابنُ مُلْجَم عليًّا في غيرِ المعركةِ، أقِيد (2) به (3). وهل يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الباغِي إذا قَتَل أحدًا مِن أهلِ العدلِ في غيرِ المعركةِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَتَحَتَّمُ؛ لأنَّه قَتَل بإشْهارِ السِّلاحِ والسَّعْي في الأرْضِ بالفَسادِ، فأشْبَهَ قُطَّاعَ الطريقِ. والثاني، لا يَتَحَتَّمُ. وهو الصَّحِيحُ؛ لقولِ علي، رضي الله عنه: إن شِئتُ أعْفُو، وإن شِئتُ اسْتَقَدْتُ (3). فأمَّا الخوارجُ، فالصَّحِيحُ، على ما ذَكَرْنا، إباحةُ قَتْلِهم، فلا قِصاصَ على أحدٍ (4) منهم، ولا ضَمانَ عليه في مالِه.
فصل: ومَن قُتِلَ مِن أهلِ البَغْي، غُسِّلَ، وصُلِّيَ عليه. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أصحابُ الرَّأي: إن لم يَكُنْ لهم فِئَةٌ، صُلِّيَ عليهم، وإن كانتْ لهم فِئَةٌ، لم يُصَلَّ عليهم؛ لأنَّه يجوزُ قَتْلُهم في هذه الحالةِ، فلم يُصَلَّ عليهم، كالكُفَّارِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا علَى مَنْ قَال: لَا إِلهَ إلَّا اللهُ» . رَواه الخَلَّالُ في «جَامِعِه» (5). ولأنَّهم مُسْلمون لم يَثْبُتْ لهم حُكْمُ الشَّهادةِ، فيُغَسَّلُونَ، ويُصَلَّى عليهم، كما لو لم تَكُنْ لهم فِئَةٌ. وما ذَكَرُوه يَنْتَقِضُ بالزَّانِي المُحْصَنِ، والمُقْتَصِّ منه، والقاتِلِ في المُحارَبَةِ.
فصل: ولم يُفَرِّقْ أصحابُنا بينَ الخوارجِ وغيرِهم في هذا. وهو مذهبُ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 63.
(2)
في م: «قتل» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 59.
(4)
في م: «واحد» .
(5)
تقدم تخريجه في 3/ 39.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه لا يُصَلَّى على الخوارِجِ، فإنَّه قال (1): أهْلُ البِدَعِ إن مَرِضُوا فَلا تعُودُوهم، وإن ماتُوا فلا تُصَلُّوا عليهم. وقال أحمدُ، رضي الله عنه: الجَهْمِيَّةُ والرَّافِضَةُ لا يُصَلَّى عليهم، قد تَرَك النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ بأقَلَّ مِن هذا. وذَكَر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنَّ تُقاتَلَ خَيبَرُ مِن (2) ناحيةٍ مِن نَواحِيها، فقاتَلَ رجلٌ مِن تلك النَّاحيةِ، فقُتِلَ، فلم يُصَلِّ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم. فقِيلَ له: فإن كان في قَرْيَةٍ أهلُها نَصارَى، ليس فيها مَن يُصَلِّي عليه. قال: أنا لا أشْهَدُه، يَشْهَدُه مَن شاءَ. وقال مالكٌ: لا يُصَلَّى على الإِباضِيَّةِ، ولا القَدَرِيَّةِ، وسائرِ أهلِ الأهْواء، ولا تُتْبَعُ جَنائِزُهم، ولا تُعادُ مَرْضَاهُم. والإِباضِيَّةُ صِنْفٌ من الخوارجِ، نُسِبُوا إلى عبدِ اللهِ بنِ إباض، صاحبِ مَقالتِهم (3). والأزارِقَةُ أصحابُ نافعِ بنِ الأزْرَقِ. والنَّجَدَاتُ أصحابُ نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ. والبَيهسِيَّةُ أصحابُ [أبي بَيهَسٍ] (4). والصُّفْرِيَّةُ قيلَ: إنَّهم نُسِبُوا إلى صُفْرَةِ ألْوَانِهم، وأصْنافُهم كثيرةٌ. والحَرُورِيَّةُ نُسِبُوا إلى أرْضٍ يقالُ لها: حَرُورَاءُ. خَرَجُوا بها (5). قال أبو بكرٍ بنُ عَيَّاشٍ: لا أُصَلِّي على الرَّافِضِيِّ؛ لأنَّه يَزْعُمُ أنَّ عمرَ كافِرٌ،
(1) بعده في الأصل: «في» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: «مقاتلهم» .
(4)
في النسخ: «بيهس» . والمثبت من المعارف لابن قتيبة 622، والملل والنحل للشهرستاني 1/ 219.
(5)
انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 195 - 256.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا على الحَرُورِيِّ؛ لأنَّه يَزْعُمُ أنَّ عليًّا كافِرٌ. وقال الفِرْيَابِيُّ: مَن سَبَّ أبا بكرٍ فهو كافرٌ، لا يُصَلَّى عليه. ووَجْهُ تَرْكِ الصلاةِ عليهم، أنَّهم يُكَفِّرونَ أهْلَ الإِسْلامِ، ولا يَرَوْنَ الصلاةَ عليهم، فلا يُصَلَّى عليهم، كالكُفَّارِ من أهلِ الذِّمَّةِ وغيرِهم، ولأنَّهم مَرَقُوا من الدِّين، فأشْبَهُوا المُرْتَدِّينَ.
فصل: والبُغاةُ إذا لم يكُونوا من أهلِ البِدَعِ، ليسوا بفاسِقِين، وإنَّما هم مُخْطِئون في تأْويلِهم، والإِمامُ وأهلُ العَدْلِ مُصِيبُون في قِتالِهم، منهم جميعًا كالمُجْتَهِدين من الفُقهاءِ في الأحْكام، مَن شَهِدَ منهم قُبِلَتْ شَهادَتُه إذا كان عَدْلًا. وهذا مذهبُ الشافعي. ولا أعلمُ في قَبُولِ شَهادَتِهم خِلافًا. فأمَّا الخوارجُ، وأهلُ البِدَعِ إذا خَرَجُوا على الإِمامِ فلا تُقْبَلُ شَهادَتُهم؛ لأنَّهم فُسَّاقٌ. وقال أبو حنيفةَ: يُفَسَّقُونَ بالبَغْي، وخُرُوجِهم، ولكنْ تُقْبَلُ شَهادتُهم؛ لأنَّ فِسْقَهم من جِهَةِ الدِّينِ، فلا تُرَدُّ به الشَّهادَةُ، والاخْتِلافُ في ذلك يُذْكرُ في كتابِ الشَّهاداتِ (1) إن شاءَ اللهُ تعالى.
فصل: ذَكَر القاضي أنَّه لا يُكْرَهُ للعادِلِ قَتْلُ ذَوي رَحِمِه الباغِين؛ لأنَّه قَتْلٌ بحَقٍّ، أشْبَهَ إقامَةَ الحَدِّ عليه. وكَرِهَتْ طائفةٌ مِن أهلِ العلمِ القَصْدَ إلى ذلك. قال شيخُنا (2): وهو أصَحُّ (3)، إن شاءَ اللهُ تعالى؛ لقولِ الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
(1) في م: «الشهادة» .
(2)
في: المغني 12/ 257.
(3)
في م: «الصحيح» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (1). وقال الشافعيُّ: كَفَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا حُذَيفَةَ بنَ عُتْبَةَ عن قتلِ أبيه (2). وقال بعضُهم: لا يَحِلُّ ذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بمُصاحَبَتِه بالمَعْرُوفِ، وليس هذا من المعروفِ. فإن قَتَلَه، فهل يَرِثُه؟ على رِوايَتَين؛ إحداهما، يَرِثُه. اخْتارَها أبو بكرٍ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه قَتْلٌ بِحَقٍّ، فلم يَمْنَعِ المِيراثَ، كالقِصاصِ والقَتْلِ في الحَدِّ. والثانيةُ، لا يَرِثُه. وهو قولُ ابنِ حامدٍ، ومذهبُ الشافعيِّ؛ لعُمُومِ قولِه عليه الصلاة والسلام:«لَيس لِقَاتِلٍ شَيءٌ» (3). فأمَّا الباغِي إذا قَتَل العادِلَ، فلا يَرِثُه. وهو قولُ الشافعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَرِثُه؛ لأنَّه قَتْلٌ بتأْويلٍ، أشْبَهَ قَتْلَ العادِلِ الباغِيَ. ولَنا، أنَّه قَتَلَه بغيرِ حَقٍّ، فلم يَرِثْه، كالقاتِلِ خَطأ، وفارَقَ ما إذا قَتَلَه العادِلُ؛ لأنَّه قَتَلَه بحَقِّ. وقال قَوْمٌ: إذا تَعَمَّدَ العادِلُ قَتْلَ قَرِيبِه، فقَتَلَه ابْتِداءً، لم يَرِثْه، وإن قَصَد ضَرْبَه، لِيَصِيرَ غيرَ مُمْتَنِعٍ، فجَرَحَه، وماتَ من هذا الضَّرْبِ، وَرِثَه؛ لأنَّه (4) قَتَلَه بحَقٍّ. وهذا قولُ ابنِ المُنْذِرِ (5)، وهو أقْرَبُ الأقاويلَ.
(1) سورة لقمان 15.
(2)
أخرجه البيهقي، في: باب ما يكره لأهل العدل من أن يعمد قتل ذي رحمه. . . . من كتاب قتال أهل البغي. السنن الكبرى 8/ 186.
(3)
تقدم تخريجه في: 18/ 370.
(4)
في م: «ولأنه» .
(5)
في: الإشر اف 3/ 259.